عطـــر الياسمين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامى ثقافى اجتماعى عام
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 10:26 am

[size="5"]في السابع والعشرين من شهر نوفمبر من عام 1995م اختارت الدول الأوروبية الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط هذا اليوم ليكون موعداً لانعقاد مؤتمر موسع في برشلونة بأسبانيا يضم 15 دولة أوربية و12 دولة متوسطية من بينهما 8 دول عربية إضافة إلى تركيا وقبرص ومالطة ودولة العدو الصهيوني، ما مناسبة هذا المؤتمر؟ ولماذا عقد؟ وهل جاء هذا الموعد في زمانه ومكانه محض مصادفة؟. الجواب: أن كل هذا الترتيب وفي هذا الموعد بالذات لم يكن مصادفة، إن هذا الموعد يوافق بالتمام والكمال ذكرى مرور 900 سنة على بدء الحروب الصليبية، ففي مثل ذلك اليوم من ذلك الشهر في عام 1095م، أطلق بابا النصارى "أوربان الثاني" دعوته لبدء الحملات الصليبية على البلدان الإسلامية الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط بغرض الاستيلاء على بيت المقدس. وكان مما قيل في ذلك المؤتمر ما صرح به "ويلي كلاوس" حيث قال: "إن الأصولية خطيرة كما كانت الشيوعية، ونرجوكم ألا تقللوا من شأن هذا الخطر". وقال أيضاً: "إن الخطر الأصولي الإسلامي هو من أهم التحديات التي تواجه الغرب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، ومن واجبنا أن نتعاون مع الدول التي تواجه ذلك النوع من الصعوبات". فهل كان هذا المؤتمر تحضيراً لحروب صليبية جديدة؟ ألم تنته الحروب الصليبية بعد؟ ألم يقل القائد "اللنبي" بعد استيلاء الإنجليز على القدس في الحرب العالمية الثانية وهو واقف على قبر صلاح الدين: "الآن انتهت الحروب الصليبية"! هل كان مخطئاً؟ يبدو ذلك، بل بالتأكيد كان مخطئاً، هذا إن أحسنّا به الظنّ، ولم يكن يعلم أن النصرانية لم تشبع بعد من دماء المسلمين ولم تكفها سبع أو ثماني حملات في القرون الوسطى لإشفاء غليلها من المسلمين الموحدين، ولم تشفها الحملات المعاصرة قبل وبعد الحربين الكونيتين في النصف الأول من هذا القرن، بدليل أن صيحاتهم باتت تصم الآذان منذرة بقيام المزيد من الحروب الصليبية بين العالم الإسلامي والعالم النصراني، وأنها لم تنته بعد، صرّح بذلك مؤخراً كبيرهم الذي علمهم السحر. إن القائد "اللنبي" قال: إن الحروب الصليبية انتهت باستيلاء النصارى على القدس في القرن العشرين، ولكن جاء الصرب وافتتحوا حملات جديدة حتى قال وزير إعلامهم بالحرف الواحد في إعلان شهير له: "إن الصرب في معاركهم في البلقان إنما يمثلون طليعة الحرب الصليبية الأخيرة لاستئصال شأفة الإسلام". إن العالم قد رأى بعينيه الصلبان تحفر على صدور ورقاب المسلمين في البوسنة، فهل تستحق هذه الحرب وصفاً آخر غير الحرب الصليبية؟!. لقد فرغ النصارى من أمر أكثر الدول والأنظمة في العالم العربي والإسلامي تقريباً، ثم أقبلوا الآن على الشعوب المسلمة ذاتها ليناصبوا كل من بقي على الوفاء للدين العداء، والأصولية أو الإرهاب التي نصبوها عدواً بديلاً بعد سقوط الشيوعية ما هي إلاّ تعبير عن رغبة قطاعات عريضة من الشعوب الإسلامية في العودة لأصول الدين. هذه الأصولية بهذا المعنى هي المستهدفة بالحرب الشعواء التي بشّر الغرب بقيامها، ثم باشر البدء فيها فعلاً أحياناً بالقوة العسكرية وأحياناً بالمحاصرة الاقتصادية، وفي أحايين أخرى بالتسلط الدولي تحت مسمى الشرعية الدولية، ومهما حاول الصليبيون الجدد ستر أغراضهم وأحقادهم الدينية بالأقنعة السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو تحت ذريعة محاربة الإرهاب فإن تلك الأقنعة تسقط ويظهر الوجه الحقيقي للصراع وأنها حرب صليبية، قال الله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وقال تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وقال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وقال تعالى: (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون). إن القرآن لم يحدثنا عن الأطماع الاقتصادية أو الأهداف السياسية والعسكرية أو الحضارية للنصارى واليهود، ولكنه ركز على الأغراض الدينية لهم، أما الأغراض الأخرى فتأتي بالتبع، لقد كانت هتافات الجنود النصارى الزاحفين على بيت المقدس أيام الحروب الصليبية الأولى: أمر الله، إنها إرادة الله. وباسم هذا الإله المُدّعى ذبح النصارى المسلمين العُزّل وقت دخولهم القدس في الحملة الصليبية الأولى حتى بلغ عدد القتلى من المسلمين في ساحات الأقصى وطرقات المدينة نحو سبعين ألفاً، وهذا ما يريده النصارى الجدد في حروبهم الصليبية القادمة التي أعلنوا عنها. وتخبرنا الروايات الصليبية نفسِها بأطراف من المأساة، فيقول أحدهم وهو: "ريمون داجيل" في رواية موثقة لدى أدعياء المسيحية السمحة طرفاً من الحدث فيقول: "وقعنا على مشاهد لم يسبق لها مثيل، فقد قُتِل عدد كبير من أبناء المدينة فكانوا يُرمَون بالنبال أو يجبرون على القفز جماعات من فوق الأسوار، كما عُذّب بعضهم قبل أن يُرمَوا في النار، شوارع المدينة كانت مليئة بالرؤوس والأيدي والأرجل، وكان الجنود في كل مكان يسيرون فوق الجثث، لقد كانت مجزرة رهيبة، بعدها كنا نسير في بحيرات من الدم، لقد نهب الصليبيون حتى ارتووا". وقال نصراني آخر: "إن النساء كن يقتلن طعناً بالسيوف والحراب، والأطفال الرضع يُختطفون بأرجلهم من أثداء أمهاتهم ويقذف بهم من فوق الأسوار أو تهشّم رؤوسهم".ولماذا نذهب بعيداً فقد رصد التاريخ الإسلامي الحدث ذاته بكثير من التفصيل والدقة سردها الإمام ابن الأثير رحمه الله في كتابه الكامل: وذكر أن المذبحة استمرت طوال يوم الدخول وليلته واقتحم النصارى المسجد الأقصى في صباح اليوم التالي وأجهزوا على من احتموا فيه، وصبغت ساحات المسجد بدماء العبّاد والزهّاد الركّع السجود، وتوجه قائد الحملة في الضحى لدخول ساحة المسجد متلمساً طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبته، وكان النظر لا يقع إلا على أكوام من الرؤوس والأيدي والأقدام المقطعة في الطرقات والساحات، ونهب النصارى جميع الأمتعة وخربوا أثاث المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ونهبوا القناديل التي بلغت نيفاً وأربعين قنديلاً، كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا نيفاً وعشرين قنديلاً من ذهب. وأبادوا أهل أنطاكية وخربوا حمص وبعلبك وحماة وعسقلان وقِنّسرين وطبرية وغيرها من البلاد وهجَّروا أهلها منها وفعلوا الأفاعيل العظيمة التي استحى حكماؤهم ومؤرخوهم منها. إن هذا بل وأكثر ليس بغريب أن يفعله النصارى لو تمكنوا من رقابنا، بل لماذا نذهب بعيداً ففي خلال الأعوام الماضية القريبة كم قُتل من مسلمي البوسنة وطاجاكستان وألبانيا والشيشان، بل كم قُتل من شعب الصومال والسودان والعراق على أيدي النصارى الصليبيين، وإلى الآن لم يرتووا ولو حصل لهم فرصة أخرى لأحرقوا الأخضر واليابس. أعود لتاريخ المؤتمر، إنه اليوم الذي أرادوا أن يكون عيداً يحتفلون به على أنقاض أرض الأندلس الضائعة، بل ليتهم أرادوا الاحتفال بالذكرى فحسب، بل أرادوا أن يجعلوها بداية انطلاق لبدء رحلة جديدة من الحروب الصليبية، وقبل ذلك بالتعاون مع العدو القديم اليهود، الذين أصبحوا اليوم أعز أصدقاء النصارى الصليبيين وأخلص معاونيهم، حتى إن الغرب النصراني كله قد أجمع على تحويل الأرض المقدسة إلى ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية الموجهة إلى صدور كل شعوب المنطقة الإسلامية، وإن دولة اليهود إسرائيل هي الفرس الذي يعتليه النصارى ويوجهونه، واليهود يعرفون دورهم هذا تماماً وهم يعلمون أن النصارى يدخرونهم ليوم معلوم، قد يحاول المسلمون فيه استعادة كرامتهم ومقدساتهم. ولهذا فإن المراقب المسلم لا يمكنه أن يتجاهل الدور اليهودي في التبشير بالصراع القادم، ودق الطبول للحرب المرتقبة، وتصريحاتهم القديمة في ذلك كثيرة ومتواترة، ولا يزال قادتهم يرددون وبقوة أشد التحذيرات والصيحات والنذر، من خطورة عودة الروح إلى الإسلام على يد دعاة الأصولية. إن النصارى الجدد يريدون أن يستمروا في إراقة الدماء ولو كان دماء شيوخ ونساء وأطفال، المهم أنهم مسلمون، وقد يخترعون مسرحية أم شماعة يعلقون عليها أهدافهم. إنها حرب صليبية ولا تفسير لها إلاّ ذلك. إن الإسلام هو دين الله عز وجل، فلا خوف على الإسلام من الحرب الصليبية الجديدة، إنما الخوف على موقفي أنا وأنت من هذه الحرب التي قد دُقت طبولها، ماذا قدمنا وماذا سنقدم؟ وما هو الدور الذي يجب أن يقفه كل مسلم؟ أما الإسلام فهو كتلك الحبة التي تبقى في باطن الأرض عشرات السنين فإذا نزل المطر نبتت من جديد، وهذا الأمر واقع في الدنيا كلها، فلقد عمل أعداء الإسلام للقضاء على دين الله بكل الوسائل: أباحوا المحرمات، حاربوا التعليم الإسلامي، همشوا لغة القرآن، ألغوا تطبيق الأحكام الشرعية، شجعوا كل أنواع الملاهي المفسدة للشباب، جعلوا من وسائل الإعلام معاول لهدم الأخلاق، نشروا الصحف والكتب التي تشكك حتى في الإيمان بالله، ومع ذلك فهل تم القضاء على الإسلام؟. لقد انتشر الإسلام على يد الأتراك العثمانيين في مقدونيا وألبانيا وكوسوفا والبوسنة والهرسك، وأصبحت المآذن في كل هذه الأرجاء تردد صباح مساء نداء: الله أكبر، ومنذ عام 1912م والمخططات تعمل للقضاء على الإسلام في تلك الإنحاء، فالحكم الشيوعي حارب الإسلام حرباً لا هوادة فيها، حتى وصل الأمر في ألبانيا إلى منع الأسماء الإسلامية وفي مقدمتها اسم: محمد، ونشأت أجيال تحت الحكم الإلحادي الكافر القاضي بقهره وسفكه لدم كل من يُظهر شيئاً من الإسلام، حتى ظن أعداء الإسلام أنهم قد قضوا تماماً على أي وجود إسلامي، لكنهم فوجئوا كما فوجئ الغرب بنور الإسلام يشع في تلك الأرجاء بمجرد انحسار الحكم الشيوعي، فما إن سقطت الأنظمة الشيوعية حتى ارتفعت المآذن وامتلأت المساجد وظهر الشباب الحافظ لكتاب الله والمتقن للغة العربية وتيقن أعداء الإسلام أن نور الله لا ينطفئ أبداً، كيف ينطفئ وقد قال الله عز وجل: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون). لقد ارتكب النصارى جرائم وحشية في حق مسلمي الأندلس، أجبروهم على التنصر، وحوّلوا مساجدهم إلى كنائس، وأتلفوا كتبهم ومصاحفهم، واعتبروا أطفالهم نصارى، فعمّدوهم بالقوة ومحوا شعائرهم وشعاراتهم، ومنعوا تقاليدهم وعاداتهم، ونكثوا العهود والمواثيق، فقتلوا وعذّبوا ونكَّلوا وشرَّدوا. وفي القرن المنصرم فعل الاستعمار الصليبي في بلاد المسلمين من قتل وتشريد وفساد وإفساد وتخريب ودمار ونهب للأموال والممتلكات ما تقشعر له الأبدان، وحُرم المسلمين من أدنى الحقوق التي لا تحرم منها الدواب والبهائم، وليست مذابح البوسنة والهرسك ومجازر كوسوفا منّا ببعيد. وها هم اليوم يتغنون كذباً وزوراً بالأمن والسلام والوحدة والوئام، فهذا مجلس الأمن، وذاك مبعوث السلام، وهذه خطة أمن، وتلك صِلاة سلام، فبالله عليكم متى علمتم الوحوش الضارية استأنست؟ ثم هل تلد الوحوش غير الوحوش؟ والأعجب أن المسلمين لا يعتبرون من التاريخ، وما يزال البعض يثق بالنصارى ويصدق بأنهم عادلون منصفون يرعون حقوق الإنسان، وصدق الله العظيم: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا). لقد بدأت محاولات الغزو الصليبي الحديث منذ القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، بعد أن طَرد الأوروبيون الإسلام من الأندلس بعد معارك وحشية طويلة، بارك البابا الانتصار الصليبي وشجع الصليبيين على متابعة المسلمين لطردهم من بقية بلاد الإسلام، يدفع إلى ذلك حقدهم الدفين على الإسلام والمسلمين، ثم تبعتها الرحلات الاستكشافية تحت غطاء العلم، لأن المقصود من تلك الرحلات هو تطويق العالم الإسلامي آنذاك، وقد صرح بذلك الرحالة "فاسكوداجاما" الذي استعان بالبحّارة المسلم "ابن ماجد" الذي أَمَدّه بالمعلومات والخرائط وقاد معه سفينته نحو جُزر الهند الشرقية، فلما وصل قال ذلك الصليبي الحاقد بعد إتمام الرحلة: "الآن طوقنا رقبة الإسلام ولم يبق إلا جذب الحبل فيختنق ويموت". ثم تتابعت الرحلات الأخرى التي قام بها الصليبيون في العالم الإسلامي يدرسون مداخله ومخارجه، هذه الرحلات التي نُدرِّسها لطلابنا على أنها من أعظم الرحلات وأنها كانت رحلات علمية. أما اليوم فها هو التبشير والتنصير قد أنشب أظفاره وكشر أنيابه وهو نتيجة من نتائج التعصب الصليبي المسلّح، ومولود من مواليد القوة الطاغية، التي تُسمِي كل ما ترضى عنه من الأعمال المنكرة حرية دين، أو حرية فكر، أو حرية رأي، وتُسمي كل ما لا ترضى عنه من المطالبة بالحقوق المغصوبة وغير ذلك، تسميه إرهابًا وعنفًا وأصوليةً وتشددًا. إن عداوة أهل الكتاب للمسلمين قضية مقررة محسومة، وعقيدة راسخة معلومة، بينها الله في القرآن الكريم، وشهد بها التاريخ والواقع الأليم، فمن لم يقنع ببينة القرآن ولم يكفه شاهد العيان فلا حيلة إليه. لقد غزت أوربا النصرانية بلاد المسلمين بجيوش جرارة لأحقاد دفينة ترفضها جميع الأديان السماوية، وأرادوا تحقيق أغراض توسعية لمصلحة الكنائس الغربية واستغلالاً لخيرات بلاد المسلمين. إن الدافع الأول من أهداف الحروب الصليبية القديمة والجديدة هو الدافع الديني، ومن أشهر من تبنى الدعوة إلى الحروب الصليبية، هو البابا نفسه والذي يعتبر المسؤول الأول عن الترويج لحرب المسلمين، وقد وعد البابا الجموع المشاركين بالحرب برفع العقوبات عن المذنبين منهم، وإن كانت حملاتهم لا تخلوا من مآرب اقتصادية لاستغلال خيرات العالم الإسلامي. فهل توقفت الحملات الصليبية الآن؟. أنّى لها أن تتوقف، وأحقاد القوم لا يطفئها إلا الانتقام وإراقة الدماء. الحروب الصليبية لم تتوقف أبداً منذ مطلع الدعوة الإسلامية وحتى عصرنا الحاضر (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر). يعود تاريخ الحروب الصليبية إلى بداية المواجهة ضد النصارى في غزوة مؤتة، واستمر هذا الصراع مع حملة الصليب عبر الأندلس وصقلية وفلسطين وسواحل بلاد الشام. غزوة مؤتة كانت مثالاً للصراع المبكر بين المسلمين والنصارى في السنة الثامنة من الهجرة، وكان الصليب هو شعار الروم آنذاك، واستمر الصراع فجاءت معركة اليرموك بقيادة كبار الصحابة، ورُفعت رايات الإسلام على بلاد الشام خفّاقة مشرقة، ودخل الإسلام أرض الكنانة. ومن المعارك الفاصلة في تاريخ الصراع الصليبي مع المسلمين، موقعة ملاذكَرد، انهزم فيها النصارى هزيمة ساحقة وامتلأت الأرض في آسيا الصغرى بجثث القتلى، وأُسر الامبرطور نفسه على يد القائد المسلم ألب أرسلان. ثم جاءت الحروب الصليبية الشهيرة واستمرت قرنين من الزمان، وكانت الحملات فيها تتوالى من الغرب الصليبي على بلاد المسلمين كالأمواج المتلاطمة، وكان الصليب فيها شعارهم، فكانت عدواناً صارخاً حاقداً ليس له نظير في تاريخ الحروب العالمية، إذ خلّفت الخراب والدمار، وكانت سمتها المجازر الوحشية، مما يعتبر وصمة عار في تاريخ العالم النصراني. وكل حملة من هذه الحملات كانت توجه لبقعة من أراضي المسلمين، فجاءت الحملة الصليبية الأولى نحو بيت المقدس، ثم الثانية، ثم الثالثة، وهكذا حتى جاءت السابعة بقيادة ملك فرنسا موجهةً إلى مصر، فتصدى لهم المجاهدون قرب المنصورة، وألحقوا بهم هزيمة ساحقة، بلغ فيها عدد القتلى من الصليبيين ثلاثين ألفاً، أما الأسرى فحدث ولا حرج والحمد لله. والحملة الثامنة توجهت نحو المغرب ونزل في تونس، وبعد أربعة أشهر نزل وباء قضى على أكثر الجيش الصليبي والحمد لله. أما الدولة العثمانية فتاريخها مع الحروب الصليبية النصرانية تاريخ عريق، فلم تنس أوربا النصرانية هزيمتها أمام الدولة العثمانية، أحرز فيها العثمانيون نصراً مؤزراً، فقد قُتل من النصارى الكثير، وغرق آلاف منهم في نهر الدانوب والحمد لله. ولن تنسى أوربا النصرانية سقوط القسطنطينية بيد السلطان محمد الفاتح رحمه الله، ومنذ ذلك التاريخ وقادة أوربا النصرانية يضعون الخطط للإجهاز على الدولة العثمانية واقتسام تركتها، واستمر القوم يتآمرون ويتعاونون مع جمعيات الماسون السرية التي كانت تضم المجرمين من اليهود والصرب واليونان، حتى تمكنوا من عزل السلطان عبدالحميد وإسقاط الخلافة، ليتحكم فيها جماعة الاتحاد والترقي ومعظم قادتها وأعضائها من يهود الدونمة، فتمكن الاستعمار الخبيث من القضاء نهائياً على الخلافة، واصطناع الحدود بين أقطارها عن طريق اتفاقية "سايكس بيكو" الشهيرة عام 1915م، وتم إلغاء الخلافة الإسلامية وطَرْدِ الخليفة خارج الحدود، ومصادرة أمواله، وإعلان علمانية الدولة، وإلغاء الشريعة الإسلامية. ولم يكتف الصليبية النصرانية بكل هذا، بل استمروا في حربهم الصليبية ضد المسلمين واستغلوا خيرات بلاد المسلمين من المغرب العربي إلى مصر وبلاد الشام، فلم تسلم دولة إسلامية من ذلك حتى باكستان وأندونيسيا. كانت الحرب الصليبية الأولى عام 489هـ بقيادة بطرس الناسك بتحريض من رجال الدين لاحتلال بيت المقدس، ثم جاءت الحرب الصليبية الثانيه عام 541هـ بقيادة ملك ألمانيا، والثالثة كانت عام 585هـ بقيادة ريشارد قلب الأسد ملك انكلترا، وفيليب ملك فرنسا بحجة استعادة بيت المقدس بعد الانتصارات التي حققها البطل المجاهد صلاح الدين الأيوبي، ثم كانت الحرب الصليبية الرابعة عام 594هـ بقيادة أمراء فرنسيين انتهت بالفشل، أما الحرب الصليبية الخامسة فكانت عام 615هـ، ثم السادسة عام 625هـ بقيادة ملك ألمانيا انتهت بتسليم بيت المقدس إلى الصليبيين، والحرب الصليبية السابعة كانت عام 637هـ، أما الحرب الصليبية الثامنة فهي الهجمة الصليبية مع بداية القرن المنصرم والتي من خلالها تم تدمير الخلافة الإسلامية وتفكيك العالم الإسلامي إلى دويلات متفرقة وجثوم الصليبين على قلب العالم الإسلامي، ومن ثم تسليم فلسطين لأخوان القردة والخنازير، وفيها ركل القائد الانكليزي قبر صلاح الدين وقال قولته المشهورة: "ها قد عدنا يا صلاح الدين". قالها بعد سبعمائة سنه من آخر حملة. وقد ذكر بعض المؤرخين المعاصرين أن الحرب الصليبية التاسعة والتي كانت عام 1422هـ هي الهجوم على بلاد الأفغان. وهناك من يقول بأن العاشرة قد دقت طبولها في العراق، وأن الحروب الصليبية لم تنته بعد. إن الدول الغربية تفتعل أي سبب لكي تضرب أية دولة أو لتشن حرباً صليبية جديدة، حالهم في ذلك حال ذلك الذئب الذي كان يشرب من أحد الأنهار، فأبصر حملاً فطمع في افتراسه، ولكنه أراد أن يراعي شريعة الغاب حتى يكون افتراسه موافقاً لقرارات الأمم المتحدة، فيبدأ بتقديم مسوّغ لافتراس ذلك الحمل يقنع به باقي الوحوش! فما إن رأى الحمل يجترّ بفمه، حتى بادره قائلاً: أتهزأ بي لا أبا لك! قال الحمل: أبداً، إنما اجترُّ بعض الطعام. قال: فلماذا كدرت عليّ ماء النهر أثناء شربي؟. قال الحمل: وكيف وأنت أعلى النهر وأنا أسفله. قال: إذاً أنت الذي قتلت أبي في العام الماضي! قال الحمل: أبداً، فلم أولد إلا قبل أشهر! قال: فأبوك إذاً هو الذي قتله!. ثم هجم عليه وافترسه!. هكذا يتعامل الغرب اليوم مع الشعوب المسلمة لكي يغطوا عورتهم في الحرب الصليبية الجديدة. إننا نرجو من الله سبحانه وتعالى أن تكون في هذه الحملات الصليبية من المحن المحملة بالمنح، وأن يصدق فيها قول الله تعالى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)، ولعلها تكون كذلك من ناحيتين: الناحية الأولى: أن تكون موقظة للأمة من غفلتها: فإن الأمة تعاني من أمراض عظيمة، من حب الدنيا، وكراهة الموت، والابتعاد عن الشرع، والخلود إلى الأرض، فأعجزها ذلك عن الحراك، وسلط عليها الكفار من كل جنس، وعلاجها والله أعلم لا يكون إلا بصدمات قوية متتابعة، بقوة ما هي عليه من مرض، فلعل هذه الحملات الصليبية تحمل بين أظهرها علاج هذه الأمة فتجعلها تفيق من غفلتها، وتنهض من كبوتها، وقد رأينا كيف كان الاجتياح الشيوعي الأحمر لأفغانستان قبل أكثر من عشرين سنة من أعظم أسباب إحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله بين المسلمين في العصر الحاضر، وما يدريك أن حملة بني الأصفر الحالية على المنطقة أن تحيي الجهاد في هذه المنطقة أيضاً ويحصل ما كان يخشاه الغرب، وتوقظ قلوب المسلمين، وتكون طريقاً لإظهار الإسلام على الدين كله ولو كره الكافرون، وما ذلك على الله بعزيز. الناحية الثانية: أن تكون طريقاً لنهاية بعض الدول التي تُسمى بالدول العظمى، إنها تمر الآنبأزمات اقتصادية متتابعة خانقة، ولو تورطوا بحملة صليبية جديدة، فإن ذلك يحتاج إلى ميزانية ضخمة، بالإضافة إلى ما يسببه الاعتداء على مناطق النفط من أزمات عالمية ستتضرر منها هذه الدول، وهذا يؤذن بأفول نجم هذه الدولة بحول الله وقوته، إذ إن قوامها قائم على الاقتصاد، والتاريخ الحديث فضلاً عن القديم يشهد لذلك، فأين هي الاتحاد السوفيتي الآن بعدما تورطت في دخولها بلاد الأفعان.أما نحن المسلمين فإننا مأمورون أيام الفتن بتقوى الله سبحانه والرجوع إليه، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، والاهتمام بأصل الدين ولبه توحيد الله وتعلمه وتعليمه، ودعوة الناس إليه، وهجر الشرك كله صغيره وكبيره، وتحذير الناس منه، والتمسك بالسنة واتباعها، والحذر من البدع وأهلها، والمعاصي والتحذير منها، والبراءة من الكفر وأهله، فإن هذه الأمور من أعظم أسباب النصر قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم). وبإذن الله نسرد وقائع الحملات الصليبية واحدة تلو الاخرى بشئ من التفصيل .[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 10:29 am

[size="5"][align=center]
((حملة الرعاع 21 من شعبان 489هـ))
شهدت مدينة "كليرومونت" الفرنسية حدثًا خطيرًا في (26 من ذي القعدة 488هـ = 27 من نوفمبر 1095م) كان نقطة البداية للحروب الصليبية؛ حيث وقف البابا "أوربان الثاني" في جمع حاشد من الناس يدعو أمراء أوروبا إلى شنّ حرب مقدسة من أجل المسيح، وخاطب الحاضرين بلغة مؤثرة تكوسها الحماسة ودعاهم إلى تخليص الأرض المقدسة من سيطرة المسلمين، ونجدة إخوانهم في الشرق، ودعا المسيحيين في غرب أوروبا إلى ترك الحروب والمشاحنات، وتوحيد جهودهم إلى قتال المسلمين في الشرق.
وكي يُقبل الناس على الاشتراك في هذه الحروب وعدهم البابا بمنح الغفران لكل من يشترك في هذه الحرب، وتعهد بأن الكنيسة ستبسط حمايتها على أسر المحاربين وأمتعتهم؛ فلا تتعرض زوجاتهم أو أطفالهم أو أملاكهم لأية أخطار، وقد لقيت خطبة "أوربان" الحماسية بما انطوت عليه من امتيازات ومكاسب دينية ودنيوية – استجابة هائلة على الفور من الحاضرين، وأيقظت في نفوسهم روح المغامرة والكسب؛ فصاحوا جميعًا صيحة مدوية هزت أرجاء الفضاء قائلين: "هذه مشيئة الله"، وكانت هذه الصيحة المشئومة إيذانا بفتح أول صفحة في كتاب "الحروب الصليبية"، وبداية صراع دام عدة قرون.
أول متطوع في الحروب الصليبية
ولم يكد البابا "أوربان الثاني" يفرغ من خطبته التي دعا فيها إلى محاربة المسلمين حتى جثا "أدهمار" أسقف بوي أمام قدمي البابا، راجيًا أن يكون له شرف المساهمة في تلك الحرب المقدسة، وبذلك افتتح هذا الأسقف قائمة المتطوعين التي لم تتوقف بعد ذلك، واختاره البابا ليكون مندوبًا عنه يقود الصليبيين في رحلتهم إلى المشرق، إشارة بأن تلك الحروب إنما تتم تحت إشراف الكنيسة وهيمنتها.
وأمر البابا رجال الكنيسة الذين كانوا يحضرون خطبته أن يعودوا إلى بلادهم، ويبشروا بالحروب الصليبية، وعهد إلى أحد رؤساء الأديرة بأن يدعو إلى الحرب في "نورمانديا" و"إنجلترا"، وبعث بأسقفين إلى "جنوة" لإثارة حماس أهلها، وحدد البابا الخامس عشر من أغسطس من سنة 1096م (وهو يوافق 21 من شعبان 488) موعدًا لرحيل الحملة إلى الشرق؛ حيث تكون المحاصيل قد جُمعت، ويكون التجمع واللقاء في مدينة القسطنطينية الحصينة.
ولم تلبث دعوة البابا أن لقيت رواجًا وانتشارًا في أوروبا، وتأثر بها العامة والدهماء، وراودتهم أحلامهم في حياة ينعمون فيها بالرخاء في الشرق، متأثرين بما يروجه رجال الكنيسة، وسرعان ما تكونت حركة شعبية ارتبطت باسم "بطرس الناسك".
بطرس الناسك
يذكر المؤرخون أن بطرس الناسك كان رجلا قصير القامة، أسمر اللون، يمشى حافي القدمين، مرتديا ملابس رثة، وكان راهبًا هجر الدير بتكليف من البابا؛ لكي يقوم بالدعوة إلى الحملة الصليبية، فطاف بمختلف أقاليم فرنسا بهيئته المزرية داعيا إلى حملة البابا، وفي كل مكان يحل به كان يسحر ألباب الناس، ويخلب أفئدتهم ببيانه الساحر وفصاحته حتى تجمع حوله أعداد هائلة من الأتباع، بلغوا خمسة عشر ألفًا، منهم فلاحون وأهل مدن، وفئات من صغار النبلاء، وبعض المجرمين وقطاع الطرق، ولم يكن يجمع هؤلاء الشراذم إلا الحماسة والرغبة في قتال المسلمين، والاستيلاء على الأرض.
لم تصبر هذه الجموع الغوغاء حتى موعد الرحيل الذي حدده البابا للحملة، ولم تفلح محاولات البابا في إثنائهم عن الرحيل، ولم تجد دعوته استجابة من هؤلاء الغوغاء، ولم تستطع اللوائح التي وضعها "أوربان" علاج الموقف.
وتحركت هذه الجموع تحمل محاصيلهم فوق عربات ثقيلة تجرها الثيران، وفي صحبتهم الزوجات والأطفال، حتى وصلوا "كولونيا" في (15 من ربيع الآخر 489هـ= 12 من إبريل 1096م)، وظلوا بها فترة من الوقت يتزودون بالمؤن، ويتقوون بانضمام الألمان إليهم حتى تضاعف عددهم.
والتر المفلس
وفي الوقت الذي كان فيه بطرس الناسك ماضيا في دعوته في الغرب الأوروبي ظهر زعيم آخر من زعماء العامة اسمه "والتر المفلس"، التف حوله بعض الناس، وعبر بهم أرض "هنغاريا" ثم أراضي الدولة البيزنطية، وطوال الطريق كانوا ينهبون ويسلبون ويعتدون على الأهالي حتى بلغوا القسطنطينية في (رمضان 489هـ = يوليو 1096) وسمح لهم الإمبراطور البيزنطي ألكسويس كوفين بالانتظار خارج أسوار العاصمة حتى وصول "بطرس الناسك".
الطريق إلى القسطنطينية
غادر بطرس الناسك "كولونيا" في (23 من ربيع الآخر 489هـ = 2 من إبريل 1096م) متجها إلى المجر، على رأس حشوده الجرارة من الغوغاء والدهماء، وأثناء عبورهم المجر عند بلدة "سملين"، وقع خلاف بين المجر وجنود الحملة بسبب الحصول على المؤن، وتطور الخلاف إلى مذبحة ارتكبها الصليبيون أسفرت عن مقتل أربعة آلاف من أهل المجر الأبرياء، وتحولت "سملين" إلى خرائب تتصاعد منها دخان الحرائق التي أشعلها جنود الرب، ضد إخوانهم المسيحيين الذين زعم الصليبيون أنهم جاءوا لنجدتهم.
وعندما وصل "بطرس الناسك" الذي كان يمتطي حماره في مقدمة جيشه إلى مدينة "نيش" التي تقع على الحدود البيزنطية خاف قائد الحامية البيزنطية على مدينته من التصرفات الحمقاء لهذه الجموع، فاتخذ تدابير لمواجهتهم عند الضرورة بأخذ بعض الرهائن منهم، لكن الصليبيين عاودوا أعمال السلب والنهب وتخريب القرى والمدن، ولم يجد البيزنطيون بُدًّا من مهاجمة بطرس الناسك، وقتل كثير من رجاله، وأسر عدد آخر، والاستيلاء على الأموال والتبرعات التي كان الراهب قد جمعها من أغنياء غرب أوروبا، لكن ذلك لم يؤثر في مسيرة الجيش الصليبي، وسار صوب مدينة "صوفيا"، وهناك لقيه مندوبون عن الإمبراطور البيزنطي، وأبلغوا "بطرس" ومن معه باستياء الإمبراطور، وبأوامره التي تقضي بألا يمكث الصليبيون في أي مدينة بيزنطية أكثر من ثلاثة أيام.
على أسوار القسطنطينية
وصلت الشراذم المتبقية من حملة بطرس الناسك إلى أسوار القسطنطينية في (شعبان 489هـ = يوليو 1096م)، وأرسل الإمبراطور البيزنطي في طلب بطرس الناسك، وعرض عليه أن ينتظر بقواته خارج المدينة حتى تأتي القوات الصليبية الرئيسية في الموعد الذي حدده البابا لتجمع القوات الصليبية، لكن بطرس رفض عرض الإمبراطور ونصائحه التي أسداها إليه، وأغرته كثرة أتباعه وأنصاره.
وواصل الصليبيون أعمالهم الهمجية في القسطنطينية، وارتكبوا كثيرًا من المخازي، ومارسوا السلب والنهب، واضطر الإمبراطور البيزنطي أو أن يتخلص من هذا الشر المستطير بنقلهم بسرعة عبر المضايق إلى آسيا الصغرى، وفي الوقت نفسه كرر نصائحه للصليبيين بالتروي والانتظار عند أحد المراكز الحصينة بالقرب من "البسفور"، حتى تأتيهم الإمدادات والجيوش النظامية المدربة من الغرب، لكنهم لم ينصتوا إلى نصائحه، ولم يستطيعوا ضبط أنفسهم، والكف عن السلب والنهب، والاعتداء على المزارع والضياع والقرى والكنائس القريبة.
نهاية محتومة
أخذ الصليبيون يوسعون دائرة أعمالهم الهمجية، وواصلوا زحفهم إلى "نيقية" قاعدة السلطان السلجوقي "قلج بن أرسلان"، وكان عدد الصليبيين خمسة وعشرين ألفا، منهم خمسمائة من الفرسان -على أكثر تقدير-، والباقون من المشاة المعدمين الذين لا يربطهم نظام، ولا توحد صفوفهم قيادة مؤهلة، ولم يجد الأتراك السلاجقة صعوبة في الإيقاع بهذا الجيش الهمجي والإجهاز عليه تمامًا، حتى إنه لم ينج من ذلك الجمع الحاشد من الصليبيين سوى ثلاثة آلاف، وعندما وصلت أنباء هذه الهزيمة إلى الإمبراطور أرسل بعض سفنه تحمل إمدادات إلى الصليبيين، لكن ذلك كان بعد فوات الأوان، فحملت فلولهم إلى القسطنطينية وظلوا في رعاية الإمبراطور حتى وصول الحملة الرئيسية التي شاءت لها الأقدار أن تؤسس الإمارات الصليبية في الشرق، وتستولي على بيت المقدس.
وهكذا انتهت حملة الرعاع فوق تراب الشرق، وضاع الحلم الذي راودهم، وحرك فيهم مشاعر الطمع والاستمتاع بخيرات الأرض التي تفيض باللبن والعسل.. لكن الهزيمة لم تمنع من تكرار المحاولة، وبدأت سلسلة الحملات الصليبية على الشرق الإسلامي[/align]
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 10:31 am

[SIZE="5"][align=center]
((الحملة الصليبية الثانية..
نقطة التحول 7 ربيع الأول 543هـ))

كان لسقوط إمارة "الرها" في أيدي المسلمين دوي شديد لدى الصليبيين الذين أصيبوا بصدمة عنيفة نتيجة سقوط تلك المدينة التي كانت تتمتع بمكانة دينية خاصة في تاريخ المسيحية، بالإضافة إلى أنها كانت أول إمارة صليبية أسسها الصليبيون في الشرق، فجاء سقوطها إيذانًا ببداية انهيار الكيان الصليبي كله، وتداعي الحكم الصليبي بتكوين إمبراطورية صليبية كبرى في الشرق.
ومن ثم فقد تضافرت الجهود في (أوروبا) من أجل مساندة الوجود الصليبي في الشرق، ودعمه ومساعدته على الصمود والبقاء وعدم الانهيار.
وأسفرت تلك الجهود عن تبني فكرة "الحملة الصليبية الثانية" التي نبتت في بلاط "لويس السابع" ملك فرنسا سنة [540 = 1145م] ـ والذي كان معروفًا بتعصبه الشديد للمسيحية، وأقرها مجمع "فزلاي" (Vezely) في [ شوال 540 هـ= مارس 1146م]، ثم استجاب لها الإمبراطور "كونراد الثالث"، إمبراطور ألمانيا في [ رجب 541 هـ= ديسمبر 1146م].
وقد تألفت تلك الحملة من جيشين كبيرين على رأس أحدهما "لويس السابع" ملك "فرنسا"، ويقود الآخر "كونراد الثالث" إمبراطور "ألمانيا"، وقد عرض عليهما "روجر الثاني" ملك "صقلية" أن يقدم لهما المساعدة للوصول إلى الشرق عن طريق البحر، ولكنهما رفضا هذا العرض بسبب العداء بين "النورمان" في "صقلية" من ناحية، و"فرنسا" و"ألمانيا" من جهة أخرى؛ ولذلك فقد تقرر أن تسير الحملة برا إلى بلاد الشام، وتم الاتفاق على أن يسبق "كونراد" وجيشه إلى الشرق، ثم يلحق بهم "لويس" والفرنسيون إلى "القسطنطينية حتى لا يؤدي مسير الجيشين معًا إلى صعوبة في التموين.
ووصل جيش الصليبيين بقيادة "كونراد الثالث" إلى حدود "الدولة البيزنطية" في صيف [542هـ=1147م]، فأعلن الإمبراطور البيزنطي، مانويل كومنين عن استعداده للسماح للصليبيين بالمرور من أراضيه، وإمدادهم بالمؤن؛ بشرط أن يتعهدوا بالولاء له، وتسليمه كل ما يستولون عليه من البلاد في آسيا، وهو ما لم يقبله القائد الصليبي، وساءت العلاقات بين الصليبيين والبيزنطيين، فأسرع الإمبراطور البيزنطي إلى عقد الصلح مع السلطان "مسعود" سلطان السلاجقة.
هزيمة "كونراد الثالث" أمام السلاجقة
وعبّر كونراد الثالث خليج البوسفور إلى آسيا الصغرى على رأس قواته، وزحف بهم نحو الشرق، وبدلاً من أن يسلك طريق الشاطئ الجنوبي لآسيا الصغرى محتميا بالقلاع والمدن البيزنطية المنتشرة على الشاطئ، اختار "كونراد" أن يخترق أراضي السلاجقة.
وما لبث أن حدث نزاع بين الألمان ودليلهم البيزنطي، فتخلّى عنهم الدليل وتركهم في الطريق معرضين لأشد الأخطار؛ إذ سرعان ما أحس بهم السلاجقة، فانقضّوا عليهم وقتلوا عددًا كبيرًا منهم، وأسروا آخرين، وهو ما اضطر كونراد إلى التراجع بمن بقي من فلول جيشه المُمزَّق، حتى وصل إلى "نيقية" بعد أن كبده السلاجقة خسائر فادحة.
لويس السابع يقود الحملة
وفي تلك الأثناء كان "لويس السابع" ـ ملك فرنسا ـ قد وصل إلى أسوار "القسطنطينية" حينما بلغه نبأ الصلح الذي عقده الإمبراطور البيزنطي مع سلطان السلاجقة، وعرض عليه "مانويل" إمداده بالتموين اللازم للحملة على أن يقسم له جميع الفرنسيين المشتركين في الحملة يمين الولاء والتبعية عما يفتحونه من أراض آسيوية، فأذعن "لويس" مضطرًا.
وسار لويس بجنوده حتى وصل نيقية؛ حيث فوجئ بفلول كونراد الثالث، واختار لويس أن يسلك الطريق الجنوبي المحاذي لساحل البحر المتوسط، ليجنِّب جنوده المصير الذي تعرّض له الجنود الألمان.
وسار معه "كونراد" وجنوده، إلا أنه أحس بحرج موقفه بعد أن فقد معظم جيشه أمام السلاجقة، فآثر العودة مع جنوده إلى القسطنطينية، وما لبث أن اتجه وجنوده إلى فلسطين على بعض السفن البيزنطية.
واستمر "لويس" في تقدمه حتى وصل إلى "أنطاليا" ـ إحدى المدن البيزنطية الحصينة على الشاطئ الجنوبي لآسيا الصغرى ـ وأراد لويس العبور إلى الشام بحرًا؛ تجنبًا للتعرض لحظر السلاجقة إذا ما سلك طريق البر، ولكن البيزنطيين امتنعوا عن تقديم السفن اللازمة لهم، وهو ما اضطر "لويس السابع" إلى نقل جنوده على دفعات إلى (الشام) بالسفن القليلة المتاحة.
وصل "لويس السابع" إلى"إنطاكية" حيث استُقبل استقبالاً عظيمًا من الأمراء الصليبيين في "الشام"، وبالرغم من ذلك بدأت بوادر الشقاق تلوح بين هؤلاء الأمراء، حتى فقدت تلك الحملة الهدف الأساسي الذي جاءت من أجله، وسعى كل واحد منهم إلى توجيه الحملة لخدمة مصالحه الخاصة وأهوائه الشخصية.
أراد "ريموند دي بواتيه" أمير "إنطاقية" وعم الملكة (إليانور) زوجة لويس السابع ـ أن تتوجه الحملة للقضاء على قوة نور الدين في حلب، بينما أراد "ريموند" أمير "طرابلس" استرداد قلعة "بعرين" من المسلمين. أما جوسلين الثاني" أمير "الرها" فقد أراد استرداد إمارته التي استولى عليها "نور الدين"، لاعتقاده أن سقوط "الرها" إنما كان هو المحرك الأول لتلك الحملة. وأراد لويس ورجاله الاتجاه إلى بيت المقدس، وقد برر ذلك بأنه إنما قبل أن يحمل الصليب، ويأتي إلى الأراضي المقدسة للحج وزيارة بيت المقدس والدفاع عن تلك المدينة لا لغزو حلب!!.
الصليبيون على أبواب دمشق
وعندما وصل "لويس السابع" إلى "بيت المقدس" استقبل استقبالا حافلاً، وتم عقد مجلس صليبي كبير، ضم "لويس السابع" و"كونراد الثالث" ـ الذي سبقه إلى "بيت المقدس" ـ والملك "بلدوين الثالث"، وأمراء مملكة "بيت المقدس"، وعددا كبيرا من كبار رجال الدين والأمراء الصليبيين.
وقد أسفر هذا الاجتماع عن قرار بعيد كل البعد عن الغرض الذي خرجت من أجله الحملة الصليبية الثانية، فقد اتفق الجميع على مهاجمة "معين الدين أُنر" حاكم "دمشق" الفعلي، والحليف الوحيد للصليبيين بين أمراء المسلمين بالشام.
وتجمعت الجيوش الصليبية لمهاجمة "دمشق"، وسرعان ما زحف الصليبيون إلى دمشق [ ربيع الأول 542 هـ= يونيو 1148 م] فحاصروها، وبدءوا يهاجمون من الجهة الغربية، ولكن المسلمين تصدوا لهم محتمين بالأشجار الكثيفة في هذا الجانب، فسحب الصليبيون جيوشهم إلى الجهة الشرقية الخالية من الأشجار، ولكن ذلك جعلهم بعيدين عن مياه الشرب مما عرضهم لمتاعب كثيرة، خاصة وأن الوقت كان صيفًا والحرارة قاسية.
وتصدى لهم أهل "دمشق" وصبروا لهم، واشترك معهم الزهاد والفقهاء في القتال، وكان فيمن خرج للقتال الفقيه حجة الدين يوسف بن دي ناس الفندلاوي المغربي، وكان شيخًا كبيرًا، فقيها عالمًا، فلما رآه "معين الدين" وهو راجل، قصده وسلم عليه، وقال له: يا شيخ، أنت معذور لكبر سنك، ونحن نقوم بالذب عن المسلمين، وسأله أن يعود، فلم يفعل، وقال له: "قد بعت واشتُرى مني".
وبدأت قوات "معين الدين أنر" تتزايد وتدفقت النجدات إلى "دمشق" من الأبواب الشمالية، وهو ما جعل الصليبيين يتحولون من الهجوم إلى الدفاع.
وازداد موقف الصليبيين سوءًا بعد أن بدأ الشقاق يدب بينهم حول تبعية "دمشق" ومصيرها، وأحقية كل فريق منهم في ضمها إليه في حالة سقوطها والاستيلاء عليها.
فشل الحملة وانسحاب الصليبيين
وفي ذلك الوقت علم "أُنر" بخروج الأميرين الزنكيين "سيف الدين غازي" أتابك "الموصل" و"نور الدين محمود" أتابك "حلب" لنجدته، فأرسل إلى الصليبيين يهددهم وينذرهم بالخطر الذي سيحيق بهم إذا لم يتركوا "دمشق"، ويعرض عليهم ـ في الوقت نفسه ـ إعطاءهم حصن "بانياس" مقابل الجلاء عن "دمشق".
ولم يكن أمام الصليبيين خيار أمام هذا العرض المغري الذي يضمن لهم السلامة بعد أن أحاط بهم الهلاك والردى في كل مكان.
ورجع الصليبيون ـ بعد أربعة أيام من حصار "دمشق" يجرون أذيال الهزيمة والفشل، بعد أن عجزوا عن تحقيق أي هدف من وراء تلك الحملة التي حشدت لها أوروبا رجالها وإمكاناتها، فلم تجنِ من ورائها إلا المزيد من الهزائم والمزيد من القتلى والدماء، وضاعت هيبة الصليبيين في "الشام"، وانحطت مكانتهم وضعف سلطانهم.
وكان فشل هذه الحملة هو نقطة التحول نحو انهزام الصليبيين وزوال وجودهم من العالم الإسلامي، وأصبح المسلمون على قدر كبير من الثقة بأنفسهم خاصة بعد الانتصارات التي حققها "عماد الدين زنكي "، ومن بعده "نور الدين" على الصليبيين، وارتفاع راية الجهاد ضد الصليبيين، مما أوجد نوعًا من الوحدة والتآزر بين المسلمين، وجمعهم لواء الدين ورابطة الإسلام التي تتضاءل أمامها كل العصبيات والقوميات.
[/align]
[/SIZE]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 10:33 am

[align=center][size="5"]
((موقعة حطين))
هيأت الأقدار لصلاح الدين الأيوبي أن يسطع في القرن السادس الهجري سطوعا باهرًا، وأن تبرز مواهبه وملكاته على النحو الذي يثير الإعجاب والتقدير، وأن يتبوأ بأعماله العظيمة مكانا بارزًا بين قادة العالم، وصانعي التاريخ.
وكانت وفاة نور الدين محمود سنة (569هـ = 1174م) نقطة تحوّل في حياة صلاح الدين؛ إذ أصبحت الوحدة الإسلامية التي بناها نور الدين محمود-هذا البطل العظيم- معرّضة للضياع، ولم يكن هناك من يملأ الفراغ الذي خلا بوفاته، فتقدم صلاح الدين ليكمل المسيرة، ويقوّي البناء، ويعيد الوحدة، وكان الطريق شاقا لتحقيق هذا الهدف وإعادة الأمل.
بناء الوحدة الإسلامية
توفي نور الدين محمود، وترك ولدا صغيرا لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، فشب نزاع بين الأمراء على من يقوم بالوصاية على الأمير الصغير، وانفرط عقد الدولة النورية، وكان صلاح الدين في مصر يراقب ما يحدث في الشام عن كثب، ينتظر الفرصة المواتية لتوحيد الجبهة الإسلامية، ولم يطل انتظاره حيث جاءته دعوة من أمراء دمشق لتسلّمها، فهب إليها على الفور، واستقبله أهلها استقبالا حسنا، وتسلم المدينة وقلعتها في سنة (570هـ = 1174م) ثم اتجه إلى حمص فاستولى عليها، ثم عرج على حماة فضمها أيضا إلى دولته، وأصبح على مشارف حلب نفسها، وحاول أن يفتحها لكنها استعصت عليه، بعد أن استنجد قادتها بالصليبيين؛ فتركها وفي أعماقه أنه سيأتي إليها مرة أخرى، ولكن تأخرت عودته ثماني سنوات، حتى تمكن من فتحها وضمها في (18 من صفر 579هـ = 12 من يونيه 1183م) وكان استيلاء صلاح الدين على حلب وما حولها خطوة هائلة في بناء الجبهة الإسلامية المتحدة، التي امتدت تحت زعامته من جبال طوروس شمالا حتى بلاد النوبة جنوبا.
لم يعد أمام صلاح الدين لاستكمال الوحدة سوى مدينة الموصل، فحاصرها أكثر من مرة، إلى أن تم الصلح، بعد أن سعى إليه والي الموصل "عز الدين مسعود"، قبل أن يكون تابعا لصلاح الدين، واتفق على ذلك في صفر سنة (582هـ = 1186م).
جبهة الصليبيين
في أثناء الفترة التي عمل فيها صلاح الدين على إحياء الدولة الإسلامية المتحدة؛ استعدادا لخطة الجهاد التي رسمها لطرد الصليبيين، ارتبط بعقد هدنة مع هؤلاء الصليبيين مدتها أربع سنوات؛ حتى يتفرغ تماما لتنظيم دولته وترتيب أوضاعها الداخلية.
غير أن أرناط حاكم الكرك شاء بحماقته ألا يترك الصليبيين ينعمون بتلك الهدنة؛ حيث أقدم على عمل طائش نقض الهدنة وأشعل الحرب، فاستولى على قافلة تجارية متجهة من مصر إلى دمشق، وأسر حاميتها ورجالها، وألقى بهم أسرى في حصن الكرك.
حاول صلاح الدين أن يتذرع بالصبر فبعث إلى أرناط مقبحًا فعله، وتهدده إذا لم يرد أموال القافلة ويطلق سراح الأسرى. وبدلا من أن يستجيب أرناط أساء الرد، واغتر بقوته، ورد على رسل صلاح الدين بقوله: "قولوا لمحمد يخلصكم".
ولما حاول ملك بيت المقدس أن يتدارك الموقف أصرّ أرناط على رأيه، ورفض إعادة أموال القافلة وإطلاق الأسرى، فزاد
الأمر تعقيدا، ولم يبق أمام صلاح الدين سوى الحرب والقصاص.
مقدمات حطين
عبّأ صلاح الدين قواه واستعد لمنازلة الصليبيين وخوض معركة الجهاد الكبرى التي ظل يعد لها عشر سنوات منتظرا الفرصة المواتية لإقدامه على مثل هذا العمل، ولم تكن سياسة أرناط الرعناء سوى سبب ظاهري لإشعال حماس صلاح الدين، وإعلان الحرب على الصليبيين.
غادرت قوات صلاح الدين التي تجمعت من مصر وحلب والجزيرة وديار بكر مدينة دمشق في المحرم (583هـ = مارس 1187م) واتجهت إلى حصن الكرك فحاصرته ودمرت زروعه، ثم اتجهت إلى الشوبك، ففعلت به مثل ذلك، ثم قصدت بانياس بالقرب من طبرية لمراقبة الموقف.
وفي أثناء ذلك تجمعت القوات الصليبية تحت قيادة ملك بيت المقدس في مدينة صفورية، وانضمت إليها قوات ريموند الثالث أمير طرابلس، ناقضا الهدنة التي كانت تربطه بصلاح الدين، مفضلا مناصرة قومه، على الرغم من الخصومة المتأججة بينه وبين ملك بيت المقدس.
كان صلاح الدين يرغب في إجبار الصليبيين على المسير إليه، ليلقاهم وهم متعبون في الوقت الذي يكون هو فيه مدخرًا قواه، وجهد رجاله، ولم يكن من وسيلة لتحقيق هذا سوى مهاجمة طبرية، حيث كانت تحتمي بقلعتها زوجة ريموند الثالث، فثارت ثائرة الصليبيين وعقدوا مجلسًا لبحث الأمر، وافترق الحاضرون إلى فريقين: أحدهما يرى ضرورة الزحف إلى طبرية لضرب صلاح الدين، على حين يرى الفريق الآخر خطورة هذا العمل لصعوبة الطريق وقلة الماء، وكان يتزعم هذا الرأي ريموند الثالث الذي كانت زوجته تحت الحصار، لكن أرناط اتهم ريموند بالجبن والخوف من لقاء المسلمين، وحمل الملك على الاقتناع بضرورة الزحف على طبرية.
موقعة حطين
بدأت القوات الصليبية الزحف في ظروف بالغة الصعوبة في (21 من ربيع الآخر 583هـ = 1 من يوليو 1187م) تلفح وجوهها حرارة الشمس، وتعاني قلة الماء ووعورة الطريق الذي يبلغ طوله نحو 27 كيلومترا، في الوقت الذي كان ينعم فيه صلاح الدين وجنوده بالماء الوفير والظل المديد، مدخرين قواهم لساعة الفصل، وعندما سمع صلاح الدين بشروع الصليبيين في الزحف، تقدم بجنده نحو تسعة كيلومترات، ورابط غربي طبرية عند قرية حطين.
أدرك الصليبيون سطح جبل طبرية المشرف على سهل حطين في (23 من ربيع الآخر 583هـ = 3 من يوليو 1187م) وهي منطقة على شكل هضبة ترتفع عن سطح البحر أكثر من 300 متر، ولها قمتان تشبهان القرنين، وهو ما جعل العرب يطلقون عليها اسم "قرون حطين".
وقد حرص صلاح الدين على أن يحول بين الصليبيين والوصول إلى الماء في الوقت الذي اشتد فيه ظمؤهم، كما أشعل المسلمون النار في الأعشاب والأشواك التي تغطي الهضبة، وكانت الريح على الصليبيين فحملت حر النار والدخان إليهم، فقضى الصليبيون ليلة سيئة يعانون العطش والإنهاك، وهم يسمعون تكبيرات المسلمين وتهليلهم الذي يقطع سكون الليل، ويهز أرجاء المكان، ويثير الفزع في قلوبهم.
صباح المعركة
وعندما أشرقت شمس يوم السبت الموافق (24 من ربيع الآخر 583هـ = 4 من يوليو 1187م) اكتشف الصليبيون أن صلاح الدين استغل ستر الليل ليضرب نطاقا حولهم، وبدأ صلاح الدين هجومه الكاسح، وعملت سيوف جنوده في الصليبيين، فاختلت صفوفهم، وحاولت البقية الباقية أن تحتمي بجبل حطين، فأحاط بهم المسلمون، وكلما تراجعوا إلى قمة الجبل، شدد المسلمون عليهم، حتى بقي منهم ملك بيت المقدس ومعه مائة وخمسون من الفرسان، فسيق إلى خيمة صلاح الدين، ومعه أرناط صاحب حصن الكرك وغيره من أكابر الصليبيين، فاستقبلهم صلاح الدين أحسن استقبال، وأمر لهم بالماء المثلّج، ولم يعط أرناط، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقّى منه إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال: "إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني"، ثم كلمه وذكّره بجرائمه وقرّعه بذنوبه، ثم قام إليه فضرب عنقه، وقال: "كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرًا".
نتائج حطين
لم تكن هزيمة الصليبين في حطين هزيمة طبيعية، وإنما كانت كارثة حلت بهم؛ حيث فقدوا زهرة فرسانهم، وقُتلت منهم أعداد هائلة، ووقع في الأسر مثلها، حتى قيل: إن من شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل.
وغدت فلسطين عقب حطين في متناول قبضة صلاح الدين، فشرع يفتح البلاد والمدن والثغور الصليبية واحدة بعد الأخرى، حتى توج جهوده بتحرير بيت المقدس في (27 من رجب 583هـ = 12 من أكتوبر 1187م) ولهذا الفتح العظيم حديث آخر.
[/size][/align]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 10:40 am

[size="5"][align=center]
سقوط عكا فى يد ريتشارد قلب الاسد
كان الانتصار العظيم الذي حقَّقه صلاح الدين الأيوبي في معركة حطِّين أكبر كارثة حلَّت بالصليبيين منذ أن أقاموا إماراتهم الصليبية في الشام، حيث فقدوا زهرة فرسانهم، وقُتلت منهم أعداد هائلة، ووقع في الأسر مثلها، حتى قيل: إن من شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل.
وأصبح الصليبيون بعد هزيمتهم في حطِّين في قبضة صلاح الدين وتحت رحمته، يستطيع أن يفعل بهم ما يشاء لو أراد، ويعاملهم بما يستحقون على جرائمهم وخطاياهم، ولكنه كان كريم النفس، رفيع الخلق، ظاهر الرحمة، لم يسلم نفسه للتشفي والانتقام، وارتفع بسلوكه فوق شهوة الثأر، وهو ما جعله موضع الإجلال والتقدير.
الاتجاه إلى عكا
بعد حطِّين لم يتجه صلاح الدين إلى بيت المقدس لتحريره، وكان ذلك أمرًا ميسورًا، بل اتجه إلى عكا أولاً؛ ليحرم الصليبيين من قاعدة بحرية هامة تصلهم بأوروبا، ويقطع عنهم العون الذي يأتيهم منها، وكان في عزمه أن يستولي على المدن الصليبية التي تقع على ساحل البحر المتوسط، حتى يسهل عليه القضاء على الصليبيين في الداخل.
ولم يَكَد صلاح الدين يقترب من عكَّا حتى دَبَّ الفزع والهلع في نفوس الصليبيين، وسارع حاكمها إلى تسليم المدينة في مقابل تأمين أهلها على أرواحهم وممتلكاتهم، ودخل صلاح الدين المدينة في (2 من جمادى الأولى 583هـ = 10 من يوليو 1187م)، وعامل أهلها معاملة كريمة، وغنم المسلمون في عكا غنائم طائلة.
عكا قاعدة حربية
اتخذ "صلاح الدين" من عكَّا قاعدة حربية ومركزًا لعملياته العسكرية لتحرير المدن التي في قبضة الصليبيين، واستدعى أخاه الملك العادل من القاهرة؛ ليعاونه في استكمال الفتح، فقدم عليه ومعه عساكره، وقد نجحت جيوش صلاح الدين في استرداد الناصرة، وصفورية، والفولة في داخل فلسطين، وحيفا، وقيسارية، وأرسوف وهي المواقع التي تقع على الساحل.
ثم توجه صلاح الدين إلى "صيدا" فاستسلمت له دون مقاومة، ثم اتجه إلى بيروت وكانت مدينة حصينة، لكنها لم تُغْنِ عن أهلها شيئًا، وأدركوا عدم الجدوى من الدفاع والصمود، فاستسلمت هي الأخرى، في (29 من جمادى الأولى 583هـ = 6 من أغسطس 1187م)، ثم قصد صلاح الدين "جبيل"، وكان حاكمها "هيو الثالث" أسيرًا في دمشق منذ انتصار حطِّين، فعرض عليه صلاح الدين فكَّ أسره مقابل تسليم جبيل فأجابه إلى ذلك.
وقبل أن يتجه صلاح الدين لتحرير بيت المقدس قرَّر أن يستولي على عسقلان، وكانت مركزًا هامًّا يتخذه الصليبيون قاعدة لتهديد مصر، وقطع المواصلات بينها وبين الشام، واستمات الصليبيون في الدفاع عن عسقلان، ولم تفلح محاولاتهم في دفع الحصار، فطلبوا التسليم مقابل تأمينهم على أرواحهم فكان لهم ما طلبوا.
تحرير بين المقدس
استعدَّ صلاح الدين لاسترداد بيت المقدس، وجهَّز قواته لهذه المهمة الجليلة التي طال انتظار المدينة الأسيرة لها، وكان صلاح يرغب في أن تستسلم المدينة وفق الشروط التي استسلمت لها المدن الصليبية الأخرى من تأمين أهلها على أنفسهم وأموالهم، والسماح لمن شاء منهم بالخروج سالمًا، ولكن العزّة بالإثم أخذت بحاميتها، ورفضوا ما عرضه صلاح الدين عليهم، وظنوا أن حصونهم مانعتهم من ضربات صلاح الدين، ولم تُجْدِ محاولاتهم للصمود والثبات، فطلبوا الأمان وألحُّوا عليه، وكان صلاح الدين قد أقسم ليفتحنَّها بحد السيف بعد رفضهم عرضه العادل الرحيم، ولكن صلاح الدين استجاب لطلبهم بعد مشاورة أصحابه، ووافق على أن يغادر المسيحيون المدينة مقابل فداء قدره 10 دنانير للرجل، وخمسة للمرأة، ودرهم واحد للطفل.
ودخل صلاح الدين مدينة بيت المقدس - ردَّ الله غربتها وأعادها إلى المسلمين قريبًا - في ليلة الإسراء (27 من رجب 583هـ = 12 من أكتوبر 1187م)، وكان في صحبته أخوه الملك العادل، وقد أظهر صلاح الدين تسامحًا كبيرًا مع فقراء الصليبيين الذين عجزوا عن دفع الجزية، ورفض هدم كنيسة القيامة، ومعاملة الصليبيين بمثل ما عاملوا به المسلمين عند استيلائهم على المدينة.[/align]
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 10:42 am

[size="5"][align=center]
((الحملة الصليبية الثالثة))
ثار الغرب الأوربي عندما جاءته الأنباء بفاجعة معركة حطين واسترداد صلاح الدين لبيت المقدس ولكثير من المدن والقلاع الصليبية، ولم يبق في يد الصليبيين سوى بعض المدن والقلاع مثل صور التي عجز صلاح الدين عن فتحها، وطرابلس، وقلعة أنطرسوس، وحصن الأكراد، وإنطاكية، وحصن المرقب، وبعض المدن الصغيرة.
وأسفرت استغاثة الصليبيين في الشرق بالبابوية وملوك الغرب الأوربي عن نتائج إيجابية، وثارت أوربا التي جهزت حملتها المعروفة بالحملة الصليبية الثالثة التي تزعمها "فردريك بربروسا" إمبراطور ألمانيا، و"فيليب أوغسطس" ملك فرنسا، و"ريتشارد قلب الأسد" ملك إنجلترا.
تحركت القوات الألمانية مبكرا في (23 من ربيع الأول 584هـ= 11 من مايو 1189م) قبل القوات الفرنسية والإنجليزية، وسلكت الطريق البري عبر آسيا الصغرى، غير أن الإمبراطور لقي حتفه غرقا أثناء عبوره أحد أنهار آسيا الصغرى، وسرعان ما تبدد جيشه الكبير.
أما القائدان الآخران فقد وصلا بقواتهما إلى صقلية، وإن كان كل منهما قد سلك طريقا غير الآخر، وأمضيا فترة في نزاع حول الأمور الداخلية في صقلية، ثم أبحر القائدان إلى الشام.
فلول الصليبيين تتجه إلى عكا
اتجهت فلول الصليبيين إلى عكا بقيادة "جاي لوزجنان" ملك بيت المقدس الذي أفرج عنه صلاح الدين وكان أسيرا عنده منذ هزيمة الصليبيين في حطين، وتعهد ألا يشهر سيفا في وجه صلاح الدين، غير أنه نكث بوعده، وكان يمكن للمسلمين أن يقضوا على تلك الجموع في أثناء سيرها قبل أن يستفحل خطرها، ولكن صلاح الدين كان مشغولا بمنازلة قلعة الشقيف أرنون، ولم يصدق ما فعله جاي لوزجنان، وظن أن في الأمر خدعة لحمله على ترك القلعة، ولم ينتبه لخطورة الموقف إلا بعد اقتراب الصليبيين من عكا، وحاول علاج الموقف؛ فأرسل حملة لمنع تقدم الصليبيين، ولكنها لم تصل إلا بعد أن احتل الصليبيون مراكزهم في مواجهة عكا.
أقام الملك الصليبي معسكره على مقربة من عكا، ولحق به صلاح الدين على الفور في (15 من رجب 585 هـ= 29 من أغسطس 1189م) وعسكر بجيشه على مقربة منه، وكان موقف الصليبيين حرجا بعد أن أصبحوا محاصرين بين جيوش صلاح الدين وحامية المدينة المسلمة، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد وصلت مقدمات الحملة الصليبية الثالثة، وحاصرت المدينة من البحر، وكان لذلك فعل السحر في نفوس الصليبيين الموجودين أمام عكا فارتفعت معنوياتهم وزادت ثقتهم، ثم لم يلبث أن جاءت قوات صليبية من صور التي صمدت أمام ضربات صلاح الدين، وكانت جموع الصليبيين قد احتشدت بها بعد سقوط مدنهم في يد صلاح الدين.
صمود المدينة
لم ينتظر صلاح الدين كثيرا بعد وصوله إلى عكا، وبدأ هجوما ضاريا على الصليبيين وأنزل بهم خسائر فادحة، ولم تنفعهم كثرتهم أمام إصرار صلاح الدين، وكاد الأمر ينتهي بفك حصارهم عن المدينة، ولكن حدث أن انتشرت الأوبئة في المنطقة لكثرة جيف القتلى من الفريقين، فابتعد صلاح الدين بقواته قليلا عن تلك المنطقة الموبوءة؛ فانتهز الصليبيون هذه الفرصة السانحة وأحاطوا المدينة بخندق يفصل بينهم وبين صلاح الدين، وانقطع طريق المسلمين بذلك إلى عكا، وإن كان ذلك لم يمنع صلاح الدين من الاتصال بحامية عكا عبر البحر أو الحمام الزاجل، وكانت الإمدادات تصل إلى المدينة عبر البحر حتى تساعدها على الصبر والثبات.
سقوط المدينة
ظل الوضع على ما هو عليه دون أن يحقق أحد الفريقين نصرا حاسما حتى وصلت قوات فيليب أوغسطس في (ربيع الأول 587 هـ= إبريل 1191م) فجمع شمل الصليبيين تحت زعامته، وكانت الخلافات بدأت تشتعل بينهم، ووحد جهودهم لمحاربة المسلمين، وبدأ على الفور في مهاجمة عكا، وإشعال الحماسة في نفوس الصليبيين، فأخذت آلات الحصار تقذف أسوار المدينة قذفا متصلا، ثم لم يلبث أن وصل ريتشارد قلب الأسد إلى عكا في (ربيع الآخر 587هـ= يونيو 1191م) فازداد به الصليبيون قوة إلى قوة.
وأظهرت الحامية الإسلامية في عكا ضروبا من الشجاعة والصبر والفداء والتضحية في مقاومة الحصار، ودفع هجمات الصليبيين المتوالية برا وبحرا، ولكن ذلك لم يكن كافيا للصمود، بعد أن اجتمعت أكبر قوتين في أوربا للاستيلاء على المدينة، وتوحدت أهدافهما، وأصبح لا مفر من سقوط المدينة المنكوبة، ودارت مفاوضات بين الفريقين لتسليم المدينة، واتفق الطرفان على أن يسمح الصليبيون لحامية عكا بالخروج سالمين، في مقابل فدية قدرها 200 ألف دينار، وأن يحرر المسلمون ألفين وخمسمائة من أسرى الصليبيين.
دخل الصليبيون عكا في (16 من جمادى الآخرة 587 هـ= 11 من يوليو 1191م) بعد أن حاصروها نحو عامين، غير أن ريتشارد قلب الأسد تجاهل بنود الاتفاق عندما دخل عكا، ونقض ما اتّفق عليه؛ حيث قبض على من بداخلها من المسلمين وكانوا نحو 3 آلاف مسلم وقام بقتلهم، ولم يقابل صلاح الدين الإساءة بالإساءة، ورفض أن يقتل من كان بحوزته من أسرى الصليبيين.
صلح الرملة
باءت محاولات ريتشارد للاستيلاء على بيت المقدس بالفشل أمام صلابة المسلمين في الدفاع عنها، وتقوية صلاح الدين الأيوبي لاستحكاماتها، ثم لم يلبث أن دب الخلاف واشتعل النزاع بين الصليبيين، وانتهى بهم الحال إلى طلب الصلح والمفاوضة، وساعد في المسارعة إلى ذلك ورود أنباء إلى ريتشارد باستيلاء أخيه يوحنا على الحكم؛ فعزم على إجراء الصلح قبل العودة إلى بلاده.
وبعد مفاوضات شاقة عقد الصلح بين ريتشارد وصلاح الدين في (22 من شعبان 588هـ = 2 من سبتمبر 1192م)، وهو الصلح المعروف بصلح الرملة، واتفق الطرفان على أن تكون مدة الصلح ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، وأن تكون المنطقة الساحلية من صور إلى يافا للصليبيين، أما عسقلان فتكون للمسلمين، في حين تكون الرملة واللد مناصفة بين المسلمين والصليبيين، ونص الاتفاق أن يعطى للمسيحيين حرية الحج إلى بيت المقدس دون مطالبتهم بأي ضريبة مقابل ذلك.
وظلت المدينة في قبضة الصليبيين حتى قام القائد المسلم "الأشرف بن قلاوون" بتحرير المدينة بعد أكثر من 100 عام.[/align]
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 10:46 am

[size="5"]
[size="6"]خلفاء صلاح الدين:[/size]
عندما توفي صلاح الدين وأصبح في ظل رحمة الله، كانت الظروف التي أفرزته لاتزال قائمة، وكانت الأمة الإسلامية في مسيس الحاجة إلى شخصيته المتميزة، وإيمانه الكبير، وعبقريته العسكرية الفذة، وقد ترك دولة مترامية الأطراف تشمل مصر والجزيرة العربية وبلاد الشام والجزيرة الفراتية وخلّف فراغاً لم يستطع أحد من أبنائه السبعة عشر أو إخوانه أن يملأه وظهر خلفاء صلاح الدين الأيوبي على مسرح الأحداث التاريخية وكانوا مختلفين عنه سلوكاً وخلقاً وكان مستواهم العسكري والسياسي، لا يرقى إلى مستواه، ومن هنا ترك صلاح الدين الأيوبي فراغاً سياسياً كبيراً بموته .
[size="6"]أولاً: تقسيم أقاليم الدولة[/size]
اتسعت شقة الخلاف بين أبناء صلاح الدين الأيوبي على السلطة وتدخل بينهم أصحاب الرأي والمشورة لإصلاح ذات البين واستقر الأمر في البداية على تقسيم الأقاليم على النحو التالي:
1- ملك الملك الأفضل بن صـلاح الدين دمشق والقدس وبعلبك وصرخد وتبنين وبصرى إلى الداروم
(دير البلح) حتى حدود مصر.
2- استولى الظاهر غياث غازي بن صلاح الدين على حلب وجميع أعمالها وشمال سوريا كحارم وتل باشر واعزاز ومنيج .
4- أخذ الملك العادل سيف الدين أبو بكر شقيق صلاح الدين والكرك والجزيرة الفراتية ، أي حران والرها وسميساط وقلعة جعبر وميافارقين وديار بكر، وكانت هذه المنطقة لا تتناسب مع مكانته وقدراته .
5- احتفظ سيف الإسلام طغتكين أخو صلاح الدين باليمن وجزيرة العرب .
6- أخذ الملك الأمجد مجد الدين بهرامشاه بن فرخشاه بعلبك وأعمالها.
7- استمر الملك المنصور الأول محمد بن تقي الدين عمر في في حكم حماه.
8- تولي الملك الظافر خضر بن صلاح الدين بصرى من قبل أخيه الملك الأفضل. وكان ثمة بعض البلدان والحصون بأيدي جماعة من أمراء الدولة فاحتفظ كل بولاية إذ استمر عز الدين مسعود الأول الزنكي في حكم الموصل، كما احتفظ أخوه عماد الدين زنكي الثاني في حكم سنجار، وقطب الدين سقمان الثاني الأرتقي في حكم حصن كيفا وآمد ، وكذلك تولى ناصر الدين منكوريوس منطقة صهيون .
[size="6"]ثانياً: النزاع بين خلفاء صلاح الدين[/size]
عندما توفي صلاح الدين حضر أخوه الملك العادل وشارك في تقبل التعازي مع أبناء أخيه، وكان صلاح الدين قد قدم ابنه الملك الأفضل لتولي السلطنة من بعده وبعد انتهاء العزاء طلب الملك الأفضل من بعض الأمراء والمماليك أن يجددوا مبايعته ويحلفوا له يمين الولاء والطاعة، فاشترط بعضهم ، أن يكون له خبز يرضيه، وامتنع قسم آخر عن البيعة قائلاً: أنا ليس لي خبز (اقطاع) فعلى أي شيء أحلف ؟ وكان بعض العلماء ممن نشأوا في ظل الدولة الصلاحية يتخوفون من أن تصير حال الدولة بعد صلاح الدين إلى الشقاق والنزاع وممن أوجس خيفة من ذلك القاضي الفاضل، فقد كتب إلى الملك الظاهر غياث صاحب حلب، إثر وفاة السلطان، كتاب تعزية جاء فيه: إن وقع اتفاق بينكم، فما عدمتم شخصه الكريم، وإن غير ذلك فالمصائب المستقبلية أهونها موته وهو الهول العظيم ولم تنفع وصية القاضي وأمنية الأصدقاء المخلصين، كما لم تنفع الملك الأفضل تلك المبايعة التي دعا إليها القادة والأمراء في دمشق، بينما كان أبوه يعاني سكرات الموت: معتذراً بأن المرض قد اشتد وما يعلم ما يكون، وما يفعل هذا إلا احتياطاً على جاري عادة الملوك ، وتهيأت فرص النزاع بين خلفاء صلاح الدين، وتتابعت مقدماتها فكان من الواضح أن يصيب الملك العادل من ذلك الإرث العظيم فقد كان داهية وليس في البيت الأيوبي من يدانيه في حسن السياسة وكثرة التجربة وبعد النظر واغتنم الفرنج وفاة صلاح الدين وانشغال الأيوبيين بالعزاء فقاموا بخطوة استطلاعية جريئة للتعرف على مدى قدرة خلفاء صلاح الدين على الاحتفاظ بوحدتهم واستولوا على مدينة جبيل وقلعتها عام 590ه/1194م ، وخرج الملك الأفضل وخيم على البقاع ليستخلصه فتعذر ذلك عليه، فقالت الأمراء للملك العزيز: توانيت، فطُرقت البلاد واستولى عليها الفرنج، فحينئذ صمم على الحركة وخرج بمضاربه وجحافله لقصد الشام ، وانتهز صاحب الموصل عزالدين مسعود بن مودود زنكي فرصة موت صلاح الدين فتحرك لإحتلال البلاد الشرقية، وعندما علم الملك العادل بذلك اتجه إلى الشرق، وأقام في قلعة جعبر، لشل أي حركة يحاول صاحب الموصل القيام بها تقسيم أقاليم الدولة.
[size="6"]ثالثاً: النزاع بين الأخوين الأفضل والعزيز[/size]
خالف الملك الأفضل سيرة أبيه، وأقدم على عدة إجراءات أساءت إليه فكرهه الناس ومن هذه الإجراءات:
1- خالف نهج والده صلاح الدين في الحكم، فأقصى أمراء والده ومستشاريه بتأثير الوزير ضياء الدين ابن الأثير أخ المؤرخ المشهور، فهربوا إلى القاهرة مستنجدين بالعزيز عثمان الذي رفعهم وأعزهم، فالتقوا من حوله، واعترفوا به زعيماً على الأيوبيين وزينوا له الاستيلاء على دمشق.
2- بعد اختياره ضياء الدين ابن الأثير وزيراً، تركه يسيء التصرف في أمور الرعية وقد أثار سخط الأمراء بسوء تصرفاته ومضايقاته لهم، كما زين للأفضل التنازل عن بيت المقدس لأخيه العزيز عثمان بذلك وشكر للأفضل علي، ولكن الأمراء ولاة القدس خشوا من محاسبة العزيز لهم، فاتفقوا مع الأفضل علي على بقاء القدس بأيديهم دون الحاجة إلى أمواله، فوافق وكتب إلى أخيه بذلك، فتغير لذلك الملك العزيز عثمان وتكدَّر باطنه وبدأت العلاقة تسوء بين الأخوين.
3- عجز "الأفضل علي" عن مجابهة الصليبيين الذين أخذوا جبيل .
ويبدو أن الأفضل ساءة سيرته، وضعفت إرادته ولا يصلح أن يتولى السلطنة بعد والده إذ أقبل على اللعب وسماع الأغاني وتظاهر بلذاته .
استاء الملك العزيز لسوء تصرف الملك الأفضل وتركه أمر الدولة في يد وزيره ، وهم بانتزاع الشام منه إثر تشجيع الأمراء الصلاحية له، وعندما علم الملك الأفضل بذلك هم بمراسلة أخيه العزيز يستعطفه فمنعه وزيره ضياء الدين ابن الأثير وحسن له محاربته، فمال الأفضل لرأي وزيره وزادة الوحشة بين الأخوين . قصد الملك العزيز الشام عام 590ه/1194م فنزل بالقصير من الغور ثم حاصر دمشق، وضيق الخناق عليها، فاستنجد الملك الأفضل بعمه الملك العادل والواضح أن هذا الأخير لم يكن راضياً عن وضعه، ولاسيما وأن نصيبه من الإرث الصلاحي لم يتناسب مع أهمية الدور الذي أدّاه في خدمة الدولة الأيوبية، كما لم يشأ أن يتعجَّل الأحداث عقب وفاة أخيه صلاح الدين، بإعادة توحيد الدولة الأيوبية تحت حكمه، وهو الهدف الذي وضعه نصب عينيه لذلك اتجه بتمهل إلى تحقيق هذا الهدف، وأخذ يتصرف بأناة ريثما تتضح الأمور، وفعلاً أتيحت له الفرصة باستغاثة الأفضل علي، فاستجاب لنداء الاستغاثة، وساند كل من الظاهر غازي صاحب حلب، وناصر الدين محمد، صاحب حماة، وأسد الدين شيركوه الثاني، صاحب حمص، والأمجد، صاحب بعلبك، وكلهم ساندوا الأفضل علي، واتفق الجميع على منع العزيز عثمان من الاستيلاء على دمشق :
علماً منهم أن العزيز عثمان إن ملكها أخذ بلادهم
. وهكذا تكّون حِلْف أيوبي مناهض لحركة التفرد التي قادها العزيز عثمان انطلاقاً من مصر، عندئذ أدرك العزيز عثمان أنه لا قِبَلَ له بمواجهة قوى التحالف فمال إلى التفاهم، واجتمع بعمه العادل في صحراء المزة غربي دمشق في 24 شعبان سنة 590ه/15 آب عام 1194م، وقد نصحه عمه بالعودة إلى مصر قائلاً له: لا تخرَّب البيت وتُدخل الآفة، والعدوّ وراءنا من كل جانب وقد أخذوا جَبَلة، فارجع إلى مصر واحفظ عهد أبيك، وأيضاً فلا تكسر حرمة دمشق وتطمع فيها كل أحد، وعاد الملك العادل عنه إلى دمشق، وأقام في منزلته، وبعث العادل إلى العزيز في منزلته، وقدمت العساكر على الأفضل وبعث العادل إلى العزيز يقول له: إرْحل إلى مرج الصُّفَّرة، فرحل وهو مريض وكان قصد العادل أن يبُعده عن البلد... واشتد مرض العزيز فاحتاج إلى المصالحة، ولولا المرض ما صالح، فأرسل الملك العزيز كبراء دولته فخر الدين إياز جَهَاركس وغيره يحلّف الملوك وطلب مصاهرة عمّه العادل فزوَّجه ابنته الخاتون، ورجع كل واحد إلى بلده، وذلك في شعبان سنة تسع وثمانين وقال العماد الكاتب الأصفهاني : خرج الملوك لتوديع الملك العزيز إلى مرج الصُّفَّر واحد بعد واحد وأوّل من خرج إليه أخوه الملك الظاهر غازي صاحب حلب، فبات عنده ليلة وعاد، فخرج إليه أخوه الأفضل صاحب الواقعة، فقام إليه واعتنقا وبكيا، وأقام عنده أيضاً يوماً وكان قد فارقه منذ تسع سنين
وقد تقرر وضع ترتيب جديد لحكم الأسرة الأيوبية ويقضي بأن:
- يحتفظ الأفضل علي بدمشق وطبريه وأعمال الغور.
- يتخلى الأفضل علي عن بيت المقدس وما جاوره لأخيه العزيز عثمان.
- يتخلىَّ الأفضل علي عن جبلة واللاذقية لأخيه الظاهر غازي.
- يعترف العزيز عثمان بسيادة الأفضل علي.
ولم يحظ العادل من الصفقة بشيء سـوى ما جـازه من مكانة بأن أصبح الحكم بين أفراد الأسرة الأيوبية .
ولما انفصل العساكر عن دمشق شرع الأفضل على عادته في اللهو واللعب، فاحتجب عن الرعية فسُمَّى "الملك النّوام" وفّوض الأمر إلى وزيره ضياء الدين الجَزّرِي وحاجبه الجمال محاسن بن العجميّ، فأفسد عليه الأحوال، وكانا سببا لزوال دولته وهذا الأمر من الآفات التي تصيب بعض الملوك، واستمر الملك العزيز هذا بمصر وأمره ينمو ويزداد إلى سنة تسعين وفيها عاد الاختلاف ثانياً وسببه إغراء الجند والوسائط وكان أكبر المحرضين الأمير عز الدين أسامه – صاحب عجلون وكوكب – الذي فارق الأفضل وانضمّ للعزيز وهو من أجلاء الأمراء الصلاحية، فإنه لما رأى من الأحوال مالا يعجبه فارق الأفضل وتوجه إلى الملك العزيز، ففرح بوصوله إليه وأكرمه غاية الإكرام ولما استقر عز الدين أسامه عند الملك العزيز أخذ في تحريضه على الملك الأفضل، وتقوية عزمه على قصده وأخذ دمشق منه قال له: إن لم تَنصر الدولة الصلاحية خُذلت، وإن لم تصُنها ابتذلت، وأخوك (الملك الأفضل) قد غُلب على اختياره وحكم عليه وزيره الضياء الجزري، وقد أفسد أحوال الدولة، فهو يتصرف فيها برأية الفاسد، ويحمل أخاك على مقاطعتك ومباينتك، فإن أغفيت أُغفلت، وإن أمهلت أهملت، وإن لنت غلظوا، وإن نمت تيقظوا ولا تلتزم باليمين فإن من شرطها صفو الوداد وصحة النيَّة، ولم يوجد ذلك، فحنثهم في أيمانهم قد تحقق وبَرِئت أنت من العهدة، فاقصد البلاد فإنها في يدك قبل أن يحصل للدولة من الفساد مالا يمكن تلافيه ، ثم فارق الملك الأفضل الأمير شمس الدين ابن السلار وهو من أكابر الدولة الصلاحية.
وتوجَّه إلى الملك العزيز، فساعد عز الدين أسامة على التحريض على الملك الأفضل، وتقوية عزم الملك العزيز على قصده، ثم وصل إلى الملك العزيز القاضي محي الدين بن الشيخ شرف الدين ابن أبي عصرون، فاحترمه الملك العزيز وولاه القضاء بالديار المصرية، وضم إليه النظر في أوقافها وحث القاضي بن أبي عصرون العزيز على ضم دمشق وقال له: لا تسلم يوم القيامة . وبلغ الأفضل قول أسامة وابن أبي عصرون فأقلع عمّا كان عليه وتاب وندم على تفريطه وعاشر العلماء والصلحاء، وشرع يكتب مصحفاً بخطّه وخطّه في النهاية، فلم يُغن عنه ذلك وتحّرك العزيز يقصده، فسار الأفضل إلى عمه العادل .
[size="6"]رابعاً: تآمر الملك العادل على الأفضل:[/size]
استغل العادل هذه الفرصة للتدخل في شؤون أبناء أخيه، لتعزيز وضعه على الأرض، فغادر قلعة جعبر إلى دمشق ودخلها قبل عودة الأفضل علي من حلب وبما عُرف عنه من مكر ودهاء راح يبذر بذور الشقاق بين صاحب مصر وأمرائه من الأكراد والأسدية الذين كانوا على جفاء معه بسبب ميله إلى الصلاحية واتفق معهم على نبذ طاعته والدخول في طاعة حكام بلاد الشام ، كاتب الملك العزيز سراً يخوفه من الأسدية ويغريه بإبعادهم، وكاتب الأسدية بالتنفير من الملك العزيز وتخويفهم منه واستمالهم إليه، فاستوحش الملك العزيز من الأسدية واستوحشوا منه، فكانوا إذا لقوه عرفوا في وجهه التنكر، وعرف في وجهوههم بمثله وتمادى الأمر إلى أن تمكن الخوف منه في قلوبهم والخوف منهم في قلبه، ولما تمكن الاستيحاش منهم، عزموا على مفارقته وحسَّنوا ذلك للأكراد المهرانية فوافقوهــم عليه ، فلما علم الملك العزيز بذلك، فما تحلل ولا تزعزع من مكانه، ولا أظهر أرتياعاً لما وقع من هذه الحادثة، بل ثبت مكانه، فقالت الأمراء : الصلاحية دعنا نتبعهم ونقاتلهم ونتركهم عبرة للمعتبر. فقال لهم الملك العزيز: لا تُرهبُوهم واتركوهم يذهبوا أين شاءوا لعلنا نصفو من كدرهم، وهذا ليل، ولا يُؤمَنُ فيه الاختلاط، ولا يَعـرف الإنسـان فيه صديقه من عدوه والأولى الأخذ بالحزم والاحتياط
وكان المفارقون للملك العزيز معظم العسكر وثبت الملك العزيز في معسكره بالفَّوار ومعه خواص أصحابه على الخطر وبات تلك الليلة ثابت الجأش والجَنان، وما أظهر أسفاً على فراق مَن فارقه من عسكره، واستدعى رُسل الملوك الذي عنده وأجاب كُلاًّ منهم عن رسالته وخلع عليهم وسَّرحهم وأصبح الملك العزيز راحلاً بمن بقي معه من عساكر إلى الديار المصرية وسار إليها على تيقظ وتحفظ – وحذر – وسلك طريق اللجون والرملة، وخاف من الأسدية المقيمين بالقاهرة، أن يوافقوا أصحابهم الغادرين ويسلكوا سيرتهم في الغَدر به، فقدم بين يديه أمراء على النُجُب وكان نائبه بالقاهرة الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي فبقى على الصفاء للملك العزيز وخلوص النيّة وتبعه على ذلك من بقى من الأسدية، ووصل الملك العزيز إلى البلاد وأمّن كلَّ من وجده من مُخلفَّي الخارجين عليه وطيب قلوبهم وأكرمهم وأحسن إليهم وأستقر في كرسي مُلكْهَ .
1- رحيل الملك العادل والأفضل إلى مصر
قرّر العادل والأفضل علي المضي في خطتهما القاضية في الاستيلاء على مصر، واتفقا على أن يملك الأفضل في مصر ويتخلىَّ عن دمشق إلى عمه العادل، وهذا مطمح طالماً تطلع العادل إلى تحقيقه، لأن دمشق كانت آنذاك قلب الدولة الأيوبية، ومحور العلاقات العامة في الشرق الأدنى الإسلامي، فاستوليا على بيت المقدس، وتابعا زحفهما إلى مصر بمن معهما من الأكراد والأسدية، فوصلا إلى بلبيس وحاصرها وهنا توضحت نوايا العادل بشكل جليَّ، فهو الذي شجع الصراعات بين ولدي أخيه، ويبدو أنه خشي في هذا الدور أن يأخذ الأفضل علي مصر ولا يسلمَّه دمشق وفقاً لبنود الاتفاق المُبرم بينهما وبخاصة أنه كان يشك في نواياه، لذلك أرسل إلى العزيز عثمان سراً يشجعه على الثبات في موقفه، ويتعهد بأن يمنع الأفضل علي من مصر ولا يسلمَّه دمشق وفقاً لبنود الاتفاق المبُرم بينهما وبخاصة أنه كان يشك في نواياه، ولذلك أرسل إلى العزيز عثمان سراً يشجعه على الثبات في موقفه، ويتعهد بأن يمنع الأفضل علي من دخول مصر ، وتنفيذاً لهذا التوجه السياسي رفض العادل ما عرضه عليه الأفضل علي من مقاتلة الأمراء الصلاحية في بلبيس، أو تركهم والرحيل إلى مصر للاستيلاء عليها متذرعاً بأنه قد ينتج عن ذلك تشتيت القوى الإسلامية وإضعافها، فيطمع فيها الأعداء، ثم تدخل القاضي الفاضل عبدالرحيم بن علي البيساني في التوفيق بين الأخوين بإيعاز من العادل .

2- جهود القاضي الفاضل في الإصلاح
استمر الفقهاء والعلماء في دورهم القيادي البارز في الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين ولم ينقطعوا عن العطاء، وواصلوا مسيرتهم لمساندة أبناء صلاح الدين وتأييدهم ونصحهم لتخطي العقبات التي تعترض طريقهم حفاظاً على وحدة الدولة الأيوبية وسلامتها لتقف صامدة متماسكة أمام التحدي الصليبي بعد فقد عاهلها وقائدها صلاح الدين فقد ظل القاضي ابن شداد بدمشق مع الملك الأفضل يشاوره في جليل الأمور ودقيقها، ويعتمد عليه اعتماداً كبيراً ولكنه تنازل عنه إلى أخيه الملك الظاهر غازي الذي أخذ يرجوه أن يتحفه بالقاضي ابن شداد ليكون عنده بحلب ويتيمن برأيه ويستفيد من خبرته، ولما وصل ابن شداد إلى حلب استقبله الملك الظاهر أحسن استقبال، وفوض إليه قضاء بلاده، وصار أقرب الناس إليه منزلةً، وأعظمهم مكانةً عنده وأصبح له الإقطاع الجليل، والحرمة التي لم يصل إليها أحد من المعممين ، وكان ابن شداد طوال إقامته بحلب يعتني بترتيب أمورها وتنظيمها، وجمع بها الفقهاء، واهتم ببناء المدارس الكثيرة بها، حتى أصبحت حلب مقصد الفقهاء، والعلماء من البلاد وكان القاضي الفاضل آنذاك مقيماً بدمشق عند الملك
الأفضل، وقد رأى في تصرفاته ما استنكره، مثل وضعه لكل ثقته في وزيره الجديد القاضي ضياء بن الأثير، الذي حسن للملك الأفضل أبعاد أمراء أبيه وأكابر أصحابه ، ولكن الملك الأفضل لم يستجب لنصح القاضي الفاضل وعندئذ عزم القاضي الفاضل عن ترك دمشق والتوجه إلى الديار المصرية، فاستأذنه وتوجه إلى الملك العزيز عثمان بمصر الذي أحسن استقباله وجعله عنده في محل والده، احتراماً وتعظيماً له، لما يعرفه من مكانته، وصار الملك العزيز لا يصدر أمراً إلا عن رأيه ومشورته ، وعلى عكس ما كان الملك الأفضل يفعل من استبعاد أمراء الدولة أصحابه، قام الملك العزيز بتقريبهم إليه وأحسن إليهم، فعظم بذلك شأنه، وأجمعوا كلمتهم على نصرتهم وتقرير قواعد ملكه . بل شجعوه على أخيه الأفضل الذي وقف عاجزاً أمام تسلم الفرنج لثغر جبيل من بعض مستحفظيه، وكان للقاضي الفاضل دور كبير في فض منازعات البيت الأيوبي في كثير من الأحيان، فكان يخشى عليهم من أطماع الأعداء فيهم، ويصف لنا ابن واصل حالة القاضي الفاضل قائلاً: وكان القاضي الفاضل قد تنزه عن ملابستهم ومخالطتهم، واعتزل بنفسه عنهم لما رأى من اختلال أحوالهم وفساد أمورهم وأحوجه الملك العزيز أن يلبي دعوة عمه الملك العادل ويخرج إليه ليفرج هذه الغمة فركب من القاهرة وخرج إليه ولما علم بذلك الملك العادل، ركب وتلقاه أحسن تلقٍ، واجتمع به، واتفق معه على ما فيه المصلحة الشاملة للكل واستقر الصلح على الشكل التالي:
- أن يقيم العادل بمصر عند العزيز ليقرر قواعد ملكه، وأن يرجع الأفضل إلى دمشق، وتعاهد الجميع على ذلك .
وفي الوقت نفسه كان القاضي بهاء الدين بن شداد دور كبير في تهدئة الأمور وفض كثير من المنازعات بين العزيز عثمان صاحب مصر والملك العادل من جانب، والملك الأفضل من جانب آخر ، ومما يؤكد استياء القاضي الفاضل وتألمه من هذه الأوضاع وتلك المنازعات التي انجرف فيها أبناء البيت الأيوبي، ذلك الكتاب الفاضلي الذي ذكره أبو شامه، والذي جاء فيه: أما هذا البيت، فإن الآباء منه اتفقوا فملكوا، وإن الأبناء منهم اختلفوا فهلكوا، وإذ غرب نجم فما الحيلة في تشريقه، وإذا بدأ تخريق في ثوب فما يليه إلا تمزيقه، وهيهات أن يسد على قدر طريقه وقد قدر طروقه، وإذا كان الله مع خصم على خصم فمن كان الله معه فمن يقدر عليه . ويتضح مما تقدم أن الفقهاء والعلماء كانوا أكثر من أهتم بتصفية الخلافات والمنازعات بين أبناء البيت الأيوبي ليتفرغوا لقضية الجهاد ويكملوا ما بدأه والدهم الناصر صلاح الدين خاصة وأن هؤلاء الفقهاء والعلماء كانوا يدركون بثاقب بصرهم وبسريرتهم النافذة أن العدو الصليبي يراقب بكل دقة وبكل شغف ما يجري على الساحة الإسلامية من منازعات بعد وفاة صلاح الدين، ويترقب اللحظة المناسبة كي ينقض ليسترد البلاد وينتقم من المسلمين .

3- التحالف بين الملك العادل والعزيز
عاد الأفضل علي إلى دمشق واستقر العادل في مصر، وقد جعـل من نفسـه حكماً بين الأخوين المتنازعين، ممّا ممكنه من فرض كلمته عليهما ليصبح سيد الموقف ونزل الملك العادل بأحدى قصور القاهرة وأمر ونهي وحكم وتصرف في كبير الأمور وحقيرها وعزل القاضي محي الدين ابن أبي عصرون عن قضاء الديار المصرية وولى القضاء زين الدين يوسف الدمشقي . وأما الأفضل علي فقد لزم الزهد والقناعة، وأقبل على العبادة ولكنه للأسف لم يصحح الخطأ القاتل الذي وقع فيه سابقاً وضيع ملكه حيث أن الأمور كلها بقيت مفوضة إلى وزيره ضياء الدين بن الأثير الجزري، وقد اختلت الأحوال به غاية الاختلال، وكثر شاكوه وقل شاكروه وبلغ ذلك الملك العادل فأنكره وتقرر بينه وبين الملك العزيز الخروج إلى الشام لتمهيد العزيز الملك بمصر، وعَّين الإقطاعات وثمن الارتفاعات وعمَّر الأعمال ووفَّر الأموال وكان الملك العادل يؤثر مسير الملك العزيز ليتمكن من أغراضه ولأن العساكر مع اختلافها تجتمع مع الملك العزيز لعلو همته، وسمو قدره، وسماحة يده وسعة صدره، فاجتمع الملك العادل والملك العزيز وأشار عليه أن يسافر بنفسه وقال له ما معناه : إن الدولة الصلاحية بإدارتك صلاحها، وبفلاحك فلاحها، وبنهضتك ينهض جناحها، وبسعدك يسعد نجاحها وإن لم تجتمع الكلمة عليك لم تجتمع كلمة الإسلام، ولم تستقر العصمة من الكفر بالشام، وفي كل بلد من إخوتك سلطان، ما منه لأمرك إذعان، وغداً عند الحاجة إلى الاستنفار والاستنفار، وكلُّ منهم على سِمَةِ النفار، تنزل النوازل والدوائر بالديار، فاستخر الله تعالى وانشط ولدولتك احَتط، وسر مستقبل النصر سارّا، وللجحفل المجرّ جارّا وللدولة الناصرية ناصراً، ولأيدي المتعدي عنها قاصراً، وأنت سلطانناً ونحن الأتباع، والأنصار والأشياع ، وسار الملكان: العادل والعزيز إلى دمشق فنازلاها ولم يحدث قتالاً، والملك العادل مظهر أنه على عهده وميثاقه، لم يتغير عنه ولم يَحُلْ، وأنه ليس مقصوده إلا إصلاح ذات البين وانتظام الشمل وكتب الأمراء بدمشق والأكابر متواصلة إلى الملك العادل والملك العزيز، لأن بعضهم كانت قد حصلت عنده نفرة من الملك الأفضل لأسباب وقعت منه ومن وزيره توجب الاستيحاش وبعضهم كوتبوا من جهة الملك العادل والملك العزيز بما طيَّب به قلوبهم وبسط في آمالهم، فكتبوا يحثونهما على معالجة الزحف إلى البلد وانتهاز الفرصة ويعدون من أنفسهم المساعدة وفتح الأبواب لهم.

4- استيلاء الملك العزيز على دمشق
ولما جرى ما ذكرناه من المخابرة، من الأمرءا المقيمين بدمشق وتوثق منهم الملك العزيز والملك العادل ولم يشعر الملك الأفضل إلا وقد دخل الملك العزيز وعمه داخل المدينة، فاضطر إلى قبول ما فرضه عمه وأخوه عليه بحيث:
- يأخذ الأفضل صرخد الواقعة شرقي بصرى .
- ويملك الملك العادل دمشق وأواسط الشام .
- يتولى الملك العزيز السلطنة ويذكر اسمه في الخطبة وينقش على السكة وتبقى له مصر وبيت المقدس.
ثم تحايل العادل على العزيز عثمان فأخلى له دمشق وأواسط الشام مقابل :
- حصوله على لقب سلطان بني أيوب.
- يستمر في حكمه في مصر وبيت المقدس.
- يذكر اسمه في الخطبة في البلاد الواقعة تحت سيطرة العادل، وينقش اسمه على السكة.
كان قرار الملك العادل مع الملك العزيز أن يقيم الملك العزيز بدمشق، وأن يكون الملك العادل نائباً عنه بمصر، ويفوَّض تدبيرها إليه، فلما ملك العزيز دمشق، وظهرت الأمور وانكشف المستور ندم على ما كان قررَّه مع عمه، فبعث إلى أخيه الملك الأفضل في السر وقال: إذا طلبناك فاثبت على الامتناع، ولا تبذل الرضى لنا إلا بإقامة الخطبة والسكَّة ولا تنزل عن رتبتك، فإني لك الرضا وأفعل ما تريد ويكون امتناعك عذراً عند عمي . فلما وصلت الرسالة بذلك إلى الملك الأفضل أظهر هذا السَّر لنصحائه المختصين؛ فقالوا : لا تنخدع بهذا القول، فربما كان هذا خديعة من أخيك .. وهلا كان هذا القول منه قَبلُ في أول الأمر؛ والمصلحة أن تطلع عّمك الملك العادل على هذا السر، فإنه كأبيك في الشَفقة، وعلى كل حال لا يترك بِرَّك، فإذا استشرته أشار عليك بالمصلحة وقد جاء لك من السعادة مالم يكن لك في حساب فإن الملك العادل يحصل له بإطلاعه على هذا الارتياب في الملك العزيز، وتتأكد نفاره منه ، فأرسل الملك الأفضل الحاجب جمال الدين محاسن بن عجم الموصلي إلى الملك العادل، فأعاد عليه ما ذكره الملك العزيز، فقامت قيامته وغضب غضباً شديداً، واجتمع بالملك العزيز، وعاتبه أشَّد العتب وقرَّعه التقريع، وقال: أنا أبني وأنت تهدم، وذكر له ما أنهى إليه، فأنكر الملك العزيز ذلك، وحقَّق عند عمه بطلان هذا القول، وأنه لم يرسل إلى الملك الأفضل، ولم يقل له من هذا القول حرفاً، وانحرف عن أخيه الملك الأفضل، وبعث إليه من أزعجه وأحرجه وإلى صَرْخَد أحوجه، وأخذ من الملك الظافر بُصْرى - وكانت بيده – فرحل إلى حلب، فأقبل إليه الملك الظاهر وأحسن إليه، وسار الملك الأفضل إلى صَرْخَد بأهله وحريمه ، ومعه أخوه الملك المفضل قطب الدين موسى فتسلموها واستوطنوها، وعندما دخل الملك العزيز دمشق، أظهر العدل وأبطل المكوس، وأزال المظالم، واعتقد الناس أن مقامه عندهم يطول، وفرحوا به لما كانوا يعرفونه به من الكرم والبذل، وإقامة منار العدل، ولم يشعروا به إلا وقد تقدم بالتبريز وأجمع على الرحيل إلى الديار المصرية.
وكان الملك الأفضل عندما خرج من دمشق بأهله وأصحابه أخرج معه وزيره ضياء الدين بن الأثير مختفيـاً في صنـدوق من بعض صناديقه، خوفاً عليه من القتل.

5 - رجوع العزيز إلى مصر
سلّم الملك العزيز دمشق إلى عمَّه الملك العادل، ورجل من دمشق عشية يوم الاثنين تاسع شعبان من هذه السنة، (592ه) فنزل بمسجد القدم ثم أرتحل إلى الكسوة ، وسافر بالعساكر إلى الديار المصرية وخرج الملك العادل لوداع الملك العزيز ولما عاد من وداعه أمر فقرئ منشوره بالجامع بتفويض دمشق وأعمالها إليه وكانت مدة مقام الملك العزيز بدمشق بعد أخذها أربعة عشر يوماً وكانت مدة مُلك الأفضل لها ثلاث سنين وأشهراً، وأبقى الملك العادل السكة بدمشق والخطبة للملك العزيز وأشاع أنه نائبه .
وفي سنة 593ه تحركت الفرنج لقصد بلاد الشام، فخرج الملك العادل بالعساكر، فخيم بالقصبة، وهي قريب من صور، وجهَّز إلى بيروت جماعة من العسكر ومعهم الحجارون والنقَّابون، وأمرهم بهدم رَبضَ بيروت ففعـلوا وحصَّـن عـز الدين الدين أسامة القلعة وترك فيها جماعة من الأجناد ليحفظوها .

6- منازلة الأيوبيين للفرنج
كان عز الدين أسامة قد ترك جماعة من الأجناد في قلعة بيروت يحفظونها وذلك بعد أن خرَّب رَبَضها، فخافوا من الفرنج وانهزموا، وبقيت القلعة خالية ليس فيها من يذبُّ عنها، وعلم الفرنج بذلك فملكوها واستولوا عليها فلعن الناس أسامة لتفريطه فيها وسير الملك العادل إلى الملك العزيز يطلب منه النجدة فوصلت إليه العساكر من مصر، ووصل إليه سنقر الكبير – صاحب القدس – وميمون القصرى – صاحب نابلس – ونزل بهم على تل العجول بالقرب من غزة وكان قبل ذلك قد وقع جمع من الفرنج بأجناد في أطراف بلد القدس فقتلوا منهم جماعة، وأسروا جماعة، ورجعوا بغنائم كثيرة ثم قصد الملك العادل بالعساكر يافا، فدخلها عنوة بالسيف وقتل مقاتلتها وأعيان من بها من الفرنج، فامتلأت أيدي المسلمين بالسبى والغنائم وكان هذا الفتح ثالث فتح لها، لأنها فتحت أولاً في أول الفتوح وثانياً وجاء ملك الانكلتير في جموعه فاسترجعها وهذا الفتح في الأيام الناصرية وفتحت هذا الفتح الثالث على يد الملك وفتحت في زمن جمال الدين محمد بن سالم بن واصل صاحب كتاب مفرج الكروب في أخبار بني أيوب في سنة أربع وستين وستمائة على يد الملك الظاهر ركن الدين بيبرس – صاحب الديار المصرية والشام.

7- القاضي الفاضل يحث الملك العادل على الجهاد:
عندما أعاد الصليبيون سيطرتهم على بيروت للمرة الثانية عام 593ه/1197م، مما ترتب عليه إغارات شديدة ضدهم من قبل المسلمين بقيادة العادل سيف الدين انتقاماً مما فعلوه في بيروت – كما مرّ معنا – نجد القاضي الفاضل يبادر بإرسال رسالة من مصر إلى الملك العادل في دمشق يحثه فيها على مواصلة القتال ضد الصليبيين، ويشكره في نفس الوقت على جهوده في محاربتهم في البلاد الساحلية وهنا نرى القاضي الفاضل يقوم بدور تحريضي وتعبئوى، فقال: وقد تجدد من وصول العدو اللعين وحركته إلى جانب بيروت وخطر البلاد ما أذهل كل مرضعة، وأوقع في ضائقة نتفق الأفكار فيها من سعة، وللإسلام اليوم قدم، إن زلت زل وهمة إن ملت فإن النصر منه مل، وتلك القدم القدم العادلية، وتلك الهمة الهمة المسابقة السيفية، فالله الله ثبتوا ذلك الفؤاد، ودمثوا ذلك المهاد، وأسهروا في الله فليست بليلة رقاد، ولا ينظر في حديث زيد ولا عمرو، ولا أن فلاناً نفع ولا ضر، ولا أن من الجماعة من جاء ولا أن فيهم من مر، انظروا إلى أنكم الإسلام كله قد برز إلى الشرك كله وإنكم ظل الله فإن صححتم تلك النسبة فإن الله لا ناسخ لظله واصبروا إن الله مع الصابرين، ولا تهونوا وإن ذهب الناصر فإن الله خير الناصرين، فما هي إلا غمرة وتنجلي، وهيعة وتنقضي وليلة وتصبح وتجار وتربح ثم أعاد القاضي الفاضل وأرسل رسالة أخرى إلى الملك العادل يحثه فيها على عدم الملل من المرابطة أمام العدو ويهون عليه مشقة الحرب ضد الصليبيين، وما ينفقه من تكاليف على هذه الحرب مبشراً أياه بأن الله سوف يجزي خيراً المحسنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله فقال له : فلا يسأم مولانا نية الرَّباط وفِعلها، وتجشُّمَ الكُلفِ وحملها فهو إذا صرف وجهه إلى وجه واحد هو وجه الله صرف الله إليه الوجوه كُلَّها (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا وإن الله لمع المحسنين) "العنكبوت، آية 69).
ومن كتاب له آخر إلى الملك العادل يحثه على قتال الفرنج ويشكره على ما هو بصدده من محاربتهم، وحفظ حوزة الإسلام ويذكره بالله واليوم الآخر ويرغبه بالأجر والثواب من الله فمن ذلك قوله: هذه الأوقات التي أنتم فيها عرائس الأعمار، وهذه النفقات التي تجري على أيديكم مهور الحور في دار القرار، وما أسعد من أودع يد الله ما في يديه، فتلك نعم الله عليه، وما أسعد من أودع يد الله ما في يديه، فتلك نعم الله عليه، وتوفيقه الذي ما كلُّ من طلبه وصل إليه، وسواد العَجاج في هذه المواقف بيـاض ما سـوّدته الذنوب من الصَّحائف، فما أسعد تلك الوقعات وما أعود بالطُّمأنيتة تلك الرّجفات ، فقد كان القاضي الفاضل حاضراً في تلك المشاهد بقلمه وتوجيهاته وحثه وتذكيره للملك العادل.

8- وصف القاضي لسحاب فيه ظلمات متكاشفة وبروق خاطفة:
في عام 593ه ورد كتاب من القاضي الفاضل إلى ابن الزكي يخبره فيه أن في ليلة الجمعة التاسع من جمادي الأخرة أتى عارض فيه ظلمات متكاثفة وبروق خاطفة، ورياح عاصفة، فقوى لهُوبُها، واشتَّد هبُوُبها فتدافعت لها أعنّةٌ مطلقات وارتفعت لها صَعَقات فرجفت لها الجُدران واصطفقت، وتلافت على بُُعدها واعتنقت وثار بين السماء والأرض عجاج فقيل: لعلّ هذه على هذه قد انطبقت، ولا تحسب إلا أن جهنّم سال منها وادٍ وعدا منها عادٍ، وزاد عصف الريح إلى أن أطفأ سُرُجَ النُّجوم، ومزقت أدِيَم السماء ومحت ما فوقه من الرقوم فكنّا كما قال الله تعالى : "يجعلون أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق" (البقرة:19) وكما قلنا : يَردُّون أيديهم على أعينهم من البوارق لا عاصم من الخطف للأبصار ولا ملجأ من الخطب إلا معاقل الاستغفار، وفَّر الناس نساءً ورجالاً وأطفالاً ونفروا من دورهم وخِفافاً وثقالاً لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، فاعتصموا بالمساجد الجامعة، وأذعنوا للنازلة بأعناق خاضعة بوجوه عانية ونفوس عن الأهل والمال سالية، ينظرون من طرفٍ خفي ويتوقعون أيَّ خطب جَلىَّ، قد انقطعت من الحياة عُلقَهم وعميت عن النجاة طرقهم ووقعت الفكرة فيما هم عليه قادِمون، وقاموا إلى صلاتهم وودُّوا لو كانوا من الذين هم عليها دائمون، إلى أن أذن الله في الركود وأسعف الهاجدين بالهجود، وأصبح كلُّ يُسَلَّمُ على رفيقه، ويُهنَيهَّ بسلامة طريقه ويرى أنه قد بُعث بعد النفخة وأفاق بعد الصيحة والصرخة وأن الله قد ردّ له الكرة، وأحياه بعد أن كاد يأخذه على غّرة ووردت الأخبار بأنها قد كسَرتِ المراكب في البحار والأشجار في القفِار وأتلفت خلقاً كثيراً من السُّفَّار، ومنهم من فرَّ فلم ينفعه الفرار إلى أن قال: ولا يحسب المجْلِسُ أنَّى أرسلتُ القلم مُحَرَّفا والقول مُجرَّفاً فالأمر أعظم ولكنّ الله سِلَّم ونرجو أن الله قد أيقظنا بما وعظنا ونبَّهنا بما وَلَّهنا، فما من عباده من رأى القيامه عياناً ولم يلتمسِ عليها من بعد ذلك بُرهانا إلا أهل بلدنا، فما قصَّ الأوَّلون مثلها في المثلات، ولا سبقت لها سابقة في المعضلات والحمد لله الذي من فضله أن جعلنا نُخبرُ عنها ولا تُخبُر عنَّا ونسأل الله أن يصرف عنا عارِض الحرص وَالغرور إذا عنَّا .

9- وفاة ملك اليمن سيف الإسلام طغتكين
في عام 593ه توفي سيف الإسلام أخو السلطان صـلاح الدين وكـان قد جمع أموالاً جزيلة جّداً وكان يسبك الذًّهب مثل الطواحين ويدَّخره كذلك ، وكان ملكاً جواداً ممُدَّحاً وممن مدحه من الشعراء، شرف الدين بن عُنَيْن وقد قام في الملك بعده ولده إسماعيل وكان أهوج قليل التدبير، فحمله جهلهُ على أن أدَّعى أنه قرشي أموِىُّ وتلقب بالهادي، فكتب إليه عمه العادل ينهاه عن ذلك ويتهدده بسبب ذلك، فلم يقبل منه ولا التفتَ إليه، بل تمادى في ذلك وأساء إلى الأمراء والرَّعيّة، فقُتِل وتولّى بعده مملوك من مماليك أبيه.

10- محاصرة الفرنج لتِبنْين عام 594ه
في هذا العام جمعت الفرنج جمُوعها وأقبلوا فحاصروا تِبْنين، فاستدعي العادل بنى أخيه لقتالهم، فجاءه العزيز من مصر والأفضل من صرخد، فأقلعتِ الفرنج عن الحصن وبلغهم موت ملك الألمان فطلبوا من العادل الهُدنة والأمان فهادنهم ورجعت الملوكُ إلى أماكنها، وقد عظم المعُظَّم عيسى بن العادل في هذه المدة واستنابه أبوه على دمشق وسار إلى ملكه بالجزيرة، فأحسن فيهم السيَّرة .

11- وفاة عماد الدين زنكي بن مودود صاحب الموصل: 594ه
كان من خيار الملوك وأحسنهم شكلاً وسيرة، وأجودهم طوية وسريرة وكان شديد المحبة للعلماء ولاسيما الحنفية وقد ابتنى لهم مدرسة بسنجار وشرط لهم طعاماً يطبخ لكل واحد منهم في كل يوم، وهذا نظر حسنٌ، والفقيه أولى بهذه الحسنة من الفقير، لاِشِتغال الفقيه بتكراره ومُطالعته عن الفكر فيما يُقِيته، فغدا على أولاده ابنُ عمَّه صاحب الموصل، فأخذ الملك منهم، فاستغاث بنوه بالملك العادل، فَردَّ فيهم الملك، ودرأ عنهم الضَّيْمَ واستقرت المملكة لولده قطب الدين محمد، ثم سار العادل إلى ماردين، فحاصَرها في شهر رمضان فاستولى على رَبَضِها ومُعَامَلتِها وأعجزته قلعتها، فصاف عليها وشتا وما ظن أحدُ أنه تَملكَّها، حتى هنَّته الشعراء بذلك؛ لأن ذلك لم يكُن مثبوتاً ولا مقدَّرا .

12- وفاة الأمير عزُّ الدين جُرْديك عام 594ه :
كان من أكابر الأمراء في زمان نور الدين وكان ممَّن شَرِكَ في قتل شاور وحظي عند صلاح الدين، وقد استنابه على القدس حين افتتَحها، وكان يَسْتنِد بُه للمُهّمِات الكبِار فيسدُّها بنهضته وشجاعته، ولما ولي الأفضـل عَـزله عن بيت المقدس، فترك بلاد الشام وانتقل إلى الموصل، فمات بها في هذه السنة
.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 10:48 am

[size="5"]
[size="6"]خامساً: وفاة الملك العزيز بن صلاح الدين: [/size]
هو السلطان الملك العزيز، أبو الفتح، عماد الدين، عثمان بن السلطان صلاح الدين بن أيوب صاحب مصر، ولد في سنة سبع وستين وخمس مئة في جُمادى الأولى وحدّث عن : أبي طاهر السَّلفىَّ، وابن عوف، عاش ثمانياً وعشرين سنة، مات في العشرين من المحرَّم سنة خمس وتسعين وخمس مئة وكان العزيز شاباً، حسن الصورة، ظريف الشمائل، قوياً، ذا بطشٍ، وأيدٍ وخفة حركة، حَييّاً، كريماً، عفيفاً عن الأموال الفروج بلغ من كرمه أنه لم تبق له خزانة ولا خاصٌّ ولا فرس وبيوت أمرائه تفيض بالخيرات وكـان شـجاعاً مقداماً وكانت مدة حكمه لمصر أقل من ست سنين بست وثلاثين يوماً . ومن المعروف أن العزيز عثمان ولد بالقاهرة، فهو يمثل أول حاكم من البيت الأيوبي يولد بمصر ويتولى حكمها ومع أن مصر بقيت في عهد العزيز عثمان، كما كانت على عهد أبيه صلاح الدين الأيوبي، من حيث كونها قلب الأمة الإسلامية، إلا أنها تأثرت في أحوالها الاقتصادية إلى حد كبير لعدة أسباب من أهمها:
- انخفاض فيضان النيل 592ه/1194م وما ترتب على ذلك من نقص في الغلال، وكثر الزحام في الأسواق طلبا للخبز ولكنه كان قليلاً.
- فشت الأوبئة والأمراض، فهلكلت المواشي، وكثرت الأموات طرحى على الطرقات، وزاد عددهم في القاهرة في كل يوم عن مائتي نفس وبقى بمصر من لم يوجد من يقوم على كفنه ودفنه، وكان أكثرهم يموت جوعاً ويبدو لنا أن ما حدث من نزاع في البيت الأيوبي بين العزيز عثمان وأخيه الأفضل علي، ومكائد ودسائس عمهما الملك العادل التي زادت من شقة الخلاف بينهما لصالحه الذاتي، شغلت العزيز عثمان عن وضع حد لتلك الضائقة الاقتصادية، ولم تساعده على تفادي هذه الكارثة التي أثرت تأثيراً كبيراً في حياة المصريين اجتماعياً واقتصادياً .
- سبب وفاته:
توفي الملك العزيز بداره بالقاهرة وكان على عَزْمِ الصَّيد في أعمال الفيُّوم، فخَيَّم تلك الليلة عند الأهرام فقيل، إنه أصبح وركض خلف صيد، فكبابه، الفرس مّرة بعد أخرى، .. فتفاقم ألمه، وأقام يومين أو ثلاثة لا يستطيع له مخلوق إعانة ولا إغاثة ثم حُمَّ حِمامُهُ، وأظلمت بفجيعته أيامه، وقبر في دار، لينقلَ منها إلى دار قراره .
1- الملك العزيز والقاضي الفاضل
لما قصد الملك العادل والملك الفاضل الملك العزيز ونازلاً بلبيس وحاصراها، وأشرف ملكه على الزوال بذلت له الرعية أموالاً ليذبَّ بها عن نفسه فامتنع مع شدة حاجته في ذلك الوقت إلى الملك وأشير عليه بأن يقترض من القاضي الفاضل، فإن أمواله عظيمة، وهو غير محتاج إليها، فامتنع من مخاطبة القاضي الفاضل في ذلك، فألحوا عليه في ذلك حتى أجاب وأرسل إلى القاضي الفاضل يستدعيه، فحَضر وكان الملك العزيز في منظره من دار الوزارة مطلة على الطريق، فلما رأى القاضي الفاضل مقبلاً لم يتمالك من شدة الحياء ودخل إلى دار الحرم فراسلت الأمراء الملك العزيز وشجعوه حتى خرج واستدعى القاضي الفاضل وقال له – بعد أن أطنب في الثناء عليه والتقريظ له - : قد علمت أن الأمور قد ضاقت عليّ وقلَّت الأموال عندي وليس لي إلا حسن نظرك وإصلاح الأمر لنا بمالك أو برأيك أو بنفسك. فقال له القاضي الفاضل: جميع ما أنا فيه من نعمتكم، ونحن نقدم أولاً الرأي والحيلة ومتى احتيج إلى المال فهو بين يديك .
تمليك الملك المنصور بن الملك العزيز
لما مات الملك العزيز اتفقت كلمة الأمراء على تنفيذ ما وصَّى به الملك العزيز وهو إقامة الملك المنصور في الملك وقيام بهاء الدين قراقوش بأتابكيته: فأجلسوا الملك المنصور في مرتبة أبيه، وترتب بين يديه قراقوش، وحلفت الأمراء كلهم للملك المنصور وامتنع عمّاه: الملك المؤيد، والملك المعز من الحلف إلا بشرط أن تكون الأتابكية لهما، وجرت بينهما منازعة ومشاققة كثيرة وأجابا بعد ذلك إلى الحلف وحلفا، ثم وقع الاختلاف بين أمراء الدولة فقال قوم منهم: لابد لهذا الملك من رجل فحل مهيب يدبرهّ، وقراقوش مضطرب الآراء، ضيق العطن لا يصلح لهذا الأمر. وقال قوم : نرضى بهذا الخادم، فإنه أطوع وأساس مقادة ولا نحضر من يستطيل بسطوته وقدرته وقال آخرون: لا تحفظ هذه الديار إلا بملك مرهوب مخوف، وإن فيها بقايا من جند المصريين الذين انتزعت البلاد من أيديهم قهراً، ويقصدها أعداء الدين من جهة البحر، فمتى لم يقم بأمرها ملك قاهر لا تحفظ وطال النزاع بينهم في ذلك ففزعوا إلى رأى القاضي الفاضل فقال لهم القاضي الفاضل: إني لا أشير عليكم بعزل أحد ولا ولاية أحد أن ذلك مما لا يوافق بعضكم فأستجلب عداوته ولكن اجتمعوا بعضكم ببعض وامخضوا بينكم الرأي، فإذا رضيتم أمراً فاعرضوه عليّ، ففعلوا ما أشار به، وتحاولوا بينهم الآراء ثلاثة أيام، فاتفقت كلمتهم على مكاتبة الملك الأفضل على أن يقدم البلاد، ويكون أتابكا للملك المنصور سبع سنين، فإذا انتهى هذا الأجل سُلمَّ الأمر إليه والتدبير، ويشترط على الملك الأفضل أن لا يرفع فوق رأسه سنجق، ولا يذكر إسمه في خطبة ولا سِكَّة، ولما اتفقوا على ذلك عرضوه على القاضي الفاضل، فقال: قد أصبتم الرأي، وأخترتم الذي اختاره السلطان الناصر – رحمه الله – لكم وهو ألين عريكة، وأسهل تناولا من غيره، فأرسلوا القُصّاد إلى الملك الأفضل يستدعونه، فلما وصلته القُصَّادُ توجه إليهم مجدا .
فلما حصل عندهم مُنع رفدهم، ووجدوا الكلمة مختلفة عليه، ولم يتَّم له ما صار إليه وخامر عليه أكابر الأمراء النَّاصَّرية وخرجوا من ديار مصر فأقاموا في بيت المقدس وأرسلوا يستحثُون الجيوش العادلية ، وكتب الملك الأفضل إلى عمه الملك العادل بأنه غير خارج عن الذي يأمره به، وأنه تحت حكمه ويستطلع أوامره ونواهيه فيما يعتمده، فورد جوابه عليه بأن الملك العزيز إن كان قد مات عن غير وصية فليكتب الأعيان خطوطهم له بذلك وشهادتهم له حتى يرى رأيه وإن كان قد مات عن وصية فلا يعدل عنها، ولا ينبغي له التعرض إلى ديار مصر .

2- تحالف الأخوين الأفضل والظاهر ضد العادل:
يبدو أن الملك الظاهر غازي صاحب حلب كان قد أدرك أهداف عمه الملك العادل في إبقاء الخلاف بين أخويه الملك الأفضل والملك العزيز، فقرر معاندة عمه ومحاولة التخلص منه، ولذلك غضب الظاهر غازي على أخيه الأفضل لأنه كتب لعمه أنه وصل مصر، ولن يخرج عن أمره، فكتب إلى الأفضل يقول: أخرج عمنا من بيننا، فإنه لا يجيء علينا منه خير وأنا أعرف به منك، وأقرب إليه، فإنه عمي كما هو عمك، وأنا زوج ابنته، ولو علمت أنه يريد لنا خيراً لكنت أولى به منك وأشار عليه بقصد دمشق وأخذها من عمه العادل وأن ينتهز الفرصة لإنشغال عمه بحصار ماردين وارتاح الملك الأفضل لرسالة أخيه السابقة، واتفق الأخوان على القضاء على سيادة عمهما الملك العادل ، وتعاون معهما أسد الدين شيركوه بن محمد صاحب حمص، واغتنم الأفضل بُعد عمهما عن دمشق، وانشغاله في محاصرة ماردين، فسار بعساكر مصر إلى الشام، بعد ما استناب بمصر الأمير سيف الدين أركش وحاصر دمشق وسرعان ما وصلت عساكر حلب لدعم جند مصر، فضيقوا الخناق على المدينة، ولكنهم لم يحاولوا اقتحامها، وعندما علم الملك العادل بالأمر، ترك ابنه الملك الكامل على حصار ماردين، واندفع مسرعاً إلى دمشق، وأخذ يبذر بذور الشك والخوف بين الأخوين، فأرسل إلى الملك الظاهر غازي وقال له: أنا أسلم إليك دمشق وأنت السلطان فطمع الظاهر واختلف الأخوان ورحل الملك الأفضل إلى مصر . والظاهر إلى حلب بعد ما حرقوا ما عجزوا عن حمله.

3- عزل الملك الأفضل:
ولما سافر الملك الأفضل راجعاً إلى مصر لحقه عمّه الملك العادل ووصل الملك العادل، وضرب مع الملك الأفضل مصافاً فانكسر عسكر الملك الأفضل وولوا منهزمين لا يلوون على شيء ثم سار الملك العادل بالعساكر ونزل بركة الجُبّ، وسيَّر إلى الملك الأفضل يقول له: أنا لا أحب أن أكسر ناموس القاهرة، لأنها أعظم معاقل الإسلام ولا تحوجني إلى أخذها بالسيف، وأذهب إلى صرخد وأنت آمن على نفسك، فأستشار الملك الأفضل الأمراء فرأى منهم تخاذلا، فأرسل إلى عمه يطلب منه أن يعوَّضه عن الديار المصرية بالشام فامتنع من ذلك، فطلب أن أن يعوَّضه حّران والرُّها فامتنع، فطلب منه جاني وجبل حور، وميَّافارقين وسميساط فأجابه إلى ذلك وتسلم القاهرة منه.

4- استقلال الملك العادل بالسلطنة الأيوبية:
أصبح الملك العادل أتابكا لابن الملك العزيز، المنصور، ولكنه بعد مدة قصيرة كان قد أحضر جماعة من الفقهاء والقُضاء والولاة وقال لهم قول المستفتي المستثير: هل تصح ولاية الصغير؟ فقالوا: هذا مولىَّ عليه فلا يلي، وغيابات الحوادث بنظره لا تنجاب ولا تنجلي فقال فهل يجوز للمولّى الكبير أن ينوب عنه إلى أن يكبر، ويرتب الأمور بحكم النَّيابة ويدبر؟ فقالوا: إذا كانت الولاية غير صحيحة فلا تصح النيابة ومن رآه صواباً أخطأ به الإصابة لاسيما في السلطنة التي هي خلافة الخليفة، فلا حق منها إلا للكبير الذي يعيَّنُ على الحقيقة، وجرى منهم في هذا المعنى الإمعان فلما عرف الشرع أحضر الأمراء، والتمس منهم الطاعة والسمع، وخاطبهم في اليمين له والميثاق وألزمهم بالوفاء والوفاق ... وقال لهم: قد علمتم ما هو الواجب من التظافر على حفظ ثغور الإسلام وتدبير الممالك بمصر والشام وما هذا أمر يناط بالصبيان أو يُحاط بغير ذي القدرة والسلطان فأذعنوا وأطاعوا وحصل الإئتلاف ورفع الخلاف أحضر الأمر وقال لهم: إنه قبيح بي أن أكون أتابكاً مع الشيخوخة والتقدم، مع أن المُلْكَ ليس هو بالميراث وإنما هو لمن غلب، ولقد كان يجب أن أكون بعد أخي السلطان الملك الناصر – رحمه الله – صاحبَ الأمر، غير أني تركتُ ذلك إكراماً لأخي ورعاية لحقه، فلما حصل من الاختلاف ما حصل خفت أن يخرج المُلْكُ من يدي ويد أولاد أخي، فمشًّيت الأمر إلى آخره، فلم أرَ الأمر يصلح إلا بقيامي فيه ونهوضي بأعبائه ولما ملكت هذا البلد وطنَّت نفسي على القيام بأتابكية هذا الصبي حتى يبلغ أشدَّه، فرأيت العصيان غير مقلعة والفتى ليست زائلة فخشيت أن يطرأ عليَّ ما طرأ على الأفضل، ولا آمن أن يجتمع جماعة ويطلبون إقامة آخر، وما أعلم ما يكون عاقبة ذلك وأنا أرى أن هذا الصبي يمضي إلى الكتُّاب وأقيم له من يؤديه ويعلمّه فإذا بلغ أشده نظرت في أمره وقمت بمصالحه. ولما استقر المُلُك بمصر للملك العادل استدعى أبنه الملك الكامل ناصر الدين محمداً من الشرق وجعله نائباً عنه بالديار المصرية ولم يزل الملك الكامل ينوب عن أبيه بالديار المصرية إلى أن توفي أبوه وذلك قريب من عشرين سنة واستقل بالملك بعده عشرين سنة وكسراً فملكها نائباً ومستقلاً قريباً من أربعين سنة .

5- دخول الملك المنصور صاحب حماة تحت سيادة العادل:
أرسل الملك المنصور – صاحب حماة – إلى عمه الملك العادل يعتذر إليه من مساعدته الأفضل والظاهر ويطلب رضاه عنه، وكان رسوله إليه زين الدين المعروف "بالمهيطليّة" فلما قدم عليه تلقاه بالترحيب والإكرام وخلع عليه وأحسن إليه، وأظهر الرضى عن الملك المنصور وقال لزين الدين هذا المولى الملك المنصور إن كان قد صدرت منه هذه الزلة الواحدة فله من الحسنات ما يمحوها ويمحقها:ثم حلف الملك المنصور، ووقعت الوُصلة بعد ذلك بين الملك المنصور وعمه الملك العادل، فتزوج ابنته عصمة الدين ملكة خاتون والدة الملك المظفررحمه الله وفي هذه السنة 596ه وصل إلى مصر الأمير شمس الدين محمد بن قِلج، ونظام الدين محمد بن الحسين الأصفهاني – وزير الملك الظاهر – رسولين منه إلى الملك العادل في أن يحلف للملك الظاهر على مابيده من البلاد ويقيم الملك الظاهرُ على ما بيده من البلاد ويقيم الملك الظاهرُ للملك العادل بحلب الخطبة والسكَّةٍ، فركب الملك العادل إلى لقائهما وأكرمهما إكراماً تاماً، وقررَّ الملك العادل للملك الظاهر على ما بيده وحلف له عليه وألزمه خمسمائة فارس تكون في خدمة الملك العادل في كل سنة من خيار عسكر حلب فرجع الرسولان إلى الملك الظاهر، فأقيمت الخطبة والسِكّة بحلب وبلادها للملك العادل

6- وفاة الحاجب لؤلؤ في عام 596ه:
توفي في هذا العام الحاجب لؤلؤ، وكان في الأيام الصلاحية أشجع الشجعان وأفرس الفُرسان، وله مقامات في الغزاة، ومواقف مع العُدَاة، وهو الذي نهض وراء مراكب الفرنج النّاهضة في بحر أَيْلَة إلى بَرَّ الحجاز، وأتى في كسرهم وأسرهم بالإعجاب والإعجاز وكانوا قطعوا الطريق في بحر عيذاب على التجار وحصلت أموالهم تحت الاستيلاء بعد حصولهم تحت الإسار فأنقذ واستنقذ، وما نزل حتى أخذ، وساق إلى القاهرة أولئك الكُفَّار مقهورين واعتقلهم بها مأسورين.

[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 10:54 am

[size="5"]
[size="6"]عهد الملك العادل[/size]
السلطان الكبير العادل سيف الدين أبو الملوك وأخو الملوك، أبوبكر محمد ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُّويني الأصل التكريتي ثم البعلبكي المولد، كان أصغر من أخيه صلاح الدين الدين بعامين ، نشأ في خدمة الملك نور الدين، ثم شهد المغازي مع أخيه، وكان ذا عقل ودهاء وشجاعة وتؤدة وخبرة بالأمور، وكان أخوه يعتمد عليه ويحترمِه استنابه بمصر مدة ثم ملَّكَهُ حلب، ثم عوَّضه عنها بالكَـرك وحرّان وأعطى حلب لولده الظاهر
قال عنه الذهبي: وكان سائساً، صائب الرأي، سعيداً، استولى على البلاد، وامتدت أيامه وحكم على الحجاز، ومصر والشام، واليمن، وكثير من الجزيرة وديار بكر، وأرمينية، وكان خليقاً للملك، حسن الشكل، مهيباً حليماً، ديَّنا فيه عِفَّه وصفح وإيثار في الجمُلة.
أزال الخمور والفاحشة في بعض أيام دولته وتصدق بذهب كثير في قحط مصر حتى قيل : إنه كفن من الموتى ثلاث مئة ألف والعُهدة على سبط الجوزي في هذه وسيرته مع أولاد أخيه مشهورة، ثم لم يزل يراوغهم ويلقي بينهم حتى دَحاهم، وتمكن واستولى على ممالك أخيه .. ثم إنه قسم الملك بين أولاده وكان يصَّيف بالشام غالباً ويشتو بمصر.
نجب له عدة أولاد سلطنهم وزوّج بناته بملوك الأطراف وقد احتيل على الفتك به مرات، ويسلَّمُه الله وحدّث العادل عن السَلفي وكان مائلاً إلى العلماء حتى صنف له الرازي كتاب "تأسيس التقديس" فذكر اسمه في خطبته.
أولاً: الأحلاف السياسية ضد الأيوبيين في الجزيرة
بعد وفاة السلطان صلاح الدين انتقض الأمراء والملوك المعاهدين على خلفائه وكان أوّلهم بكتمر صاحب خِلاط ثم أيَّده صاحب ماردين وراسلوا أتابكة الموصل وسنجار وتحالفوا وأصبحت المناطق الأيوبية مهَّددة من الشمال ومن الشَّرق وتحركت الجيوش صوبها، وأرسلوا للعادل: أن أخرُج من بلادنا. وباتت السيطرة الأيوبية في الجزيرة مهّددة تماماً، وكان امتحاناً مُبكراً يتعَّرض له العادل، بل الدولة الأيُّوبيَّة بكاملها بعد موت مُؤسَّسها،
لكن الإرادة الإلهية أوّلا،
وعزيمة العادل، والتفاف الأيوبيَّة حوله ثانياً،
حّول كل ذلك إلى نصر كبير للأيوبية وتأكيد على إحكام قبضتها في الجزيرة .
1- في معسكر الحُلفاء:
كانت الضربة الأولى التي وجُهَّت للخلفاء هي مقتل بكتمر صاحب خلاط، إذ اغتالته الباطنية وهو في أوج تنمرُّه وشماتته بموت صلاح الدَّين، فقد ظهر شعار السَّلطنة، وتلقَّب بالملك النّاصر وراسل الأمراء والملوك، وعندما بدا وكأن السعد يجاريه، سقط بخناجر الباطنية، لتنهار دعامة قويّة من الحلف المناوي للأيوبية .
تردَّد عز الدَّين مسعود صاحب الموصل وتلكّا في التحرك العسكري ضَّد الأيوبيَّة لاحتلال بلادهم الجزرية، وعندما تحّرك في الجيش داهمه المرض، فعاد محمولاً في محفة إلى الموصل وتبعه جيش التحالف الأتابكي بدُون أن يحرز أيَّ نتيجة وجد صاحب ماردين نفسه وحيداً في الميدان "فتضرَّع، وتدّرع وتشفع، حتى عفا عنه العادل.
تحرك العادل بسرعة "فكتب إلى بني أخيه يستنجدهم، فأنجدوه وتحرّكت الفرق الأيوبية نحو الجزيرة من كُلَّ مكان وأوَّلها وأقربها نجدة حلب، ثم، حمص وبعلبك ودمشق.
ولم يعد هذا التجمع الأيوبي بلا مكسب، فقد استغلَّ العادل تجمَّع النجدات، وتراجع الأتابكة، فأمر ابنه الظافر بقيادة الجنُد، واحتلال مدينة سروج، وكانت لعماد الدين، فاحتلهَّا ثم احتلّ الرَّقة، واستولى على بلاد الخابور
، وتبلور الوضع السياسي بعد هذا الاختبار للدولة الأيوبية بتأكيد سلطنة العادل على كامل أراضي الجزيرة، كما تأكدت على الشام فملوك الجزيرة وأمراؤها إمَّا يتبعون مبُاشرة لولاة العادل أو مُخالفون له، خاضعون، يخطبون له على منابرهم ويسكُّون اسمه على نقودهم.

2- موقف حلب
وفي عام 594ه - 1198م، أنجد الظّاهر عمَّه العادل في هجومه على ماردين ولمّا وقع الخلاف بينه وبين عمَّه إثر وفاة العزيز وتحرّك الظاهر مع أخيه الأفضل لأخذ دمشق، دعم الظاهر تحالف أتابكة سنجار والموصل، فهزموا جيش العادل، وأجلوه عن ماردين وبعد فشل خُطَّة الظَّاهر بأخذ دمشق من عمَّه العادل راسل حسام الدين يولق صاحب ماردين وحاول تأليف حلف معه ومع أمراء الجزيرة بمن فيهم أخوه الأفضل، وعندما عاد العادل للهُجُوم على ماردين عام 599ه - 1202م تدخَّل الظَّاهر إنما هذه المرّة بوساطة سلمية، كانت لمصلحة كل الأطراف فقد سار الأشرف نائب والده العادل في حَرَّان إلى ماردين وحاصرها عام 599ه فأدرك صاحبها أنَّه سيكون الخاسر الأكبر باعتماده على حلف مُتفكَّك أصلاً، لا يجمعه إلا المصلحة، وتفرَّقه المصلحة، فأرسل للظاهر صاحب حلب، الذي وافق على السعي بالصُّلح موافقة العادل تدلُّ على عدم تأكُّده من النجاح العسكري، فقد فشل ابنه الأشراف بتحقيق نصر عسكري تجاه ماردين ، ورُبمَّا لا العادل ولا الأشراف كانا يتوقّعان نصراً عسكرياً ضدَّ بلدة محصنة كماردين، وقلعتها الشهيرة، وبالمقابل ضمن العادل حُصُوله على 150 ألف دينار نقداً، والخطبة والسَّكة في ماردين مع نجدة عساكر له عند الطلب، وحصل الظَّاهر على عمولة هي 20ألف دينار، وإقطاع قرية القرادي ، من صاحب ماردين .

3- القوى السّياسية في الجزيرة الشّامية
(مشكلة خلاط)
[size="3"](: هي بين بلاد المسلمين والأرمن ويتكلمون بها ثلاث لغات، العربية والفارسية والأرمينية وأظن أنها سميت أخلاط لهذا السبب. ):[/size]
لم يتمكَّن صلاح الدين من ضَّم أخلاط إلى مملكته، فقد كانت حكم سيف الدَّين بكتمر، الذي استولى على السُّلطة بها بعد موت شاهر – من شاه أرمن – بن سكمان ملك أخلاط واستطاع بكتمر حفظ مملكته من توسُّع السلطان صلاح الدين في الجزيرة، وعرف نواياه تجاه خِلاط لذلك حقد عليه، وعند وفاة السلطان أظهر الابتهاج، وتلقب بالملك النّاصر، وهو لقب صلاح الدين ، وتحالف مع أتابك الموصل، ويُقال إن بكتمـر هُو مَن شَكـَل الحلف ضّد الأيوبية ولكـن قتله المفاجئ عام 589ه /1193م بعد شهرين من وفاة صلاح الدين بأيدي الإسماعيليةَّ، أنهى كُلَّ خطر كان يشكله بكتمر على الأيوبييَّن ، ومقتله وفّر على الأيوبّية الكثير من المتاعب، وفكّك – فعليَّاً – تحالف ملوك الأطراف ضدهم بعد قتل المحَّرك والمدبر والأشد حقد عليهم، فملك خِلاط بعده مملوكه آق سنقر ولقبه هزاز ديناري، وتسمَّى : الملك بدر الدَّين، لكنه لم يعش طويلاً بعدها فقد توفي عام 595ه، فتولىَّ الأمراء محمد بن صاحب خلاط السابق بكتمر وكان شاباً فاسداًالناس، وملكَّوا سيف الدَّين بلبان، وكان مملوكاً لشاه أرمن وتسلم خلاط، فكتب جماعة ابن بكتمر للملك الأوحد ابن العادل صاحب مَيَّا فارقين يستدعونه إلى خِلاط، فسار إليه . وكان قد طلب النجدة من أبيه العادل، فأرسل له جيشاً كبيراً ، وتمكّن بواسطته الأوحد من هزيمة بلبان . لكن بلبان استنجد بمغيث الدَّين طغرل شاه بن قلج أرسلان السلجوقي ، صاحب أرزن الروم، فسار إليه بنفسه ومعه العسكر، فهزموا الأوحد ، فعاد إلى ميَّافارقين وطمع طغرل شاه بأخلاط، وغدر بلبان، فقتله، ليملك خلاط، لكنّ أهلها لم يُسلَّموها له، وقاوموه، فعاد إلى بلادَه، واستدعوا الملك الأوحد، وسلَّموه المدينة سنة 604ه وتخَّوف أصحاب المدن المجاورة من قّوة الأوحد التي تُعدُّ امتداداً لقوة والده العادل وأخيه الأشرف، وهي أكبر القوى العسكّرية والسَّياسَّية في الجزيرة، فحاولوا النيل منه، ولكنّ دعم أخيه الأشرف جعلهم يتراجعون واستفاد الأوحد من وجود قّوات أخيه الأشرف، فهاجم قلعة أوان وهي للكرج فملكها ، فخاف ملوك المدن المجاورة واتفقوا على ترك طاعة العادل، وأعلنوا طاعة خسرو شاه بن قلج أرسلان سُلطان سلاجقة الرّوم، وخطبوا له، وراسلوا الكرج يُحَّرضونهم ضدَّ الأوحد ، فتحرك ملك الكرج 607ه/1210م، إلى خلاط وحاصرها بقُوَّاته، وفي إحدى الهجمات الجيشَ الكرج على أبواب خلاط سقط ملكهم عن جواده، فأسرع المدافعون عن الباب وأسروا الملك واقتادوه إلى الأوحد الذي فاوضه على إطلاق سراحه مقابل عدة شروط، منها : تسليم بعض القلاع، وإطلاق خمسة آلاف أسير مسلم، ودفع مائة ألف دينار، وتزويج ابنة الملك الكرج للملك الأوحد، وإقامة هُدنه بينهما مُدَّتها ثلاث سنوات فتخاذل مُلُوك المُدُن المجاورة لِخلاط المتُحالفين ضَّد الأوحد وأبيه العادل، وقصدوا العادل وهو في حَرَّان، واعتذروا إليه، وعادوا إلى طاعته ، وبعد مرض عُضال تُوفيَّ الملك الأوحد نجم الدَّين أيوب ابن العادل في مدينة ملاذكُرد، ودفن بها ، سنة 605ه/1208م ، فتسلّمها أخوه الملك الأشرف صاحب الجزيرة، واستقرتَّ في ملكه، وأُضيفت ميَّا فارقين إلى المظُفَّر شهاب الدين غازي، فعظم شأن الأشرف بمُلكه خِلاَط وهي قصبة أرمينيا ، فعظم أمره، وتلقَّب شاهر من بعد أن ملكها .

4- الملك الأفضل في الجزيرة:
كان الأفضل أكبر أولاد صلاح الدين ووليّ عهده، وبعد وفاة والده كّون مملكة دمشق التي كانت إقطاعاً له في حياه والده السُّلطان، وهي تمتد من حدود حمص شمالاً إلى حدود العريش جنوباً يفصلها عن بعض السواحل المناطق المحتلة من قبل الفرنج وفي عام 592ه تمّكن الملك العادل من إخراج ابن أخيه الأفضل من دمشق إلى صرخد وبعد موت العزيز ابن صلاح الدين صاحب مصر تمكّن الأفضل من الوصول إلى حُكم مصر عام 595ه، لكن؛ نتيجة التحاسد بين الأخوة أبناء صلاح الدَّين وشخصية الأفضل غير القيادية فقد طـرد الأفضـل مـن مصـر – كما مرّ معنا – وعاد إلى صرخد، ثم خسرها – أيضاً – بعد مُغامرته الفاشلة لأخذ دمشق 597ه 1201م وأثناء حصار الأفضل وأخيه الظاهر للعادل بدمشق، راسل العادل الأفضل، ووعده بالبلاد الشرقية، فانسحب من الحصار وعمل على تفشيله وسلمَّه العادل مَيَّا فارقين، وسُمَيساط وسروج وقلعة نجم ويبدو أن العادل كان يُدرك تماماً ما يفعل، فقد وضع الأفضل في الجزيرة، ليبعده أولاًَ عن مراكز القوى في دمشق ومصر وليضعه تحت إشراف ومراقبة ولده الأشرف صاحب إقطاع الجزيرة وكانت لدى العادل مخططات أخرى تتعلَّق بالأفضل، ربَّما لم يطلع عليها سوى ابنه الأشرف صاحب إقطاع الجزيرة الذي سُينفذها لاحقاً، ففي عام 599ه، طلب الأشرف من الأفضل القدوم بعساكره للتوجه معه في الحملة ضَّد ماردين وبالفعل وصل الأفضل إلى حّران ورافقه الأشرف الذي كان يظهر الود والاحترام للأفضل، حتى إنَّه عندما استولى على رأس عين الخابور سلمها له وبعد الصلح مع ماردين والعودة إلى حرّان بلغ كرم الأشرف غايته مع ابن عمه، حيث أعطاه بلدين جملين ، إلا أن الملك العادل أرسل عسكره ونوابه واستعاد جملين مـن الأفضـل وانتزع منه سروج وشبختان والموزر والسن ، ثم تابع الملك العادل وابنه الأشرف تنفيذ مخططهما، ضّد الأفضل فأخذوا رأس عين الخابور من الملك الأفضل وكذلك جملين بكذبه كذبوها عليه لاستعادة البلاد منه ولم يبُقوا عليه سوى سُمَيساط ، كانت محاولة الأفضل الأخيرة، قبل أن يفقد كُلَّ أمل له ضمن أسرته الأيوبيَّة، هي التذلُّل لعَّمه العادل، واستعطافه، فأرسل والدته إلى حماة، لتشفع صاحبها المنصور عند العادل لإبقاء بلاده عليه لكن العادل لم يلتفت إلى ذلك ، عندما وجد الأفضل نفسه وحيداً ضمن البيت الأيوبي فأعداؤه هم أخوه وعمّه وأبناء عمَّه، مما زاد الأفضل حنقاً ودفعه باتجاه معاكس، فالتفت خارج البيت ليجد كيكاوس سلطان سلاجقة الروم قريباً منه، ومرحباً به وربما لأنه عدو البيت الأيوبي انتمى إليه وخطب له على منابر سُمَيساط، فكان انتقام الضعيف من القوي وعندما تُوفَّي الملك الظاهر صاحب حلب، في عام 613ه - 1216م وجد كيكاوس في الأفضل ضالتهَّ، فهو وسيلته للسيطرة على الجزيرة، ومن ثمَّ الدخول إلى الشام ، فأثار مطامع الأفضل ووعده بأخذ حلب، وتسليمها له : وكان كيكاوس يُريد الملك لنفسه ويجعل الأفضل ذريعة للتوصل إليه ، ففي عام 615ه طالب كيكاوس من الأفضل، أن يكاتب أمراء حلب الذين يميلون إليه، فكاتبهم، ووعدوه ، وكأن عدد من مستشاري عز الدين كيكاوس قد "حسَّنوا له قصد حلب وقالوا : المصلحة أن تستعين بالأفضل، فإنه في طاعتك، ويخطب لك، والناس مائلون إليه، فاستدعاه وأكرمه واتَّفقا على قصد البلاد، وأن حلب وأعمالها للأفضل وبلاد الأشرف لعز الدَّين وساند الأفضل كيكاوس ورافقه في هجومه على ممتلكات حلب "وساروا فملكوا رعبان، وسُلمَّت للأفضل لكن؛ لمَّا مُلكت تل باشر أخذها عز الدين كيكاوس لنفسه، وكذلك منبج، فنفر الأفضل وقال: هذا أول الغدر، ونفرت أهل البلاد، فقد كانوا فرحين بُملك الأفضل ولما تحقق الأفضل من سوء نيَّة كيكاوس، أشار عليه بقصد البلاد، وتأخير حلب، لمرور الزمن في غير فائدة، لئلا بتحصل لعزّ الدين مقصوده ، وكان تراجع الأفضل عن دعم كيكاوس من الأسباب القَّوية لهزيمته أمام قوات حلب والأشرف موسى ، فقد تراجع منهزماً واستردوا كُلَّ ما استولى عليه، وعاد الأفضل ليقبع في سُمَيساط ولم يتحرك – بعدها – في طلب مُلك، إلى أن مات عام 622ه ، 1225م وكان موته فجأة وله من العمر سبع وخمسين سنة.
وهكذا أكمل العادل مُخططَّه تجاه الأفضل الذي كان يتصَّوره الأقوى بين أبناء صلاح الدين ولكنه كان – على ما يبدو – بعيداً عن مغاور السياسية وألاعيبها بسيطاً مع أنه جمع الفضائل والأخلاق الحسنة؛ وعلَّل أبو الفداء بأنه كان: قليل الحظَّ ، لكن الأرجح أنه سوء تدبير أكثر منه قلّة حظَّ، فله من الخبرة والتجربة في دولة أبيه، وربما ما يفوق ما كان لأخيه الظاهر غازي أو العزيز ونلاحظ أن العادل قد تجاوز صلاح الدين بحسن التدبير لتدريب أبنائه، وربما كان ذلك بسبب انشغال صلاح الدين الدائم بالجهاد، فقد أمضى جُلَّ عمره على صهوة جواده، وكان يرى أن تحرير ديار المسلمين رسالة عليه أن يُؤدَّيها، فلم يلتفت إلى ما سواها، بينما التفت العادل لترتيب شُؤون أولاده بعد موت صلاح الدين، وساعده على ذلك توقف الأعمال الحربية الكبرى مع الفرنج.
ويعتبر النزاع الداخلي في الأسرة الأيوبية من أسباب ضعفها واضمحلالها وزوالها، فمن سنة الله تعالى في الشعوب والأمم وأسباب زوالها وهلاكها الاختلاف،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا، وفي رواية "فأهلكوا"
. وعند ابن حيان عن ابن مسعود رضي الله عنه: فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف .

5- العلاقات الأيوبية الزنكية في عهد العادل:
دخلت العلاقات الأيوبية – الزنكية مرحلة جديدة عقب وفاة صلاح الدين في عام 589ه/1193م) استغل خلالها حكام الموصل الصراع الداخلي بين ورثته لاستعادة نفوذهم المسلوب، وقضت مصلحتهم التحالف مع طرف ضد الطرف الآخر أثار تقسيم المملكة الأيوبية، مطامع عز الدين مسعود الأول، فاستغل الفرصة، وراسل أمراء الأطراف، وحكام المدن للتنسيق معهم، فلم يستجب له منهم سوى أخيه عماد الدين زنكي الثاني صاحب سنجارويبدو أن هؤلاء الأمراء لاسيما مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل، وسنجر شاه صاحب جزيرة ابن عمر، خشوا من طموحاته، ووجدوا أنه ليس من مِصلحتهم أن يستعيد نفوذه وقوته، والأفضل أن يظل ضعيفاً حتى يستمر الوضع كما هو، فلا يطمع بما في أيديهم من البلاد التي كانت تابعة للنفوذ الزنكي من قِبل ورأي عز الدين مسعود الأول أن يجتمع مع أخيه، لوضع خطة مشتركة تهدف إلى استعادة ما كان صلاح الدين قد اقتطعه من دولة الموصل لاسيما حران والرها، وكان بيد العادل، فخرج إلى نصيبين واجتمع بأخيه فيها ، لكن المرض سرعان ماداهم عز الدين وأجبره على العودة نحو الموصل، تاركاً جيشه مع أخيه عماد الدين لإكمال المهمَّة التي خرجا من أجلها وهي احتلال الجزيرة، لكنّ عماد الدين قرر الصلح مع الملك العادل رُبَّما لأنه كان مسالماً في طبعه، ليَّن العريكة، يؤثر السلامة أو لأن مرض أخيه جعله يفكر في مشـاكل البيت الزنكي، ورأى أن عودته نحو سنجار غدت ضرورية، ومهما كان الأمر فقد قّرر الصلح .
أ- الاصطدام الأيوبي الزنكي في ماردين:
تراوحت العلاقات الأيوبية الزنكية في عهد أرسلان شاه الأول 589ه - 607ه/1193 – 1211م والعادل بين التعاون والعداء وقد تابع العادل زحفه باتجاه الجزيرة بعد أن استدعاه قطب الدين محمد صاحب سنجار لمساعدته ضد ابن عمه أرسلان شاه الأول صاحب الموصل الذي هاجم نصيبين وانتزعها منه، وفي نيته (العادل) إخضاع المنطقة وتأديب بلك أرسلان الأرتقي صاحب ماردين الذي أوشك أن يحطم ما للأيوبيين من سلطان عليه، فحاصر المدينة واستولى على ربضها، وكادت تسقط في يده لولا أن تغيرت الظروف السياسية فجأة لغير صالحه ذلك أنه حدث أن توفي العزيز عثمان صاحب مصر، فسارع أخوه الأفضل علي إلى مصر وضَّمها إلى أملاكه، وكان بين الأفضل علي والعادل وحشة، فعمل الأول على عرقلة مشاريع الثاني في الجزيرة وتصّرف على محورين:
الأول: استدعى العسكر المصري الذي كان يرافق العادل في مهمته في الجزيرة.
الثاني: كتب إلى صاحب الموصل، وصاحبي سنجار، وجزيرة ابن عمر، عارضاً عليهم التحالف معه لطرد العادل من الجزيرة . الواقع أن هؤلاء الأمراء كان يخشون من أن يغلبهم العادل على أمرهم، ويتمكن من بلادهم بعدما رأوا قواته تجوب المنطقة، فأجابوه إلى طلبه وتحرك الأفضل علي باتجاه دمشق، في حين تأهب آل زنكي في الجزيرة لمساعدته ، ونتيجة لهذه التطورات غادر العادل ماردين باتجاه دمشق مع بعض قواته لقطع الطريق على الأفضل علي تاركاً ابنه الكامل محمد على حصارها وتوالت الأحداث سريعة بعد ذلك، فقد انتهز نور الدين أرسلان شاه الأول صاحب الموصل انهماك العادل بمشكلة دمشق فخرج بعساكره في شهر شعبان عام 595ه/شهر حزيران عام 1199م قاصداً ماردين فنزل دُنَسيْر حيث وافته قوات صاحبي سنجار وجزيرة ابن عمر، وبعد أن نسَّقوا فيما بينهم ساروا إلى بلدة حرزم، وعسكروا فيها استعداداً لبدء القتال مع جيش الكامل محمد، وإجباره على فك الحصار عن ماردين .
وكان أهل ماردين قد أجهدهم الحصار حتى أوشكوا على التسليم لولا وصول القوات الزنكية، فقويت نفوسهم وامتنعوا عن الدخول في الصلح، واشتبك الجانبان في رحى معركة شديدة انتهت بهزيمة الكامل محمد، وأسر عدد كبير من عسكره، وانسحب بمن معه إلى ميافارقين ومنها إلى حّران حيث استدعاه والده إلى دمشق، وعاد صاحب الموصل إلى دُنَيسر، ثم رحل عنها إلى رأس عين وفي نيته مهاجمة حّران لانتزاعها من يد الفائز إبراهيم بن العادل لكنه فوجئ برسل الظاهر غازي صاحب حلب يطلب منه أن يخطب باسمه في الموصل وأعمالها وأن يضرب السكة باسمه فيها ، فنفر من هذا الطلب، وتوقف عن مواصلة الزحف وكان قد أصيب بمرض فقررّ العودة إلى الموصل في شهر ذي الحجة عام 596ه/شهر تشرين الأول عام 1200م وأرسل إلى كل من الظاهر غازي والأفضل علي يعتذر لهما عن عودته .
ب- التكتل الرباعي ضد العادل
شجع اشتداد حدة النزاعات داخل الأسرة الأيوبية، أمراء الجزيرة على خلع طاعة العادل وإخراج نوابه من ديارهم، وقد أثارت سيطرة هذا الأخير على مصر خوف الظاهر غازي صاحب حلب، فأراد أن يدعم موقفه بتكتل ثلاثي يضمه مع كل من صاحب الموصل وماردين على أن يكونا جميعاً يداً واحدة لمواجهة مطامع العادل، ومالبث أن انضم الأفضل علي إلى هذا التحالف بعد أن أزاحه العادل عن الحكم في دمشق، ولما توجه الأخوان، الظاهر غازي والأفضل علي، لحصار دمشق لانتزاعها من يد العادل، أرسلا إلى نور الدين أرسلان شاه الأول يحَّثانه على مهاجمة البلاد الجزرية التابعة للعادل وهي الرها وحّران، حتى يخفَّفا الضغط عنهما، أثناء مدة الحصار. وفعلاً سار صاحب الموصل في شهر شعبان عام 597ه/شهر أيار 1201م إلى مدينة حّران، وكان يحكمها الفائز إبراهيم بن العادل، وسانده ابن عمّه صاحب سنجار، ونصيبين، وصاحب ماردين، ونزل في رأس عين وكان الفائز عاجزاً عن الوقوف في وجه الحشود الضخمة، التي حشدها الخلفاء، فمال إلى الصالح، وكان المتحالفون قد تلقوا أنباء عن قرب عقد صلح بين الأمراء الأيوبيين المتنازعين، كما تفشَّت الأمراض في صفوفهم، فحصدت كثيراً من جندهم وكان الوقت صيفاً، فأصابهم الإرهاق، واضطروا إلى الموافقة على عقد الصلح وكانت هذه الاستجابة نابعة من قناعتهم في إبقاء العلاقات الطيبة مع أولاد صلاح الدين لمناوأة مطامع العادل من جهة، والتخلص من المعاناة التي أصيبوا بها نتيجة تفشَّي الأمراض والإرهاق من جهة أخرى ، وتقَّرر الصلح على أساس احتفاظ الفائز إبراهيم بما في يده من البلاد الجزرية. وافق العادل على هذا المبدأ وعاد نور الدين أرسلان شاه الأول إلى الموصل في شهر ذي القعدة/شهر آب.
ج- التعاون الأيوبي الزنكي في حصار ماردين:
اتسمت سياسة نور الدين أرسلان شاه الأول تجاه الأيوبيين بالتقلبات السريعة وفقاً للمصالح المتبادلة بين الجانبين. وتطبيقاً للمبدأ السياسي الذي يقول بأنه لا توجد سياسات دائمة بل مصالح دائمة وهذا مبدأ قديم عند الكثير من السياسيين كما نرى وليس اكتشاف غربي كما يرى البعض؛ وتعاون صاحب الموصل مع العادل في مهاجمة الأراتقة في ماردين في شهر محرم عام 599ه/شهر أيلول عام 1202م ذلك أن العادل لم ينس الهزيمة التي مُنيت بها قواته في ماردين في عام (595ه/1199) ولم يغفر للماردينيين جرائمهم بحق جنده، لذا قرر الانتقام، وكان قد حصَّن موقفه نتيجة اتفاق الصلح الذي عقده مع أبني أخيه الأفضل علي والظاهر غازي من جهة، واستقطاب صاحبي الموصل وسنجار من جهة أخرى والراجح أن انضمام نور الدين أرسلان شاه الأول إلى جانب العادل من شأنه أن يكسبه بعض المغانم، وقد يؤدي إلى التوسع على الأرض على حساب الأراتقة وأرسل العادل عساكره إلى ماردين بقيادة ابنه الأشرف موسى، فحاصرت المدينة، وانضمت إليهم عساكر من الموصل وسنجار، ويبدو أن الحصار استغرق وقتاً طويلاً دون أن يحصل المتحالفون على مكاسب، فتدخل الظاهر غازي في الصلح الذي تَّم على الأسس التالية:
- يدفع صاحب ماردين مائة ألف دينار إلى العادل.
- يضرب السكة باسم العادل، ويخطب له في بلاده.
- يتعهد بإرسال العساكر إلى العادل متى طلب منه ذلك
د-تجُّدد الصراع مع العادل
لم يكف العادل عن محاولاته لعزل الموصل عن بقية الإمارات الجزرية، ومنع أي تحالف ينشأ بينها وذلك بهدف السيطرة عليها، وقد أثاره ذلك الاتفاق الذي تم بين نور الدين أرسلان شاه الأول وبين ابن عمه قطب الدين محمد صاحب سنجار ونصيبين في المدة الواقعة ما بين (595 - 600ه/1199 – 1203م) فسعى إلى فصمه، وتمكَّن من استقطاب قطب الدين محمد واتفق معه بأن تكون الخطبة له في بلاده مما أدّى إلى تدهور العلاقات مع الموصل وبدأ نور الدين أرسلان شاه الأول أعماله العسكرية ضد ابن عمه بمهاجمة نصيبين وما كاد يستولي عليها، ويتأهب لدخولها، حتى جاءته الأنباء بقيام مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل بمهاجمة بلاده مستغلاً فرصة غيابه عنها، فاضطر إلى رفع الحصار عن نصيبين وعاد إلى بلاده للدفاع عنها، فلما وصل إلى مدينة بَلَدعلم أن كوكبوري عاد إلى إربل وأن ما بلغه من أخبار مبالغ فيها وواجه نور الدين أرسلان الأول في عام 600ه/1204م تكتلاً عسكريا ضمَّ الأشرف موسى بن العادل الذي عيَّنه والده نائباً عنه على شمالي الجزيرة، وأخاه الأوحد نجم الدين أيوب صاحب ميافارقين وقطب الدين محمد صاحب سنجار ومظفر الدين كوكيوري صاحب إربل، وصاحب جزيرة ابن عمر، وصاحب كيفا وآمد وادرا، وكان هدف هذا التكتل مساعدة صاحب سنجار ومُني نور الدين أرسلان شاه الأول بهزيمة قاسية أمام الحِلف، وكان لذلك أثر كبير في أضعاف قوته، فلم يَسْعَ إلى استئناف القتال، وجنح إلى السلم، وتقَّرب من العادل، ومن مظاهر هذه السياسة اشتراكه مع قوات العادل في عام 604ه/1207م في قتال الصليبيين في إمارة طرابلس وحدث في العام التالي أن توثَّقت العلاقات بين الطرفين بالتقارب الأسري فقد زوَّج العادل أحد أبنائه من إبنة صاحب الموصل . وظن نور الدين أرسلان شاه الأول أنه، في ظل هذا التقارب، يمكنه أن يستعيد قوته ونفوذه على حساب قطب الدين محمد صاحب سنجار، ومحمود سنجر شاه صاحب جزيرة ابن عمر الدين تربطه بهما علاقات عدائية وتأثر بآراء بعض مستشاريه، فأجرى مباحثات مع العادل وعرض عليه اقتسام أملاكهما، على أن يأخذ هو جزيرة ابن عمر، ويأخذ العادل سنجار وجاءت الفُرصة للعادل تسعى، فقد هاجم الكرج مملكة خِلاط واحتلُّوا أرجيش وكانت للأوحد بن العادل الذي استصرخ أباه ، فأعلن العادل التعبئة ضّد الكرج، : وكتب إلى البلاد يطلب العساكر وأظهر أنه يريد قَصْد الكُرج فوصل إليه الملك المنصور صاحب حماة والملك المجاهد صاحب حمص والملك الأمجد صاحب بعلبك، وعسكر من الملك الظاهر صاحب حلب ونزل بحّران ووصل إليه ولده الملك الأوحد – صاحب خلاط وميّا فارقين والملك الأشرف والملك الصالح محمود بن محمد بن قرا أرسلان الارتقي صاحب آمد وحصن كيفا، ووصل إليه صاحب السويداء وصاحب دارا وعندما وصل العادل رأس عين بلغه انسحاب الكرج، وذلك : أن الكرج لّما عرفوا بحركته، خافوا، وكّروا عائدين إلى بلادهم .
س- قصد الملك العادل سنجار وحصارها
عندما رجع الكرج إلى بلادهم خائفين، التفت العادل لتحقيق هدفه الرئيسي ولابد أنه قد حار في أمره، فكيف يتوجَّه نحو سنجار لأخذها وقّوات أميرها قطب الدين معه في حملته؟ وكيف يبُرَّر ذلك أمام الملوك والأمراء من آل بيته ؟ فلم يجد أفضل من إعلان الغضب على قطب الديَّن، لأنَّه تخلَّف عن الحُضور بنفسه واكتفى بإرسال قّواته، وقال إنه : تّجدد له قصد سنجار لتخلفُّ صاحبها عن وصوله بنفسه ، مع أن الظاهر غازي – أيضاً – لم يصل بنفسه فالأمر مُبيَّت، وأساس جميع الجيوش، هو قصد سنجار، وعلى الغالب، فإن تحُّرك الكرج جاء عَرضَاَ فأحسن العادل استغلاله، وأعلن العادل أنه سيتوجهَّ لمعاقبة صاحب سنجار أوّلاً، وأرسل إليه يطلب تسليم سنجار مقابل عوض، فرفض ذلك وفي عام 605ه/1208م كان العادل يتحرك صوب سنجار وفي طريقه أخذ نصيبين والخابور ثم نصب المجانيق وقاتل سنجار وأشرف على أخذها عنوة وأرسل صاحبها قطب الدين نساءه وحرمه يضرعن إليه ويسألنه إبقاء المدينة عليهن، فلما حصل النسوة عنده أمر باعتقالهن إلا بتسليم سنجار، فاضطر قطب الدين إلى إلقاء المقاليد إليه، وأجاب على تسليم البلد على أن يعوض عنها الرقة وسروج وضياع من بلد حّران وأطلق الملك العادل النسوة؛ وأمر بإدخال علمه إلى البلد، فلما حصلت النسوة بالبلد ودخل عَلَمُ الملك العادل أمر قطب الدين بكسر العلم، وعُلقَّ على الباب واستعد للحصار، وأرسل إلى الملك العادل يقول له: غدرة بغدرة والبادي أظلم، فجّد الملك العادل في مضايقة البلد ومحاصرته، واصطلى أهلُ سنجار الحرب بأنفسهم وصبروا أحسن صبر وأمر الملك العادل بقطع ما على البلد من البساتين والجواسيق، ونصب على البلد عدة مجانيق وأخذ قطب الدين في مكاتبة الملوك والاستنجاد بالخليفة الناصر لدين الله وكان نور الدين صاحب الموصل قد عزم على تسيير عسكر نجدة للملك العادل مع ولده الملك الظاهر عز الدين مسعود ، لتنفيذ الاتَّفاق المسبق بينهما وإذ برسول مظفَّر الدين كوكبوري صاحب إربل، الذي كانت له وجهة نظر أخرى، فقد شعر بأن العادل قَّوة كُبرى في مجاورتها خطر شديد عليه، وعلى الموصل، فأنفذ رسوله إلى صاحب الموصل، وشرح وجهة نظره، وعرض عليه التحالف لإنقاذ سنجار، التي ستكون حاجزاً أمام أطماع العادل بممالكهم هُنا، وخاف نور الدين مغبة ما بعد سيطرة العادل على سنجار فوافق على طلب مظفر الدين كوكبوري وراسلا الظاهر في حلب فوافق وانضم إليهم ونقض ما كان بينه وبين العادل وكانت للملك الظاهر في عمل ماردين ضيعة يقال لها القرادي أعطاه أياها صاحب ماردين لما أصلح بينه وبين الملك العادل فصارت في يد الملك الظاهر يستغلها، فلما كانت هذه السنة والملك العادل على سنجار أقطعها الملك العادل للملك الصالح محمود الأرتقي – صاحب آمد، فجعل الملك الظاهر ذلك حجة في نقض ما بينه وبين الملك العادل وأحضر فقهاء حلب عنده، وقال: ما تقولون في رجل حلف لرجل يميناً على أشياء فخان أحد الرجلين في بعض تلك الأشياء، أينحل عقد تلك اليمين ويبطل حكمها، فأظهر لهم صورة الحال، فأفتوه بأن اليمين قد بطلت، ولا يلزمه إذا نقض ما بينه وبينه حنث وأجابهما سلطان سلاجقة الروم وأخوه إلى ذلك وكان الملك الظاهر لديه شك دائم بنوايا عمَّه خاصة بعدما فعله بأخويه الأفضل والعزيز وراسل الحلفاء الخليفة ليشفع لدى العادل بصاحب سنجار وما ذلك إلا لزيادة الضغط على العادل، وعزله سياسياً وأرسل مظفر الدين إلى العادل يشفع في صاحب سنجار "فلم يقبل، وقال : لا يجوز لي في الشرع تمكين هؤلاء من أخذ أموال بيت المال في الفساد وترك خدمة الأجناد وفي مصلحة الجهاد فكانت حُجته هي المصلحة العامة التي لا يراعيها صاحب سنجار وفساده وإتلافه للأموال العامة، كما اتًّهمه بالتقصير بحقَّ الجيش، وبواجب الجهاد، إنَّها تهمة كبيرة وحُجَّة مسوغة في ذلك الزمان، وكان ردُّ مظفر الدين أن أفسد جماعة من عسكر العادل ، بأن استمالهم بالأموال والوعود بإقطاعات ففسدت نيّاتهم عن مناصحة العادل بالقتال معه، وهذه طريقة للتعامل كانت شائعة جداً، فمعظم الجند جاهز للاتَّفاق مع من يدفع أكثر واستمر حصار العادل لسنجار حتى عام 606ه - 1209م، فطلب صاحبها قطب الدَّين مساعدة ابن عمَّه نور الدَّين بعساكرها نحوه كذلك خرج الظاهر في حلب بقّواته وأرسل للعادل يشفع بصاحب سنجار وقال لرسوليه : إن لم يقبل الشفاعة، فأعلما، أني خارج إلى بلاده وأن يأمرا عسكر حلب أن يفارقوه إلى الموصل، أو إلى حلب ، وأرسل يُغري المجاهد صاحب حمص والمنصور صاحب حماة بالعادل، فكانت الضربة القاسمة لوحدة البيت الأيوبي واجتماعه في القتال على سنجار، فتخاذل قَّواد العادل على القتال، وتآمر ملوك الأيوبية الذين معه، لاسيما المجاهد الذي كان يُدْخِل من جانبه الأقَوات إلى سنجار ، وغالباً فقد كانت للمُجاهد دوافعه الخاصّة ضَّد العادل، ولم يتصَّرف بذلك من أجل الأتابكة، أو بتحريض الظاهر له ، وفي هذه الأثناء، أرسل الخليفة الناصر رسوله، أبو نصر هبة الله بن المبارك بن الضّحاك وهو أستاذ داره، والأمير آقباش وهو من خواصَّ مماليك الخليفة، للشفاعة بصاحب سنجار، وترك حصارها فلاحت فرصة الخلاص من هذا المأزق للعادل، فأظهر قبول وساطة الخليفة ووافق شريطة احتفاظه بنصيبين والخابور .
ك- وقفة مع تحركات الحلفاء ضد العادل في حصار سنجار:
إن قبول العادل لوساطة الخليفة ما هو إلا مخرج حفظ به ماء وجهه، فقد أيقن بفشل الحصار وتأكد من تخاذل بني أيوب من حوله، وأن الأمور تكاد أن تنقلب عليه، فكانت وساطة الخليفة إنقاذاً له بالدرجة الأولى، ونستنتج من كل ذلك أن البيت الأتابكي (الزنكي) بعلاقاته السياسية والعسكرية لم يكن مُكافئاً للبيت الأيوبي، لا من حيث القوة والتأثير، ولا من حيث وحدة البيت الأتابكي، فلم يكن لهم وزن إقليمي مؤثَّر قادر على إحداث تغيُّرات جذرية في شمال العراق والجزيرة، حتى في حال استغلالهم خلافات البيت الأيوبي، ونجد – على الدوام – أن مُعظم أمراء الأتابكة يخضعون لسلطان الأيوبية ويدعمونهم بالنجدات ويخطبون لهم وينقشون اسمهم على السّكة في بلادهم في معظم هذه المرحلة من الزمن إلا أن عهد التفوق الأيوبي الكامل، والإنفراد بالزعامة قد تم بوفاة نور الدين أرسلان شاه صاحب الموصل عام 607ه - 1210م واقتسام طفليه الصغيرين مملكته ، وبدء وصاية بدر الدَّين لؤلؤ مملوك أرسلان شاه ، على الموصل وبأبسط الطُّرُق زالت عقبة كأداء من أمام الملك العادل، وتحقَّق له الأطمئنان والراحة على حدوده الشَّرقيَّة .
ل – وفاة نور الدين صاحب الموصل: في سنة 607ه
توفي نور الدين أرسلان بن مسعود بن مودود بن زنكي صاحب الموصل في آخر رجب وكان مرضه قد طال ومزاجه قد فسد، وكانت مدة ملكه بالموصل سبع عشر سنة وأحد عشر شهراً. كان رحمه الله – أسمر خفيف اللحية والعارضين جداً، مليح الوجه، قد أسرع إليه الشيب وكان شهماً شجاعاً عادلاً، ذا سياسة للرعية، شديداً على أصحابه يمنع بعضهم أن يتعدى على بعض، وكانوا يخافونه خوفاً شديداً، فلا يجسرون بسبب الخوف منه على الظلم والتعدي وكانت همته عالية، أعاد ناموس البيت الأتابكي ووجاهته وحرمته بعد أن كان قد ذهب، وخافته الملوك وكان سريع الحركة في طلب الملك، إلا أنه لم يكن له صبر، فلهذا لم يتسع ملكه ومن محاسن ما يُنقل عنه أنه لما توجه من الموصل في نجدة صاحب ماردين حين، كان الملك الكامل قد ملك رَبضَها وكا يستولي على قلعتها وضرب المصاف مع الملك الكامل وكسره، وكسرة قبيحة، وسافر الملك الكامل إلى حرّان، ولم يبق من عسكره بالمكان أحد، قال أصحاب نور الدين له؛ أصعد بعسكرك إلى رَبَض ماردين فما دونه مانع، وأملكه، وأملك القلعة ويكون هذا موضع المثل السائر: رب ساعٍ لقاعد : فقال حاشى لله أن يتحدث الناس أن ناساً اعتقدوا بي واستنفروا بي أغدر بهم : ثم قال لمجد الدين ابن الأثير – وكان من أكبر أصحابه : ما تقول يا مجد الدين ؟ فقال : الغادرون كثير وقد أوعت غدراتهم الكتب، وهي باقية إلى الآن، ولم يؤرخ عن أحد أنه قدر على مثل ماردين وتركها وفاء وإنعاماً وإحساناً. وقال لمجد الدين : أرسل إلى صاحب ماردين ليرسل نوابه إلى ولاياته وكان قد أقطعها للعساكر التي معه وأمر بكفَّ أيديهم عنها، وتسليمها إلى صاحبها، فقال مجد الدين : إن أصحابنا لم يأخذوا درهما واحداً لتأخر إدراك الغلات، فلو بقي الإقطاع في أيديهم إلى أن يأخذوا ما ينفقون عليهم في بيكارهم . فقال – رحمه الله - : لا نكدر إنعامنا وإحساننا إليهم، ونحن نكفي أصحابنا. قال مجد الدين : ما قلت له عن شيء قط من عدل وبذل مال وغير ذلك من الصلاح، فقال لا ؛ وكنت معه في بعض أسفاره وله سرادار، قد سَرقَ ولده من داره قماشاً، وكانت مفاتيح الدارِ مع السرادار، فأرسل إلىَّ ليلاً فأمرني أن أكتب كتاباً إلى الموصل بقطع يده، فأعدت الجواب: أنني ما أكتب هذا الكتاب الليلة، وإذا اجتمعت به غداً عرفته في هذا فأعاد مرة ثانية وثالثة وأنا امتنع، فاستدعاني وقال لي : لم تكتب الكتاب؟ فقلت له : عادتي معكم أنني لا أكتب إلا ما تجيزه الشريعة فقال لي : هذا سارق، توجب الشريعة المطهرة قطع يده. فقلت : لا قطع عليه لأنه سرق من غير حرز ولأن المفاتيح بيده .

6- العلاقات الأيوبية – السلجوقية في عهد العادل:
عندما كان السُّلطان صلاح الدين يُوحَّد مصر والشَّام ويُركزَّ اهتمامه على محاربة الفرنج وتحرير الأرض، كان سلطان سلاجقة الروم في الأناضول، قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان ، يوزع مملكته على بنيه\ العشرة: فقوى كل منهم في ثغره، واستقل بأمره، ودبَّ في طبعه حُبَّ الاستيلاء والاستبداد، ومّد عينيه إلى ما في يد صاحبه من البلاد وكان أكبر هؤلاء الأنباء قطب الدين ملكشاه وهو صاحب سواس: فهاجم قونية عاصمة أبيه وقتل أُمره، وأبقاه معه كالمعتقل، واستكتبه أنّه وليّ عهده، والقائم بالسلطنة معه ومن بعده وذهب لحصار أخيه سلطان شاه في قيسارية، فتمكّن الأب من الفرار إلى غياث الدين كيخسرو صاحب يرغلو، فجمع له، وحشد، وسار معه إلى قونية، فدخلها، ثم ماثت، فتولىَّ غياث الدَّين فيها ويبدو أن أبناء البيت السلجوقي – أثناء صراعهم – قد طلبوا تدخل السلطان صلاح الدين فأرسل قاضي العسكر ابن الفَّراش يتوسط بين السلطان قلج أرسلان وأولاده، فتردد، يُسفر بينهم سنة وبعد وفاة صلاح الدين، كان يلوح في أفق الشام أن ابنه الظاهر غازي صاحب حلب سيشكل أكبر قوّة أيوبية شمالية، وفي عهده تطابقت السياستان الحلبية، والسلجوقية، وغلب على علاقتهما التحالف والتعاون، وعندما هدَّد ليون ملك الأرمن أمن مملكة السلاجقة بقوته العسكرية وحصونه المنيعة، والأهّم من ذلك تمكنُّه من فتح ميناء بحري على المتوسط لاستقطاب التجارة العالمية ، وقدم الظّاهر غازي نجدة عسكرية قويّة فيها عدد من كبار أمراء حلب دعمت الجيش السلجوقي في هجومه على مملكة الأرمن وإزاء هذا التحالف سارع ليون ملك الأرمن الذي لم يكن غريباً عن معرفة توزع القوى السياسية في المنطقة وتناقصاتها، فاتَّصل بالملك العادل صاحب القُوَّة الأيوبية الأكبر، فوجد العادل بهذا الطلب إقرار بقوتَّه وبفاعلِتَّها على مختلف الساحات فأجابه، وراسل كيخسرو، الذي لبّى طلب العادل وعقد صلح مع ليون بشروط يستفيد منها كل الأطراف وفي عام 608ه/1211م قُتل غياث الدين كخسرو في معركة الآشهر ضد تيودور لاسكاريس أمبراطور نيقية ، فتنازع ولداه عز الدين كيكاوس وعلاء الدين كيقباذ، فيمن يخلفه، فاستنجد الأول بالعادل، لمساعدته ضد أخيه وضد عمه طغرل شاه الذي دخل في غمرة الصراع على العرش وقد هاجم هذا الأخير أملاك عز الدين كيكاوس في سيواس، ورحَّب العادل بطلب المساعدة، ولما اقترب من حدود سيواس، خشي طغرل شاه، واضطر إلى فك الحصار عن المدينة ، بعد أن استقر عز الدين كيكاوس في الحكم حاول التوسع في منطقة كيلكية، فاصطدم بليون الثاني صاحب أرمينية الصغرى وحتى يقّوي موقفه جدَّد الحلف السابق، وإذ لا زالت أسباب التحالف مع الأيوبيين قائمة عرض الظاهر غازي، القيام بعمل مشترك ضد ليون الثاني، وانتزاع أنطاكية منه وكان هذا قد نجح في الاستيلاء على أنطاكية في عام 613ه/1216م ونصَّب ريموند روبين، حفيد بوهيموند الثالث، أميراً عليها واتصل ببوهيموند الرابع صاحب طرابلس لتقديم يد العون على أن يأخذ أنطاكية ، واتفق الحلفاء على أن يدخل عز الدين كيكاوس إلى بلاد الأرمن من ناحية مرعش، ويدخل الظاهر غازي من جهة درساك، أما بوهيموند الرابع فيهاجم أنطاكية ومعه قوات من دمشق وحماة، وحمص لإغلاق الممرات الجبلية على قواته ، أخذ الظاهر غازي يستعد للحملة وأرسل في الوقت نفسه رسالة جوابية إلى عز الدين كيكاوس حملها عبدالرحمن المنجي، فأدى الرسالة وحرّف فيها وزاد فيها شروطاً تضر الملك الظاهر وتوافق عز الدين لعدم كفايته، فسير الملك الظاهر، إلى الملك العادل يستثيره في ذلك، فهجَّن عليه الملك العادل رأيه، وأشار إليه بأن لا يجتمع إليه أصلاً، وعرّفه ما في ذلك من المفاسد، فوقع الملك الظاهر في حيرة عظيمة، بين أن يغدر بما وعد به عز الدين وبين أن يخالف عمَّه الملك العادل وترددت الرسل من عز الدين تستحثه على سرعة الحركة ووصل ابن لاون إلى الملك الظاهر برسالة مضمونها : إلى مملوك السلطان وغرس دولته وقد دخلتُ عليه دخول العرب، وأطلب منه إنقاذي من هذه الورطة، وأكون مملوكه ما عشتُ وقد حفظت بلاد السلطان غير مرة وخدمته، ومنها أن السلطان لما حاصر دمشق المرة الأولى وبقيت البلاد شاغرة من العساكر، ما شغلتُ قلبه ولا أذيت بلده، بل ساعدته وعاونته بمالي ورجالي ، وكذلك لما حاصر دمشق المرة الثانية، وقد بُذلت لي الأموال كلها لأشغل قلبه ويفتر عن الحصار فلم أفعل وإن كان الإبرنس قد خدم السلطان، فخدمتي أكثر من خدمته وسوف يبصر السلطان خدمتي وملازمتي بابه الشريف وقد أوصيت ابن أختي الذي نصبته بأنطاكية بملازمة خدمته . وبعث ابن لاون مع هذه الرسالة هدية عظيمة فاخرة، فمال الملك الظاهر، إلى قوله، وبقي متردداً وأبطا الظاهر غازي في الخروج من حلب، وأرسل إليه كيكاوس قاضي آخراً يحثه على الإسراع بالخروج وفي الوقت الذي كان فيه القاضي مجتمعاً به، وصلت إليه أخبار بأن القوات السلجوقية المعسكرة في مرعش، أغارت على البلاط وهي من أعمال حلب وقتلت جماعة من الأرمن وأسرت جماعة أخرى، فأدرك عندئذ نصيحة عمه العادل، فانسحب من الحلف وامتنع عن مساعدة السلاجقة وقال للرسول : أول الدية دُرْديّ ؟ لعجب أنكم تطلبون منا المعاونة وتخربون بلادنا . واهتم الملك الظاهر بتقوية علاقاته مع عمَّه وفي سنة 613ه سيّر الملك الظاهر القاضي بهاء الدين بن شداد – إلى السلطان الملك العادل، وكان قبل ذلك قد أرسل القاضي نجم الدين بن الحجاج – نائب القاضي بهاء الدين في الحكم بحلب - ، فوجد من الملك العادل قبولاً عظيماً، طيَّب قلبَ الملك الظاهر، وبسط أمله، فأنفذ الملك الظاهر القاضي بهاء الدين شاكراً لإنعامه وطلب منه أموراً ثلاثة: أحدها : أن يكون الملك العزيز محمد ولده ولىَّ عهد أبيه وقائماً بمُلك حلب وبلادها بعده. وثانيها: أن يزَّوج الملك العزيز ابنة الملك الكامل وثالثها: أن يكون صُلح الملك الظاهر وصُلح الملك العادل مع الفرنج واحداً، وفكسهما معهم واحداً .
قال القاضي بهاء الدين – رحمه الله - : فتوجهت إلى الديار المصرية، فأنهيت إلى السلطان الملك العادل هذه الفصول، فأجاب إلى تولية الملك العزيز عهد أبيه، وإلى الموافقة في الصلح والفكس مع الفرنج، وأما فصل الترويج فقال: هذا لا يتعلق بي، فاجتمع بالملك الكامل وتحدث معه فيه قال: فاجتمعت بالسلطان الملك الكامل، وخاطتبه فيه، فأجابني إليه وأخذت يده على ذلك .
أ- محاولة عز الدين كيكاوس التوسع باتجاه حلب
بعد أن أخضع مملكة أرمينية الصغرى، التفت عز الدين كيكاوس للتوسع باتجاه حلب وضَّم إمارتها إلى أملاكها وجاءته الفرصة التي طالما انتظرها بوفاة الظاهر غازي في عام 613ه/1216م واعتلاء ابنه العزيز غياث الدين، البالغ من العمر سنتين وبضعة أشهر عرش الإمارة بوصاية والدته ضيفة خاتون ابنة العادل وأتابكة شهاب الدين طغرل وتحركت رغبة التوسع في نفس عز الدين كيكاوس، وقرر الاستيلاء على حلب قبل ترسيخ الحكام الجدد أقدامهم في الحكم مدّعياً بأن المدينة كانت يوماً تحت حكم أعمامه ، وحتى يحكم الطوق على المدينة، استغل عز الدين كيكاوس النزاع الذي نشب آنذاك بين أمراء شمالي الشام لاقتسام تركة عز الدين مسعود صاحب الموصل الذي توفي في عام 615ه/1218م وكان قد أوصى بالملك من بعده لابنه الأكبر نور الدين أرسلان شاه الذي لم يكن يتجاوز آنذاك العاشرة من عمره، على أن يقوم بالوصاية عليه بدر الدين لؤلؤ غير أن عمه عماد الدين طمع بالملك وبخاصة بعد وفاة نور الدين أرسلان شاه المبكرة واعتلاء أخيه ناصر الدين محمود سدة الحكم في الموصل، فهاجم بعض قلاعه بمساعدة مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل، فاستنجد بدر الدين لؤلؤ بالأشرف موسى بن العادل، بينما طلب مظفر الدين كوكبوري مساعدة كل من عز الدين كيكاوس وناصر الدين محمود بن محمد بن قرا أرسلان الأرتقي، صاحب آمد وحصن كيفا، وصاحب ماردين، واتفق الجميع على الانضواء تحت راية عز الدين كيكاوس، وخطبوا باسمه في بلادهم تعبيراً عن هذه التبعية وسنحت لصاحب قونية فرصة البدء بالتحرك، فالأشرف موسى كان منهمكاً في محاربة الصليبيين في إمارة طرابلس حيث أغار على حصن صافيتا وحصن الأكراد، وأشار عليه بعض أتباعه بأن يصحب معه أحد ملوك الأيوبيين حتى يسهل انقياد الناس والعسكر فلا يشعروا بالتغيير فاستدعى الأفضل علي صاحب سميساط، وكان في طاعته ويخطب باسمه، فلما قدم عليه أكرمه وأهداه الكثير من الخيل والسلاح وتحالفا على التعاون والمسير إلى حلب، واتفقا على أن ما يستولي عليه عز الدين كيكاوس من حلب وأعمالها يكون للأفضل علي وهو في طاعته والخطبة له والسكة باسمه وما يستولى عليه من إقليم الجزيرة، مما في يد الأشرف موسى مثل حران والرها وغيرها، يكون لعز الدين كيكاوس، واستدعى عز الدين كيكاوس أمراء الأطراف وأقام لهم احتفالاً عاماً سمّى خلاله لكل أمير بلدة بالشام تكون إقطاعاً له وذلك تشجيعاً لهم ، ثم عقد مجلساً حربياً لاختيار أنجع السبل للتحرك نحو حلب، فتقرَّر سلوك طريق راوندان – رعبان – حلب – نظراً لسهولة طبيعة الأرض ، والواقع أن صاحب قونية، عزم على ضّم كافة الأراضي التي سيستولى عليها إلى مملكته وإنما جعل الأفضل علي ذريعة لتحصيل غرضه على الرغم من أنه كان قد راسل جماعة من أمراء حلب يستميلهم واعداً إياهم بمنحهم إقطاعات وتحّرك الجيش السلجوقي باتجاه قلعة رعبان واستولى عليها، ومنحها عز الدين كيكاوس إلى صهره نصرة الدين صاحب مرعش، بينما ذكر ابن الأثير أنه سلَّمها إلى الأفضل على حسب الاتفاق المبُرم بينهما وتابع الجيش زحفه فوصل إلى تل باشر وحاصرها حتى استسلمت وضمَّها إلى أملاكه ولم يسلمها إلى الأفضل علي، فقلق عندئذ هذا الأخير وفترت همته وقال: هذا أول الغدر، وخشي إن ملك عز الدين كيكاوس مدينة حلب أن يحرمه منها فيكون بذلك قد سعى إلى نقل الحكم من الأيوبيين إلى السلاجقة، لذلك أخذ يسعى لإبعاده عن بلوغ هدفه ، فاقترح عليه أن يهاجم بعض المدن والقلاع مثل منبج وغيرها، قبل مهاجمة حلب حتى يؤمن خطوطه الخلفية وهو بذلك يريد أن يشتَّت جهوده ويُضعف قواه ، وحتى يقطع الطريق عليه سا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:02 am

[size="5"][align=center][align=center]
[size="6"]الحملة الصليبية الرابعة وسقوط القسطنطينية[/size]
دخلت الأسرة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين في نزاع وخلاف وصراع على السلطنة الأيوبية مما أضعف تنفيذ مشروع الدولة النورية ودولة صلاح الدين في تحرير بلاد الشام من الوجود الصليبي، وحاول الصليبيون الاستفادة من الصراع في البيت الأيوبي، وبالمقابل لم تخل هذه الفترة من ردود أيوبية على اعتداءات الصليبيين الموجودين في بلاد الشام أو المجموعات الصليبية التي كانت تزج بهم البابوية إلى ساحات الشرق الإسلامي بهدف إعادة السيطرة الصليبية على بيت المقدس وإذا كانت هذه الفترة قد شهدت نشاطاً صليبياً قادماً من الغرب الأوروبي إلا أنها لم تخل من محاولات صليبي الشرق من الاعتداء على مناطق مختلفة في بلاد الشام وكانت القوى الصليبية رغم الظروف التي مرت بها، كانت تطبق جزءاً من استراتجيتها العامة والتي من خطوطها العريضة
1- محاولة الصليبيين الدائبة للسيطرة على المواقع الإستراتيجية لإتخاذها نقاط ارتكاز لتهديد المناطق الإسلامية وقد وضح ذلك في غاراتهم المتكررة على منطقة حماه بهدف السيطرة على قلعة بارين (بعرين).
2- منع وإعاقة أي أعمال تحصينية في الجانب الإسلامي وقد وضح ذلك من موقفهم المعادي من عمليات التحصين التي قام بها الملك المعظم عيسى صاحب دمشق حين عمل على بناء وتحصين قلعة على جبل الطور، رأى فيه الصليبيين تهديداً جديداً لمواقع سيطرتهم وعملوا على مقاومة ذلك بشتى الوسائل والسبل .
3- محاول استغلال الهدن والإتفاقيات التي تعقد مع طرف آخر، كما وضح ذلك بعد توقيعهم هدنة مع الملك العادل سنة 601ه/1203م فاستغلوا ذلك لمهاجمة حماه.
4- حرص الصليبيون على إبقاء الروح الصليبية فاعلة على الساحة الأوروبية، وقد تمثل ذلك بنجاحهم في العمل على جعل الغرب الأوروبي يرسل حملات صليبية جديدة.
5- عملت القوى الصليبية في هذه الفترة على تركيز جهودها على الجبهة المصرية، استمراراً للاسترتيجية الصليبية التي بدأت تتبلور بعد هزائمهم منذ أيام صلاح الدين، هذه الاستراتيجية التي ترى ضرورة السيطرة على مصر بما يشكل للصليبيين ضماناً لاستمرار وجودهم في بلاد الشام .
وقد كانت الغارات بين القوى الصليبية والدولة الأيوبية في هذه الفترة مستمرة، باستثناء الفترات التي توقع فيها معاهدات صلح أو هدن بين الطرف الصليبي وأحد حكام الأيوبيين، كما حصل تقدم من جانب الصليبيين سيطرتهم على بعض المواقع إما رداً على تقدم إسلامي أو استغلال لحالة ضعف إسلامية، وكذلك الحال فيما يتعلق بالجبهة الإسلامية التي استولت على بعض المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة الصليبية كما أنها أجبرت أحياناً على التنازل على مناطق أخرى .
أولاً: جهاد الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر
ففي سنة 599/1203م حاولت القوى الصليبية المتواجدة في حصن الأكراد والمرقب الاعتداء على ممتلكات حماه، وبالأخص لمحاولة منهم للسيطرة على قلعة بارين (بعرين) ولكن الملك المنصور بن تقي الدين عمر حاكم حماة الملك المنصور تمكن بمساعدة القوى الأيوبية في حمص وبعلبك وحلب من الانتصار عليهم وكانت المعركة التي خاضها الملك المنصور بعد أن تجمع الصليبيون من حصن الأكراد وطرابلس والحصون التي حولهّا وجاءوا في فارسهم وراجلهم وركب المنصور في العساكر التي معه، وتقدم إليهم، وقاتلهم، فهزمهم، وأخذ جماعة من مقدميهم وخيّالتهم، وبعث بهم إلى حماة، فدخلوها راكبين خيولهم لابسين عُدَدَهم وبأيدهم رماحهم وكان يوماً مشهوداً .
ولما كسر الملك المنصور – صاحب حماة – الفرنج كتب إلى عمَّه السلطان الملك العادل يعَّرفه ذلك فورد عليه كتاب الملك العادل ثامن عشر شهر رمضان ومنه: وردت مكاتبة المجلس، ووقف الخادم عليها، وفهم ما أشار إليها من يُمن حركته، وسعادة وجهته، وبركة نصرته، ودخوله إلى بلاد الكفار، وما أثَّره فيها وفيهم من جميل الآثار فاستبشر بما دلتَّ عليه من هذه النعم الراهنة والعوارف الظاهرة والباطنة، والله تعالى يجازيه أحسن الجزاء، ويضاعف له من الحسنات أوفر الأجزاء، ويرحم سلفه الكريم، ويحسن له في الحديث والقديم، ويؤيده في كل حركة بأحزاب الملائكة ، ووصل في هذه المدة رسول من الداويَّة إلى الملك المنصور يخبر فيه بوصول الفرنج إلى عكا من داخل البحر في نحو ستين ألف فارس وراجل، وأنهم يقصدون جهة جبلة واللاذقية وحاول ذلك الرجل تضخيم أمر الصليبيين وأنهم تجمعوا في حلف عظيم مع بعض الصليبيين في الشرق، واصطلحوا فيما بينهم وأنهم خارجون إلى الشام في عيد الصليب، وإنما قصدت الداويّة بهذه الأخبار الإرهاب ليُصالح الملك المنصور بيت الاسبتار، فإن الداوية سألهم الاستبار التوسط بينه وبينهم فأجاب الملك المنصور: بأنا لا نجزع بما تقول ولا نكترث، ولو أنهم أضعاف ذلك لناجزتهم، فقد تحققنا قصدهم لنا، وعلمنا ذلك ولا سبيل إلى مصالحة الاسبتار بوجه فضرع الرسول حينئذ، وسأله تقليد الداوية المائة في صلحهم واعتذر من قوله الأول، فأجابه إلى ملتمسه، فَسُرَّ الرسول بذلك وقام وكشف رأسه وقبَّل يده وورد كتاب الملك العادل يخبره فيه بالفرنج الخارجين من البرح وتوجههم إلى جهة اللاذقية وغيرها من البلاد .
ثانياً: جذور الصراع بين الأمبراطورية البيزنطية وبابا الفاتيكان
تحدثت كتب كثيرة على الحملة الصليبية الرابعة وفي حقيقة الأمر، أن ما يعرف بالحملة الصليبية الرابعة ليس من اليسير أن نجعل بداياتها مرتبطة بأوائل القرن الثالث عشر الميلادي/السابع الهجري، بل من المتصور أن تلك الحملة لها بدايات مبكرة امتدت على مدى قرون عديدة من تاريخ القارة الأوروبية في المرحلة القروسطية، ومن الأفضل تتبع الجذور التاريخية التي أدت إلى حدوث ما حل بالقسطنطينية من مصيبة .
1- الأمبراطور قسطنطين الكبير
غادر الأمبراطور قسطنطين الكبير (305 – 337م) روما القديمة، على ضفاف التيبر، واتجه إلى إقامة عاصمة جديدة هي القسطنطينية أوروما الجديدة على ضفاف البسفور التي افتتحها بالفعل في 11 مايو 330م، وقد عاشت الأخيرة في قلب حضارات العالم القديم المصرية والفارسية واليونانية ونهلت من ذلك الميراث الحضاري الخصب، وبمرور القرون ازدهرت تلك المدينة ازدهاراً بالغاً ومع انهيار روما القديمة عاصمة الإمبراطورية الرومانية على أيدي العناصر الجرمانية بقيادة ادواكر، وإسقاط حكم رومولوس، أوجستيلوس عام 476م، ثم بقاء القسطنطينية بعيدة عن التأثير الجرماني الكاسح المدمر، بدأنا ندرك أن هناك فوارق حضارية أخذت في الاتساع بين الطرفين الشرق البيزنطي والغرب الأوروبي ولا يستطيع الباحث المنصف حتى القرن الثاني عشر الميلادي/السادس الهجري إلا ويدرك أن هناك ما يمكن وصفه بالفجوة الحضارية بين الجانبين، مع ملاحظة أنه منذ القرن المذكور بدأت تلك الهوة تضيق نسبياً بينهما من خلال ظهور ما يعرف بنهضة القرن الثاني عشر؛ وهي أخطر النهضات الأوروبية في مرحلة القرون الوسطى بصفة عامة، ومع ذلك ظل البيزنطيون ينظرون إلى الغرب الأوروبي نظرة ازدراء واحتقار، لقد شعروا بأنهم خلفاء الرومان، وحتى الإمبراطور البيزنطي نفسه كان يصف نفسه بالإمبراطور الروماني، ولم تكن بيزنطة تعترف بوجود إمبراطور آخر في الغرب الأوروبي ومعنى ذلك أن كلا من الجانبين افتقد القدرة على الاعتراف بالآخر وهذه زاوية محورية من أجل فهم أبعاد الصدام الذي حدث في عام 1204م/602ه .

2- الصراع العقائدي بين الشرق البيزنطي والغرب اللاتيني:
لم تكن الهّوة الحضارية هي كل ما في الأمر، بل إن الصراع العقائدي، لعب دوراً بارزاً هو الآخر، من أجل تعميق التباعد بين الجانبين ولعل من الأحداث البارزة التي تجعلنا ندرك حجم الموقف التدهور بينهما، قطيعة فوشميوس عام 869م/268ه ثم الانشقاق الأعظم 1054م/446ه وقد أدت إلى نتائج بعيدة المدى في العلاقات بين الشرق البيزنطي والغرب اللاتيني، وقد وقعت القطيعتان المذكورتان بعد مقدمات لهما منها؛ نجد أنه في أواخر القرن السادس الميلادي تزايد الخلاف بين الجانبين عندما اتخذ بطريرك القسطنطينية لقب المسكوني، وبذلك أعطى لنفسه صفة العالمية، وهي صفة ارتبطت كنيسة روما بها على اعتبار أن مؤسسها هو القديس بطرس وأنها بالتالي سيدة الكنائس، وقد أظهر اعتراضه على ذلك بابا جريجوري الكبير الذي عمل من قبل عدة سنوات في القسطنطينية بوصفه وكيلاً للبابا قبل توليه منصبه البابوي، ولا ريب في أن ذلك يعكس لنا أن التنافس والصراع بين الكنيستين حول الزعامة العالمية له جذوره التاريخية الفاعلة ، زد على ذلك، أن القرن الثامن الميلادي/الثاني الهجري، شهد مرحلة مهمة من الخلاف بين الطرفين، وذلك من خلال السياسة التي أتبعها بعض أباطرة الأسرة الأيسورية (717 – 741م/99 - 124ه) ومن بعده ابنه قسطنطين الخامس (741 – 775م -124 - 159ه) وقد غضبت البابوية في الغرب وتمثل ذلك في البابا جريجوري الثاني 0715 – 731م/113ه) ، الذي رأى في تلك السياسة البيزنطية نوعاً من التأثر باليهود والمسلمين وقد اجتمع مجلس من الأساقفة في الغرب الأوروبي دعا إليه البابا المذكور، وصب ذلك المجلس اللعنة على الأباطرة الأيسوريين الذين حطموا الأيقونات، وبصفة عامة عد الصراع حول الإيقونات مرحلة مؤثرة في زيادة الهوة بين الطرفين البيزنطي واللاتيني .

3- البابوية توجه لطمة قوية للإمبراطورية البيزنطية:
وجهت البـابوية لطمة قوية للإمبراطورية البيزنطية من خـلال اتجـه البابا ليو الثالث (795-816-201ه ) إلى تتويج شارلمان (768 – 813م/105-198م) امبراطوراً في عام 800م/184ه في كنيسة القديس بطرس في روما وكان ذلك يعني ظهور امبراطور في الغرب الأوروبي ينافس الإمبراطور البيزنطي، وأرادت البابوية، ممارسة لعبة توازن القوى بين الإمبراطورين، غير أن الإمبراطورية البيزنطية لم تكن لتعترف بذلك الإمبراطور الجديد، ولم يكن لإمبراطور القسطنطينية أن يقبل بكونه نصف إمبراطور ومن المؤكد أن البابوية بتتويجها شارلمان امبراطورا؛ قطعت آخر الخيوط التي تربطها بالإمبراطورية البيزنطية، ويعلق أحد المؤرخين على الموقف قائلاً : لا شك في أن تتويج شارلمان كان طعنة نجلاء، صوبتها البابوية إلى الأباطرة الرومانية من جهة وينظرون إلى كل الفرنجة على أنهم برابرة، لا أكثر من جهة ثانية، ولذا رفضت الحكومة الإمبراطورية في القسطنطينية الاعتراف بالإمبراطور الجديد (شارلمان)، وبدأ في نظرها مدعياً ومغتصباً بل "وتافهاً وسخيفاً" على حد قول باراكلاف، وفي نفس الوقت أصبح البابا في نظر البيزنطيين مجرد مواطن متمرد، وجاحد لأنه قام بتتويج شارلمان الفرنجي .

4- قطيعة فوشيوس في عصر الأسرة المقدونية:
أحداثها في عصر الأسرة المقدونية (867 -1057م) (253-490ه) وخاصـة في عهـد الإمبراطور بازل الأول (867 – 886م/253-273ه) ويلاحـظ أن الأسـقف البيزنطي فوشيوس (858-867م/244-253م). (877-886م/264-273ه)كان قد كتب مقالاً، هاجم فيه ما أسماه بانحراف قانون الإيمان عند اللاتين بسبب إضافة كلمة أو الروح القدس المنبثق من الابن أيضاً " وقد أوضح أن تلك الإضافة تعد انحرافاًً عما اتفق عليه آباء الكنيسة الأوائل في المجامع المسكونية التي عقدت من أجل الاتفاق على صيغة محددة حول طبيعة السيد المسيح، وقد اعتقد فوشيوس أن تلك الإضافة تعد بدعة تؤدي إلى الخلط بين طبيعتي كل من الآب والابن .

5- مقتل الإمبراطورر ميخائيل الثالث:
وقع انقلاب في القسطنطينية عام 867م/253ه انتهى بالفتك بالإمبراطور ميخائيل الثالث واعتلاء بازل الأول العرش وقد تم تعيين اغناطيوس اسقفاً وعزل فوشيوس، ومن بعد ذلك تم عقد مجمع في العاصمة البيزنطية عام 869م/256ه وفيه تم إدانة فوشيوس ولعنه ، ويلاحظ أن الباباا يوحنا الثامن (872 – 882م) (259 - 269ه) اتجه إلى فوشيوس ولعنه ، وشاركه في ذلك جمع من البابوات، بل أنه في نهاية القرنين التاسع الميلادي/الثالث
الهجري، وأوائل العاشر الميلادي/الرابع الهجري ظهرت موجة عدائية في الغرب الأوروبي ضد بيزنطة بسبب قضية فوشيوس وتم لعنه وكذلك كنيسة القسطنطينية التي ظهرت على أنها مهرطقه ومارقة .

6- الإنشقاق الأعظم:
وقع الإنشقاق الأعظم عام 1054/446ه ويلاحظ أن عناصر النورمان في جنوب إيطاليا زحفوا على ممتلكات البابوية بعد أن توسعوا في أملاك الإمبراطورية البيزنطية هناك واتجه البابا ليو التاسع (1049-1054م/441ه-446ه) إلى التحالف مع الإمبراطور البيزنطي قسطنطين التاسع موناخوس (1049-1055م/441-447ه) من أجل العمل ضد النورمان عسكريا، ويلاحظ أن بطريرك القسطنطينية في ذلك الحين تمثل في ميخائيل الأول كيرولاريوس (1043-1058م/435-450ه ) وقد رفض التحالف بين بيزنطة والبابوية على اعتبار أن ذلك من شأنه الإضرار بمصالح بيزنطة لأنه سيفتح الأبواب على مصاريعها من أجل التدخل البابوي في الشؤون الكنسية الخاصة بها ، وقد بدأ النزاع عندما وصلت إلى مسامع كيرولاريوس أخبار تفيد بأن النورمان أعاقوا اليونانيونين في جنوب إيطاليا عن ممارسة شعائرهم الدينية والخطير في الأمر أن ذلك بموافقة كنيسة روما، وكرد على الموقف أمر بطريرك البيزنطي الكنائس الاتينية في العاصمة البيزنطية بأن تتبع الشعائر اليونانية، عندما أثبت ذلك أصدر أوامره بإغلاقها في نهاية 1053م/445ه.

7- تجدد العداء بين البابوية وبيزنطة:
لم يستطع البابا ليو التاسع أن يقف مكتوف اليدين أمام ذلك الموقف فقد أرسل إلى الإمبراطور البيزنطي يتهم كيرولاريوس، ومن ثم تجدد العداء بين الكنيستين من جديد وبصورة أشرس من ذي قبل ووصل الأمر إلى حد أن أصدر البابا ليو التاسع قراراً بالحرمان، لم يشتمل كيرولاريوس فقط بل كنيسة القسطنطينية أيضاً، ووضع قرار الحرمان في مذبح كنيسة أبا صوفيا، بالعاصمة البيزنطية، ويلاحظ أن الشعب البيزنطي تعاطف مع بطريركه ضد كنيسة روما، غير أن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً وزادت الهوة بين كنيستي روما والقسطنطينية، ومع ذلك، هناك من يرى أن أحداث قطيعة عام 1054/446ه، كانت أكثر إثارة من النتائج التي ترتبت عليها، فالأمر لم يكن انشقاقاً بصورة نهائية ومن زاوية أخرى، من المهم ملاحظة أن تلك القطيعة لم تؤثر على المركز البابوي في الغرب أو في الشرق على حد سواء؛ كما أنها لم تؤد إلى التأثير على حركة العناصر الكاثوليكية في الإمبراطورية البيزنطية، واستمر قدوم الغربيين بعد تلك القطيعة في صورة تجار أو حجاج أو عابري سبيل واستمر هؤلاء يقومون بتشييد كنائسهم على الأرض البيزنطية، كما ظل
المرتزقة اللاتين يعملون في الجيش البيزنطي ، وقد يكون لدى صاحب هذا الرأي بعض الحق، على اعتبار أن الإمبراطورية البيزنطية حرصت على إبقاء قدر من الاتصال مع روما، إلا أن من المؤكد أن العلاقات بين الطرفين لم تكن كسابقتها، وتفاعلت أحداث الانشقاق الأعظم، مع قطيعة فوشيوس مع الفجوة الحضارية بين بيزنطة والغرب الأوروبي على نحو أوجد نفسية عدائية عامة لدى الطرفين، وليس في مقدورنا إلغاء تلك الزاوية على الرغم من وجود "مصالح متبادلة" بين الشرق البيزنطي والغرب الأوروبي وحرص الطرفان على الاحتفاظ بها، وجاءت الحملات الصليبية كي تزيد الهّوة اتساعاً .

8- المشكلة الأنطاكية
في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي/ الخامس الهجري، وقعت التطورات السياسية والعسكرية في الشرق الإسلامي على نحو أدى إلى هزيمة الإمبراطورية البيزنطية في ملاذكر 463ه وتسارعت الأحداث لنجد أنفسنا أمام الحملة الصليبية الأولى والتي تحدثنا "عنها في كتابنا عن السلاجقة" وقد اتجه الإمبراطور البيزنطي الكسيوس كومنينوس (1081-1118م/474-512ه) إلى عقد اتفاقية القسطنطينية من أجل أن يعيد الصليبيون إليه المناطق التي فقدت منهم من جراء التوسع السلجوقي وكان من أهم تلك المناطق درة شمال الشام، أنطاكية، إلا أن النورمان أسسوا فيها إمارة نورمانية ورفضوا عودتها للإمبراطورية البيزنطية، ومن ثم وجد ما يعرف بالمشكلة الأنطاكية في السياسة البيزنطية؛ وتعني تسعى بيزنطة بسعيها الدءووب من أجل استعادة أنطاكية بكافة الوسائل المتاحة لها سواء السياسية أو الدبلوماسية بل، والتلويح بالقوة في مواجهة الأطماع النورمانية التي لا تجد وبصفة عامة: تأكد للإمبراطورية البيزنطية أنها استعانت بطامع في أراضيها من أجل مواجهة الخطر السلجوقي، ولا ريب في أن عدم تنفيذ الصليبيين لإتفاقية القسطنطينية قد جعل الأباطرة البيزنطيين يحاولون استعادتها دون جدوى في صورة الكسيوس كومنين، وحنا كومنين، ومانويل كومنين ، إن إخفاق الأباطرة الكبار الثلاثة في إيجاد للوجود الصليبي فيما تراه بيزنطة تابعاً لها من قبل مقدم الصليبيين إلى المنطقة وكذلك إيجاد حل ما لتنامي الخطر الاتيني الجامح القادم من الغرب كل ذلك كان بمثابة المقدمة المنطقية الطبيعية لما حدث عام 1204م/602ه وفي نفس الحين، صار البيزنطيون ينظرون إلى كل حملة صليبية قادمة عبر أراضيهم نظرة عداء ويلاحظ أنه عندما فشلت الحملة الصليبية الشعبية وأجهزت سيوف السلاجقة على العامة بعد عبورهم البسفور اتهم الغرب الأوروبي بيزنطة وجعلها العامل الأساسي وراء ذلك الإخفاق، وفيما بعد، عندما قدمت الصليبية الثانية وعلى رأسها الملك الفرنسي لويس السابع والأمبراطور الألماني كونراد الثالث قابلت بعض المصاعب على الأرض البيزنطية ومن زاوية أخرى تعرضت الممتلكات البيزنطية إلى السلب والنهب على أيدي أفراد تلك الحملة، وهو نفس الأمر الذي وقع خلال الصليبية الأولى، وعندما أخفقت الحملة الصليبية الثانية كسابقتها، اتهمت بيزنطة أنها ساهمت في ذلك الإخفاق من خلال سلوكها المعادي لجند المسيح .

9- التحالف بين صلاح الدين والإمبراطور البيزنطي:
وفي الحملة الصليبية الثالثة كان هناك تحالفاً قد تم بين السلطان الأيوبي صلاح الدين والإمبراطور البيزنطي إسحاق الثاني انجليوس ومن المنطقي تماماً أن تسعى تلك الإمبراطورية إلى إيجاد توازن ما مع القوى الإسلامية المجاورة، فلم تكن لتقبل بانتصار ساحق للصليبين على المسلمين في بلاد الشام، على نحو يؤدي إلى زيادة قوتهم وبالتالي يواجهون تلك الإمبراطورية بشراسة أكبر، لقد أرادت بيزنطة أن تجعل كافة الأطراف تحتاجها سلمياً أو حربياً من خلال لعبة توازن القوى التي برعت فيها في أحيان عديدة وقد كشفت الحملة الصليبية الثالثة على مدى العداء الذي كنته الجيوش الصليبية لبيزنطة، فقد فكر فردريك بارباروسا في غزو القسطنطينية، كما أن ريتشارد قلب الأسد استولى على قبرص في مؤشر واضّح دال على تزايد حجم الأطماع اللاتينية في أملاك الإمبراطورية البيزنطية لقد كانت شهية الغرب في أملاكها لا تحد، ولم يعد الأمر مسألة النورمان، بل انضم لهم الألمان، والإنجليز وفي ذلك ما يعكس كيف أن الأطماع الغرب أوروبية أحاطت بيزنطة من كافة الاتجاهات الممتدة وتنامت الأطماع اللاتينية في أملاك بيزنطة وقد بدأت تلك الأطماع بالأطراف البعيدة نسبياً ثم اقتربت أكثر فأكثر حتى وصلت إلى القلب، ولا ريب في أن ميراث العداء، والكراهة تجاه تلك الإمبراطورية وكذلك الاختلافات العقائدية، ثم الفجوة الحضارية، كل ذلك صنع لنا كافة تلك التطورات المتلاحقة، فإذا أدركنا أن الإمبراطورية المذكورة وقعت في مرحلة ضعف بعد وفاة بازل الثاني 1025م/416ه حتى عام 1081م/474ه ثم شهدت صحوة الأسرة الكومنيئية من 1081 حتى 1180م 474 -576ه ومن بعدها مرت بمرحلة ضعف جديدة، أدركنا أن أوضاعها ذاتها كانت تشجع الطامعين على الانقضاض عليها ، وبالتالي فليس هناك ما يدعو إلى القول بالخيانة البيزنطية للقضية الصليبية، ومثل ذلك التصور تصور غربي أوروبي صرف في ذلك العصر، ومن الأفضل تصور الأمر على أن بيزنطة كانت لها قضيتها الخاصة بها، ومن غير المنطقي أن تتخلى عن قضيتها من أجل الغرب الذي أكدت وقائع التاريخ أن قدم إليها طامعاً وليس مُخلصاً

ثالثاً: التفكير في الحملة الصليبية الرابعة
فكرة إرسال هذه الحملة نبتت في قلعة تيبالد كونت شامباني في نوفمبر سنة 1199م (596ه) عندما دار الحديث بينه وبين بعض أصدقائه انتهى باستدعاء فولك أسقف نيللي وهو من دعاة الحروب الصليبية ليتحدث إلى هؤلاء الضيوف. وتمكن فولك بفصاحته أن يثير الحاضرين، الذين وعدوا بالإشتراك في الحروب الصليبية، وبعثوا برسول إلى البابا انوسنت الثالث ليعرض عليه مشروع الحملة، وليعطي القرار الصالح السليم ، كان البابا انوسنت الثالث قد أعرب علنا عن رغبته في الدعوة إلى حرب صليبية جديدة، فكتب في سنة 1199م إلى إيمار بطريرك بيت المقدس يطلب منه تقريراً مسهباً عن مملكة الفرنج ، وعن أحوال المسلمين وقوتهم في بلاد الشام ومصر ولذلك أبدى ارتياحه وترحيبه الحار لمشروع الحملة التي اقترحها كونت شامباني، وتزعم بنفسه الدعوة لقيام هذه الحملة الصليبية الرابعة وكان من أهم الأسباب التي دعت البابا انوسنت الثالث لقيام هذه الحملة، رغبته ورغبة الأوروبيين في محو العار الذي لحق بهم في الحروب الصليبية الثالثة على يد صلاح الدين الأيوبي، وذلك باسترداد بيت المقدس من أيدي المسلمين ولذلك حشدت البابوية كل إمكاناتها لتوجيه الصليبيين إلى مصر لاحتلالها، لأنها أكبر عدو للصليبيين، ولأنها مركز الثقل في العالم الإسلامي، ولن يتمكن الصليبيون من استرداد بيت المقدس طالما ظلت مصر بعيدة عن أيديهم ولكي يمهد لنجاح هذه الحملة أصدر مرسوماً يحرم على التجار الأوروبيين التعامل مع المسلمين وحرم عليهم تزويد المسلمين بكل المواد التي تعينهم على القتال المسيحيين وخصوصاً مواد الحديد والخشب وما يستعان به في الحروب .
1- جهود البابا انوسنت الثالث
استعادت البابوية سلطتها في جنوب إيطاليا، بعد ما أدى إليه تشابك المصالح من نزاع بين ملوك أوروبا العظام، وأخذ انوسنت الثالث يمهد لهذه الحملة، فبدأ بإجراء المفاوضات مع الأمبراطور البيزنطي الكسيوس الثالث لتوحيد الكنيستين الشرقية والغربية وأعطى تعليماته إلى فولك أن يطوف بالبلاد، ويحث أهل الريف على الإنخراط في الحرب المقدسة وحمل السلاح لاستعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين، واحتلال مصر، وإنضم عدد كبير من البارونات للاشتراك في هذه الحملة بغرض امتلاك أراضي جديدة بعيدة جداً عن أوروبا وليس بدافع من الدين فقط قبل جميع البارونات أن يتولى تيبالد كونت شامباني قيادة الحملة الصليبية، ولكنه مات فجأة في مارس سنة 1201م/598ه واجه بونيفاس أول مشكلة من المشاكل التي واجهت الحملة وهي عدم وجود سفن عند أمراء الحملة من الصليبيين، فاتفقوا على أن ينوب عنهم جفرى هاردوين في الاتفاق على تأجير سفن لنقل جنود الحملة إلى سواحل الشام وسافر جفرى إلى جنوه وفاوض المسؤولين فيها لمساعدتهم في نقل 4500فارس بمعداتهم وحوالي 30ألف راجل بأسلحتهم وآلاتهم، ولكن الجنويين أبدوا أسفهم لعدم قدرتهم، فتوجه جفرى إلى البندقية وخاطب حاكمها الدوق هنري داندلو الذي استشار حاشيته وقبل ذلك، وطلب مائة ألف مارك إيجاراً للسفن، ثم شرط عليهم أن يمضي معهم بنصف أهل البندقية القادرين على حمل السلاح وأن يكون لهم النصف في جميع الغنائم، وسوف يكون لأهل البندقية مراكبهم الخاصة بهم (خمسين غراباً) يتولى البنادقة الإنفاق عليها وسوف يتم نقل جنود الحملة في مدى عام من اليوم الذي نحدده إلى أي بلد شئتم تم الاتفاق بين الطرفين على تخفيض المبلغ إلى 85 ألف مارك فضية كولونية، وأقسم دوق البندقية وجفري هاردوين على تنفيذ هذه الاتفاقية التي عقدت بينهما في يونيه 1202م ثم شرع الصليبيون في المجئ إلى البندقية لكي تنقلهم السفن إلى المشرق، فلما اكتملت أعدادهم وطلبوا من البندقية أن تبحر السفن بهم، طلب الدوق داندلو المبلغ الذي اتفق عليه قبل رحيل السفن، وعجز الصليبيون عن دفع كل المبلغ المحدد .
2- بعض المصاعب والمشاكل التي أثرت في مسيرة الحملة:
ظهرت بعض المصاعب والمشاكل التي أثرت في مسير الحملة من أهمها:
- اشتد ضجر مجموعات من الصليبيين لتأخرهم هذه المدة الطويلة في البندقية دون الرحيل إلى الأراضي المقدسة وخاصة عندما علموا أن وجهة الحملة هي مصر وليس بيت المقدس.
- عمل أهل البندقية على تشجيع هذا التذمر بين الصليبيين لأن البنادقة لم يكن في نيتهم تقديم مساعدة ما لمهاجمة مصر، نظراً للامتيازات الكثيرة، والجليلة التي منحها الملك العادل للتجار الإيطاليين في مصر.
- أوفد الدوق هنري داندلو حاكم البندقية سفراءه إلى القاهرة في نفس الوقت الذي كان ساوم الصليبيين حول نقل الحملة، وثم عقد اتفاق تجاري في ربيع سنة 1202م-598ه مع نائب الملك العادل، وقد أكد الدوق داندلو لمبعوث الملك العادل أنه لن يساعد أي حملة تتجه إلى مصر.
3- توجيه الحملة ضد المجر
استغل دوق البندقية هذه الظروف لصالح بلاده، فعمل على توجيه الحملة ضد المجر لتخليص مدينة زارا عاصمة الساحل الدلماش من يد ملك المجر والتي استمرت الحروب من أجلها عشرات السنين بين جمهورية البندقية والمجر وأعلن الصليبيون في سبتمبر 1202م قبولهم لكل ما تعرضه البندقية عليهم، لكي يتم نقلهم بعد ذلك إلى الأراضي المقدسة أبحر الأسطول من البندقية في 8 نوفمبر 1202م فوصل زارا بعد يومين، وهاجمها الصليبيون بعنف، فاستسلمت بعد خمسة أيام واستباحها العساكر، وبعد ثلاثة أيام وقع القتال بين البنادقة والصليبيين بسبب اقتسام الغنائم غير أن الأمور سويت بين الجانبين، وقرر داندلو مع بونيفاس قائد الحملة البقاء حتى ينتهي فصل الشتاء وفي خلال هذا الوقت اتفق زعماء الحملة على توجيه الحملة إلى القسطنطينية، ويذكر البعض أن فيليب دوق سوابيا أرسل إلى قائد الحملة بونيفاس عرضاً محدداً من صهره الكسيوس الصغير يطلب منه أن تتوجه الحملة الصليبية إلى القسطنطينية وتثبته على عرش الإمبراطورية، وفي مقابل ذلك يقوم الكسيوس بسداد ديون الحملة إلى البنادقة ويمدهم بالمال والمؤن لمساعدتهم على فتح مصر، ويرسل معهم فرقة من الجيش البيزنطي قوامها عشرة آلاف جندي، ويتولى الانفاق على 500فارس صليبي في الأرض المقدسة ويخضع كنيسة بيزنطة إلى الكنيسة الأم في روما وعلى الرغم من أن البابا أنوسنت الثالث كان قد أصدر قرار الحرمان لأفراد الحملة لمهاجمتهم ملك المجر في زارا، إلا أنه عاد وأصدر قراراً بالعفو عنهم، بل أنه ساند الرأي بذهاب الحملة لمهاجمة القسطنطينية، لضم كنيستها وتوحيد العالم المسيحي تحت سلطانه .
4- الحملة تبحر نحو القسطنطينية 1203م
وصل الكسيوس الصغير ابن الإمبراطور السابق المخلوع إسحاق قادماً من ألمانيا ورافق الحملة التي ستعيد له عرش أبيه وتم عقد معاهدة بينه وبين حلفائه الصليبيين والبنادقة لتأكيد ما سبق أن عرضه بواسطة صهره فيليب دوق سوابيا، وفي 24 يونيه 1203م 600ه وصلت سفن الحملة أمام القسطنطينية ، ولم يتخذ الإمبراطور الكسيوس الثالث، الذي استولى على العرش عن طريق مؤامرة خبيثة ضد أخيه الإمبراطور السابق إسحاق، أي تدابير لمنع وصول جنود الحملة إليه، واعتقد الصليبيون والبنادقة فيما قاله الكسيوس الصغير من أن بيزنطة كلها سوف تهب للترحيب به ولكن الدهشة استبدت برجال الحملة حينما اكتشفوا أن جميع أبواب القسطنطينية أغلقت في وجوههم، وأن الجنود البيزنطيين مرابطون فوق أسوارها وفشلت المحاولات الأولى التي قام بها أسطول الصليبيين لمهاجمة الأسوار وبعد قتال عنيف تمكن البنادقة من فتح ثغرة بالأسوار في 17يوليو، وفكر الكسيوس الثالث في الفرار مع ابنته التي يكن لها معزةً خاصاً، ولجأ إلى مدينة موزينو في تراقيا، فما كـان من حاشية القصر إلا أنهم أخرجـوا الإمبراطـور السـابق إسحاق – الذي سلمه أخوه – من السجن وأعادوه على عرشه وبذلك توقف القتال، وتم الاتفاق على تنصيب الكسيوس الصغير قسيما لابيه في حكم الإمبراطورية وتسمى الكسيوس الرابع سنة1203م . مارس الكسيوس الرابع شؤون الإمبراطور منفرداً لأن أباه قد فقد بصره، وبدأ في تنفيذ وعوده السابقة فحاول أرغام رجال الدين بقبول سيادة بابا روما ولكنه وجد مقاومة عنيفة وفشلت محاولته، أغدق الهدايا الوافرة على الصليبيين فأثار نهمهم إلى المزيد، فقل مال الخزانة ولم يتمكن من دفع ديون الصليبيين للدوق داندلو حاكم البندقية بقية قيمة إيجار السفن، فاضطر إلى فرض ضرائب جديدة فغضب عليه البيزنطيون وصادر كميات ضخمة من ممتلكات الكنيسة "ذهب وفضه" وأمر بصهرها وضربها نقوداً وتسليمها للبنادقة، فحقد عليه رجال الكنيسة وغضبوا منه وزاد من غضب الشعب البيزنطيي وتحريك الثورة في نفسه ما ارتكبه الصليبيون من سلب ونهب في القرى المحيطة بالمدينة، وتدمير حي بأكمله بسبب حماقة بعض الفرنسيين من جنود الحملة الذين حرقوا مسجداً للتجار المسلمين في المدينة، فامتدت النار منه ودمرت الحي بأكمله، واحترق فيه ناس كثير بالإضافة إلى كل ذلك لم يكن الكسيوس الرابع (الصغير) على مستوى حكم الإمبراطورية، إذ كان مبتذلاً في حياته محباً للهو، مما أدى إلى وقوع ثورة في القصر الإمبراطوري في فبراير سنة 1204م رجب 600ه وتم عزل الكسيوس الرابع وإلقي به في السجن حيث توفي، ولحق أبوه به، فمات كمداً بعد فترة قصيرة وتولى العرش مورتسوفلوس، وتسمى الكسيوس الخامس .
5- سقوط القسطنطينية وإقامة إمبراطورية لاتينية:
وقف الكسيوس الخامس موقفاً مضاداً من الصليبيين وأيدا الاتجاه الشعبي الكاره لهم، وأمام ذلك التطور اتجاه الأخيرون إلى مهاجمة القسطنطينية في عام 1204/602ه والواقع؛ أن تلك العاصمة العالمية المجيدة والتي شيدت منذ القرن الرابع الميلادي احتوت على العديد من النفائس، والتحف على مدى ثمانية قرون كاملة ولذلك وجدت بها ثروات وفيرة، والعديد من الأواني الذهبية، والفضية، والكثير من الأحجار الكريمة ، ولا ريب في أنها كانت ذات ثراء عريض جديد بعاصمة إمبراطورية مثل الإمبراطورية البيزنطية، وقد حل بالمدينة القتل والسلب والنهب والتدمير،وتم قتل العديدون من البيزنطيين واغتصبت الراهبات في الأديرة، ودخل الجنود الذين لعبت الخمر برؤوسهم كنيسة آيا صوفيا، وأحضروا إحدى العاهرات لتجلس على العرش البطريركي وجعلوها تنشد الأغاني البذيئة وترقص الرقصات الرخيصة أمام مذبح الكنيسة، واستعملت الأواني الطاهرة من أجل احتساء الخمور، ويلاحظ أن ذلك السلوك المتوحش والمتبربر استمر في مدينة قسطنطين مدة ثلاثة أيام ، وقد تمنى نيكتاس فونياتس أن تسقط مدينته على أيدي المسلمين لأنهم ما كانوا ليفعلوا بها ما فعل اللاتين . وصدق نيكتاس فيما ذهب إليه : فعندما سقطت القسطنطينية في عام 857ه/1453م على يد السلطان محمد الفاتح، توجه إلى كنيسة آيا صوفيا وقد اجتمع فيها خلق كبير من الناس ومعهم القسس والرهبان الذين كانوا يتلون عليهم صلواتهم وأدعيتهم وعندما اقترب من أبوابها خاف النصارى داخلها خوفاً عظيماً وقام أحد الرهبان بفتح الأبواب له فطلب من الراهب تهدئة الناس وطمأنتهم والعودة إلى بيوتهم بأمان، فأطمأن الناس وكان بعض الرهبان مختبئين في سراديب الكنيسة، فلما رأوا تسامح الفاتح وعفوه خرجوا وأعلنوا استسلامهم ، ولقد عاملهم السلطان محمد الفاتح معاملة رحيمة وأمر جنوده بحسن معاملة الأسرى والرفق بهم، وافتدى عدداً كبيراً من الأسرى، من ماله الخاص وخاصة أمراء اليونان، ورجال الدين، واجتمع مع الأساقفة وهدأ من روعهم وطمأنهم على عدم المساس بعقائدهم وشرائعهم وبيوت عبادتهم وأمرهم بتنصيب بطريرك جديد فانتخبوا أجناديوس بطريرك، وتوجه هذا بعد انتخابه في موكب حافل من الأساقفة إلى مقر السلطان فاستقبله السلطان محمد الفاتح بحفاوة بالغة وأكرمه أيما تكريم، وتناول معه الطعام وتحدث معه في موضوعات شتى دينية وسياسية واجتماعية، وخرج البطريرك من لقاء السلطان، وقد تغيرت فكرته تماماً على السلاطين العثمانيين وعن الأتراك، بل على المسلمين عامة، وشعر أنه أمام سلطان مثقف صاحب رسالة وعقيدة دينية راسخة، وإنسانية رفيعة، ورجوله مكتملة، ولم يكن البيزنطيون أنفسهم أقل تأثراً ودهشة من بطريقهم، فقد كانوا يتصورون أن القتل العام لاحقهم، فلم تمضي أيام قليلة حتى كان الناس يستأنفون حياتهم المدنية العادية في أطمئنان وسلام. كان العثمانيون حريصين على الإلتزام بقواعد الإسلام، ولذلك كان العدل بين الناس من أهم الأمور التي حرصوا عليها، وكانت معاملتهم للنصارى خالية من أي شكل من أشكال التعصب والظلم، ولم يخطر ببال العثمانيين أن يضطهدوا النصارى بسبب دينهم .
إن مِلل النصارى تحت الحكم العثماني تحصلت على كافة حقوقها الدينية وأصبح لكل ملة من هذه الملل مدارسها الخاصة وأماكن العبادة والأديرة، كما أنه كان لا يتدخل أحد في ماليتها، وكان تطلق لهم حرية في تكلم اللغة التي يريدونها ، إن السلطان محمد الفاتح لم يظهر ما أظهره من التسامح مع نصارى القسطنطينية إلا بدافع التزامه الصادق بالإسلام العظيم وتأسياً بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم بخلفائه الراشدين من بعده، الذين امتلأت صحائف تاريخهم بمواقف التسامح الكريم مع أعدائهم .
هذا ومن الملاحظ إن زعماء وقادة الحملة الصليبية الرابعة نقلوا العديد من التحف والنفائس التي بيعت في أسواق دمشق، والقاهرة وحلب، وكذلك الأسواق الأوروبية حتى أن الجياد البرونزية الأربعة التي كانت تزين ميدان السباق في العاصمة البيزنطية، قام داندلو بحملها إلى البندقية، وحتى اليوم تزين واجهة كاندرائية القديس مارك في فينيسيا دليلاً على واحدة من أكبر عمليات السلب والنهب التي شهدتها القرون الوسطى، وهكذا؛ يثبت لنا الصليبيون من جديد، أنهم أهل قتل، وتدمير، وسلب ونهب، وها هي مدينة قسطنطين الرائعة تتعرض للمصير المأساوي الذي تعرضت له مدينة بيت المقدس منذ ما يزيد على القرن من الزمان، غير أن الفارق الجوهري أن بيت المقدس كانت مدينة مقدسة للسيادة الإسلامية، أما القسطنطينية فهي مدينة مسيحية وعاصمة الإمبراطورية البيزنطية الإرثوذكسية، والتي قامت بدور درع المسيحية الشرقية في مواجهة الإسلام لعدة قرون وفي هذا دليل واضح على أن الصليبيين في سبيل أطماعهم الجشعة التي لا تحد، لم يفرقوا بين مدن إسلامية أو مسيحية .
6- السياسة الخارجية للبابوية والحملات الصليبية :
إن سقوط القسطنطينية على مثل هذه الصورة كان بمثابة كارثة على فكرة، الحملات الصليبية، وكأن الحركة تنتحر، فمن قبل كان الإعلان عن ميلادها موجهاً لحرب "الكفار" وقصد بهم البابا حينذاك المسلمين، أما الآن؛ فإن نطاق "الكفار" امتد ليشمل المخالفين لكنيسة روما في المعتقدات الدينية، ويلاحظ هنا أن أنوسنت الثالث شهد عهده تطور الصليبيات بصورة ملفته للانتباه، فقد شن حملة صليبية ضد العناصر التي رأتها البابوية مهرطقة في جنوب فرنسا، في صورة الوالدنسيين اتباع بيتر والدو والكثاربين (الأطهار)، أما الآن، فإن الحملة الصليبية اتجهت إلى الإمبراطورية البيزنطية، ودل ذلك بجلاء، على أن الحركة الصليبية ليست ضد المسلمين فقط بل ضد كل من يناصب البابوية العداء، وكل من يرفض الخضوع لسلطان كنيسة روما سيدة الكنائس، وصاحبة السيادة العالمية على عالم المسيحية، على نحو يؤكد بالفعل أن الحملات الصليبية هي السياسية الخارجية للبابوية .
إننا لأول مرّة منذ أعلان مشروع أوربان الثاني 1095م/489ه، نجد أن الحركة الصليبية تتجه إلى تلك الوجهة وتسقط عاصمة أكبر إمبراطورية مسيحية في المنطقة على مدى المرحلة الواقعة من القرن العاشر الميلادي/الرابع الهجري إلى القرن الثالث عشر الميلادي/ السابع الهجري وطوال هذه القرون لم تسقط بيزنطة على أيدي الفرس والروس، والنورمان، والمسلمين وغيرهم، إلا أن سقوطها كان على يد قوة مسيحية ممثلة في الغرب الأوروبي، ولذلك لا عجب والأمر كذلك أن تعتبر عام 1204م/602ه عاماً فارقاً في تاريخ الحملات الصليبية .
إن أنوسنت الثالث كان يدرك إدراكاً يقينياً أن الصليبية الرابعة كان تستهدف الهجوم على القسطنطينية كما وأنه قد توطأ في إدانة اتجاهم نحو زارا ومدينة قسطنطين وبذلك يكون قد سمح لقادة الحملة الصليبية الرابعة بالإتجاه قدماً في مخططاتهم العدوانية ضد الإمبراطورية البيزنطية ، إن البابوية ومنذ زمن بعيد كانت تحلم بتوحيد الكنائس وإخضاع كنيسة القسطنطينية المارقة لسيطرة كنيسة روما، ويلاحظ أن البابا أنوسنت الثالث أمر رجال الدين اللاتين في الصليبية الرابعة بضرورة إدخال الطقوس اللاتينية في كافة الكنائس البيزنطية على نحو عكس إن ذلك الاحتلال اللاتيني توغل في كل مناحي الحياة البيزنطية من السياسة إلى الاقتصاد وإلى الدين أيضاً.
7- مسؤولية سقوط القسطنطينية
من الأهمية بمكان التقرير بأن مسؤولية العاصمة البيزنطية موزعة بين البنادقة، والبابا أنوسنت الثالث، والبيزنطيين أنفسهم ويتصور البعض أن البيزنطيين هم الضحية في كافة تلك الأحداث التي وقعت على أرض إمبراطوريتهم غير أن الواقع التاريخي يؤكد أن بيزنطة سقطت من الداخل قبل سقوطها من الخارج، فالصراع على المنصب الإمبراطوري الذي سمح بالتدخل الأجنبي مثل فرصة ذهبية أمام الغرب الأوروبي أحسن استغلالها من أجل توجيه ضربة قاضية لبيزنطة ثم إن الضعف العام لتلك الإمبراطورية شجع أعداءها على الانقضاض عليها في غير هوادة .
إن طوال القرن الثاني عشر الميلادي/السادس الهجري وقعت عدة شواهد دالة على حجم الأطماع اللاتينية، في تلك الإمبراطورية التي توهمت أن من الممكن مسالمة الغرب اللاتيني وأن بإمكانه إعادة أملاكها التي سيطر عليها السلاجقة وتصورت أن لعبة توازن القوى ستظل تلعبها بكفاءة تامة غير أن الأيام أثبتت عكس ذلك تماماً، وقد افتقد الأباطرة البيزنطيون على مدى ذلك القرن المذكور أية خطة استراتيجية عامة لدعم دفاعات إمبراطوريتهم، على نحو يمكنهم من مواجهة الخطر الخارجي كما ظل المنصب الإمبراطوري مطمعاً لكل طامع ومتمرد يرى أنه جدير بذلك المنصب، وكأننا أمام تاريخ مكرر وحصاد عشرات الأحداث، انقلابات، صراعات، واعتقالات، دونما تغير إلا في أسماء الأشخاص فقط القائمين على تلك الأدوار وواقع الأمر أن المؤرخين الذين تباكوا على المصير الدموي لتلك الإمبراطورية وهي تذبح بسكين الغرب الأوروبي عام 1204م/602ه لم ينظروا إلى الأمور بنظرة موضوعية، لقد صنعت بيزنطة تاريخها أحيانا بقوة غير أنها الآن ضعفة بضعف كامل وهوان مرير، لقد ولى زمن الأباطرة الكبار مثل هرقل، وليو الثالث الأيسوري، وقسطنطين الخامس، وبازل الثاني، والآن لم يكن في جعبة بيزنطة في عصر هوانها إلا أباطرة صغار والأحداث كبار، وبعبارة أخرى؛ أباطرة يصحبونها إلى مثواها الأخير مع ملاحظات أن مقدمات ذلك التاريخ كانت بالغة الطول على مدى قرون عديدة، كما أفصحت بجلاء تلك الصفحات السابقة، ودل كل ذلك على حقيقة مهمة وهي المسؤولية البيزنطية عن كارثة العام المذكوروقد يرد البعض بأن يعد تحميلاً للأمور أكثر مما تحتمل على اعتبار أن الكيان السياسي الضعيف لا يشارك في صنع التاريخ، وأن القوة الفاعلة حينذاك كان لدى الغرب الأوروبي غير أن من الممكن الرد على أصحاب ذلك التوجه على اعتبار أن قوة الغرب الغرب الأوروبي ما كان لها مجال حيوي تتوسع فيه اقتصادياً وسياسياً وكنسياً إلا على أطلال ذلك الجسد الإمبراطوري المريض في صورة الإمبراطورية البيزنطية وهكذا صدقت تلك المقولة التي قالها يوماً أيوستاشيوس السالونيكي ومفادها أن الغرب الأوروبي يعتقدون أن ذلك العالم ليس كبيراً على نحو كاف لكي يتسع لهم ولنا "أي البيزنطيين" ولذلك كان الإجهاز على بيزنطة يمثل تلك الصورة السالفة الذكر .
8- نتائج الحملة الصليبية الرابعة
كان للحملة الصليبية الرابعة نتائج عديدة منها:
أ- كان للحملة الرابعة تأثير بالغ على مسار المشروع الصليبي بأكمله ويكفي أنه نتج عنه سقوط القسطنطينية لأول مرة في تاريخها منذ أن شيدها قسطنطين الكبير وافتتحها عام 330م وبالتالي فقد أدت الحملة الصليبية الرابعة إلى تغيير خريطة التوزيعات السياسية لشرق أوروبا إلى حد كبير وأزالت السيادة البيزنطية قسمتها إلى عدة مناطق وأعادت تركيب المنطقة على أساس المصالح الاقتصادية، والسياسية الجديدة.
ب- إن تلك الحملة جعلت الكثيرين من الصليبيين في بلاد الشام يقدمون إلى الإمبراطورية اللاتينية في القسطنطينية، بحثاً عن غنائم لهم على نحو أضعف الكيان الصليبي في بلاد الشام .
ج- ظهر العامل الاقتصادي ليمثل عنصراً مؤثراً في تلك المرحلة، ولا ريب في أن الدور البندقي الفعال والتنافس مع الإمبراطورية البيزنطية حسم لصالح البندقية .
س- إن النكبة التي نكبت بها الإمبراطورية البيزنطية عام 1204م/602ه أدت إلى التمهيد – بصورة أو بأخرى – لحدوث الإنهيار النهائي لها على أيدي الأتراك العثمانيين عام 1453م/857ه في عهد قسطنطين الحادي عشر (1449م – 1453م/853 -857ه) بقيادة السلطان محمد الفاتح، ونستطيع وصف مرحلة القرنين والنصف قرن بين التاريخين المذكورين بأنها مرحلة احتضار بيزنطي طويل الأجل انتهى بأن خرجت بيزنطة بعده من التاريخ بجدارة، مثلما دخلته من قبل بجدارة أيضاً وأصبحت عاصمة الدولة العثمانية وعادت إلى مركز الريادة العالمي من جديد وساهمت في اشعاع نور الحضارة والعلم والمعرفة في أنحاء المعمورة.
ش- ومن نتائج سقوط القسطنطينية في العام المذكور أنفاً، قيام عدد من الدول والإمارات البيزنطية، ففي طربيزون قامت إمارة بيزنطية تنتسب إلى آل كومنين وقد مدت نفوذها ليشمل الشريط الساحلي للبحر الأسـود مـن هرقلية حتى القوقاز، وفيما بعد امتد العمر بتِلك الإمارة حتى عام 1461م/866ه أي حتى بعد سقوط القلب البيزنطي السقوط الذي لا قيام من بعده، وفي أبيروس أقام ميخائيل أنجلو كومنينوس إمارة بيزنطية امتدت من ليبانتو حتى دورازوه كذلك قام تيودور لإسكارس الذي كان صهراً لا لكسيوس الثالث يجمع ما تبقى من الإستقراطية البيزنطية، وكبار رجال الكنيسة، وقام بترويج نفسه على أنه امبراطور الرومان وذلك عام 1206م/603ه. أي بعد عامين فقط من سقوط القسطنطينية، بالإضافة إلى إمارات بيزنطية ثانوية في جابلاس في جزيرة رودس، وما نكافاس في فيلادلفيا .
والجدير بالذكر هنا؛ أن البيزنطيين تمكنوا من استعادة عاصمتهم الجريحة في عام 1261م/660ه على يدي ميخائيل الثامن باليولوغوس (1259 – 1282م) حيث استمرت المملكة اللاتينية هناك من 1204م/602ه/1261م/660ه) سبعة وخمسين عاماً غير أن الإمبراطورية البيزنطية العائدة لم تكن قط نفس تلك الإمبراطورية السابقة، لقد عادت ظلاً شاحباً بعد أن هدها الغزو اللاتيني لمدينة القسطنطينية

خامساً: محاولة الصليبيين السيطرة على بلاد الشام
على ما يبدو أن أحوال الصليبيين بالشام، كانوا ينتظرون وصول الحملة الصليبية الرابعة ليقوموا بعدها بنقض الهدنة، كعادتهم، ومحاربة المسلمين والغدر بهم وكان الملك عموري الثاني، من جانبه حريصاً على عدم استفزار المسلمين. إلا أن بعض الصليبيين الفلمنكيين والفرنسيين الذين وصلوا في نهاية سنة 1202م وسنة 1203م إلى عكا تحالفوا مع الفرسان الداوية، بقيادة رجال الدين من النصارى، واتجهوا نحو جبلة واللاذقية، ثم أرسلوا مخاطبين الملك المنصور الأيوبي أمير حماة مخوفين أياه بأن ستين ألف محارب صليبي قادم إلى الشام لمحاربتهم، غير أن الملك المنصور رد على رسول الداوية بعزم وثبات وأخبرهم بأن عزيمة المسلمين لا تقهر وأن الحرب القادمة لا محال، وعلى السرعة جهز جيوشه وتقدم نحو اللاذقية، وهناك أنزل الصليبيين هزيمة منكرة حيث ساق أسراهم بعدها إلى حماة وفي تلك الفترة هاجم الملك عموري أسطولاً إسلامياً قادماً من مصر إلى موانيء الشام واستولى عليه بما فيه من بضائع وأمتعة قدرت بنحو ستين ألف دينار، ثم شرع بعد ذلك إلى مهاجمة الأراضي الإسلامية حيث قطع الطريق بين عكا وطبرية واستولى على ما هناك من أموال، وبذلك تأكد للملك العادل أن الملك عموري نقض العهد وعليه فقد كتب إلى سائر البلاد الإسلامية يستدعي العساكر للحرب، إلا أن حرباً حاسمة لم تقع بين الطرفين لأن كلاً منهما كان متريثاً ولا يرغب بالقيام بعمل حربي حاسم ضد الطرف الآخر بسبب الاعتقاد بقرب وصول الحملة الصليبية الرابعة، ويرى المؤرخ الفرنسي غروسيه أن الملك الع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:05 am

[size="5"]
الحملة الصليبية الخامسة
سياسية الملك العادل غير الحكيمة
شهدت الساحة السياسية في أوروبا انقسامات حادة نتيجة الصراعات الداخلية بين البابوية والأمبراطورية في الربعين الثاني والثالث من القرن الثالث عشر الميلادي، وهو صراع كانت له انعكاسات على الحملات الصليبية، فاستعادت آنذاك المبادرة فبدلاً من توجيه الحملات إلى بلاد الشام مباشرة، برزت مصر في حساب الغربيين وبدأ الاتجاه العام في المجتمع الغربي يتحول إلى مصر كنقطة انطلاق في الطريق إلى بيت المقدس، وغدت اهتمام دعاة الحرب الصليبية وزعمائها والمتحمسين لها، بعد أن أدرك هؤلاء أنها أضحت مركز المقاومة الحقيقية في العالم الإسلامي ضد الحركة الصليبية ، بالإضافة إلى مواردها الاقتصادية والبشرية الضخمة التي تزود الجيوش الإسلامية بمعين لا ينضب. وقد أدرك المؤرخون المسلمون هذه الحقيقة فابن واصل يقول: إن الصليبيين اجتمعوا بمرج عكا : للمشورة في ماذا يبدؤون بقصده فأشار عقلاؤهم بقصد الديار المصرية أولاً وقالوا: إن الملك الناصر صلاح الدين إنما استولى على الملك، وأخرج القدس والساحل من أيدي الفرنج بملكه ديار مصر وتقويته برجاله، فالمصلحة أن نقصد أولاً مصر ونملكها، وحينئذ فلا يبقى لنا مانع عن أخذ القدس وغيره من البلاد.
وإذا كانت الحملة الصليبية الرابعة التي وجهت أصلاً إلى مصر قد انحرفت عن مسارها إلى القسطنطينية بفعل دوافع اقتصادية ودينية وسياسية، فإن الحملة الخامسة جُدَّد لها أن تغزو مصر بعد أن اقتنع القادة الصليبيون بضرورة ضرب مصر لتأمين ممتلكاتهم في بلاد الشام واستعادة السيطرة على بيت المقدس، كان الملك العادل قد تمكن من السيطرة على مقاليد الأمور وصارا الشخصية البارزة في البيت الأيوبي واتبع سياسة سلمية تجاه الصليبيين بصفة عامة وفضل الحلول الدبلوماسية أو التلويح باستخدام القوة دون استخدامها فعلياً من ذلك؛ أنه عقد اتفاقاً للهدنة مع الملك عموري الثاني لوزينبان في عام 1198م/594ه ، وعندما قام فرسان الاسبتارية في عام 1207م/604ه بشن الإغارات الحربية على مدينة حمص وكذلك استيلاء الصليبيين في قبرص في نفس العام على عدد من السفن المصرية: اكتفى العادل الأيوبي بتوجيه الإنذار للملك الصليبي، برد الأسرى المسلمين
وفي الحقيقة : أن العادل الأيوبي بتلك السياسة ابتعد كثيراً عن سياسة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، ويبدو أنه كان يخشى أن يؤدي تعامله العسكري مع الصليبيين إلى قدوم حملة صليبية بنفس الثقل العسكري والسياسي للحملة الصليبية الثالثة، ومع ذلك فلا تبرر له تلك السياسة التي ستلحق الضعف بالمسلمين، وخاصة أن توجهه هذا أتى في وقت لم يكن فيه الصليبيون يتبعون تلك السياسة السلمية من جانبهم كسياسة عامة، كما أن الاتجاه السلمي له سيتزايد من بعده على نحو سيورد المسلمين إلى موارد ساحة التنازلات الغير مسبوقة، كما سيأتي بيانه في عهد ابنه الملك الكامل بإذن الله تعالى،
ويعلق أحد المؤرخين البارزين على الموقف قائلاً: إن ما قام به صلاح الدين من أعمال تعتبر من المنجزات ذات الأهمية البالغة ولو أعقبه حاكم آخر من طرازه لتيسر انجاز ما تبقى من العمل ... غير أن مأساة المسلمين في العصور الوسطى كانت تتمثل في الافتقار إلى النظم الثابتة اللازمة للاضطلاع بالسلطة بعد وفاة الزعيم ، على أية حال؛ فمن الأمور المؤكدة أن الروح الصليبية ظلت تحرك الغرب الأوروبي، بل وضمنت لها قطاعات لم يسبق لها الإسهام في تاريخ الحروب الصليبية وخير مثال دل على ذلك نجده في صورة حملتي الأطفال عام 1212م/609ه.
حملة الأطفال
وقد حدث أن صبياً فرنسياً يدعى ستيفن من مدينة كلويس، رأى رؤية منامية مؤداها؛ أن السيد المسيح عليه السلام؛ أتى إليه في المنام، وأمره بأن يدعو إلى قيام حملة صليبية إلى بلاد الشام وقد تجمع حوله عشرات الآف من الأطفال، وتصور أن البحر سينشق لكي يعبر هو ورفاقه إلى القدس، واتجه الجميع إلى مرسيليا، وهلك الكثيرون من مشقة الطريق، ولما وصلوا إلى البحر لم يجدوه قد انشق، وانتهى الأمر بأن تم نقلهم بالسفن إلى فلسطين ويلاحظ أن تلك الظاهرة الطارئة الجديدة، لم تكن خاصة بالصبية الفرنسيين فقط، بل أنها شملت كذلك الصبية الألمان، إذ أن صبياً يدعى نيقولا، ظهر في كولونيا بألمانيا، وتصور أن بإمكانه تحرير بيت المقدس، وجمع حوله الآلاف من الصبية وسلكوا طريقاً إلى إيطالياً من خلال جبال الألب، وقد هلك الكثيرون منهم في الطريق وهناك رأى يرى أن أولئك الصبية انتهى بهم الأمر بأن بيعوا في أسواق النخاسة في عدد من المدن الإسلامية والواقع: أن حملة الأطفال تحتاج منا إلى وقفة، لأنها من أكثر الحملات الصليبية التي تعكس لنا روح ذلك العصر وطبيعته ومن الجلي البين أن الغرب الأوروبي في العصور الوسطى تعاظمت لديه الجوانب الغيبية وكذلك الرؤى والأحلام وكل ذلك من خلال تدين عاطفي لا يعطي للعقل أي مساحة فيه إلا القليل النادر، وهكذا أن آتون الحروب الصليبية يزجَ فيه بأطفال صغار أبرياً، كانوا جزء من الهوس الديني الذي شمل الغرب الأوروبي حينذاك، ودفعوا حياتهم ثمناً لكل ذلك والجدير بالذكر : أن القيادات السياسية وكذلك الكنيسة؛ لم تستطع دفعاً لذلك التوجه من جانب الأطفال، إذ أن ستيفن هذا لم يتمكن الملك الفرنسي فيليب أغسطس من أثنائه عن عزمه، وتكرر ذات الأمر بالنسبة لنيقولا الذي لم يتمكن البابا أنوسنت الثالث من إبعاده عن تلك الحملة الصليبية، على نحو يكشف لنا من حقيقة مهمة وهي، أن الهوس بالصليبية على مستوى الجماهير كان كبيراً وأصاب ذلك الهوس حتى الأطفال البسطاء بذلك، وقد صدقهم الرجال والنساء على الرغم من عدم معقولية تصوراتهم تلك ويلاحظ أنه فيما بعد تردد لدى البعض في الغرب الأوروبي أن شيخ الجبل قد شجع اثنين من الأساقفة المنشقين على الكنيسة اللاتينية على أن يهيئوا للصليبيين المذكورين تلك الرؤية ، ومن الواضح أن ذلك التصور جاء تبريراً لتلك السقطة التي انجرف إليها المجتمع الأوروبي في ذلك العصر، والأمر المؤكد؛ أن الصليبيية حينذاك اغتالت براءة الطفولة بصورة غير مسبوقة والحقيقة الأخرى أن قطاعات المجتمع الغرب أوروبي سواء الرجال والنساء والأطفال شاركوا في تلك الحركة التاريخية الكبرى ذلك شأن الحملة الصليبية للأطفال، غير أن الحركة الصليبية كان في جعبتها المزيد من سهام العدوان لتطلقها على المسلمين في الشام ومصر ونرى أن القادة للحملات الصليبية استغلوا العاطفة الدينية المتوهجة عند العامة وشيوع الرؤى والأحلام ووظفوها لخدمة مشروعهم الصليبي.
مجمع اللاتيران وجهود البابا إنوسنت الثالث
أدّت البابوية دوراً مهماً في الحملة الصليبية الخامسة فقد قام البابا إنوسنت الثالث (594 - 613ه/1198-1216م) بعمل صليبي ضخم وسعى جاهداً طوال مدة جلوسه على البابوية، أن يفرض سيطرته على الممالك النصرانية في أوروبا يوجَّهها وفق المصلحة النصرانية العامة، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير لدرجة أنه أصبح سيداً على كل ربوع أوروبا تقريباً،
الأسباب التى استطاع بها البابا إنوست الثالث للدعوة الى الحملة الصليبية الخامسة .
1)أن انتصار النصارى على المسلمين في موقعة العقاب (609ه/1212م) في أسبانيا شجعه على الدعوة للحملة الصليبية الخامسة، فأراد أن يتبع هذا الانتصار في الغرب بنصر آخر في الشرق ،
2) ورحبّت المدن الإيطالية التجارية بدعوة البابا نظراً لما يعود عليها من منافع تجارية على الرغم من أن العادل منح هذه الجمهوريات بعض الامتيازات في بعض الموانيء الإسلامية، وبخاصة في الإسكندرية، إلا أنهم كانوا يطمعون في الاستيلاء على هذه الموانيء
3)وهناك عامل اجتماعي آخر، أدَّى دوراً بارزاً في الاستجابة للدعوة البابوية، ذلك أن الحملات الصليبية كانت متنفساً للعامة في أوروبا ووسيلة للتخلص من الظلم الاجتماعي، ومن دفع الديون وفوائدها، فضلاً عن البحث عن مناخ أفضل للحياة،
4) بالإضافة إلى التكفير عن خطاياهم للقيام بالحملة المنتظرة،
وبدأ البابا يعد لعقد مجمع اللاتيران الكنسي في عام (612ه/1215م) والواقع أن الدعوة للمؤتمر والحملة بدأت في عام 610ه/1213م حين أرسل البابا مندوباً عنه إلى فرنسا، هو الكاردينال روبرت كورسون، من أجل هذه الغاية، وانتشرت الأنباء في فرنسا عن الحملة المرتقبة، وأبدى كثير من العامة، عن استعدادهم، للإنضمام إليها، وأعلن البابا أن المسلمين يستعدون على ما تبقَّى من الوجود الصليبي في الشرق، وأنه لا سبيل لصمود الصليبيين إلا بالمال والرجال، وطلب من كافة النصارى حمل السلاح للقضاء على المسلمين، وكتب إلى العادل في عام 612 ه/1215م) يطلب منه تسليم بيت المقدس ، ولم يعبأ الملك العادل بهذا الطلب، ولم يتوقع وصول حملة صليبية في القريب العاجل، بدليل أنه لم يستعد عسكرياً للتصدي للحملة المرتقبة وأنه كان في مصر عندما وصلت طلائعها إلى بلاد الشام في صيف عام 614ه/1217م .
انعقد المجمع في كنيسة لاتيران في روما بتاريخ 20رجب 612ه/11تشرين الثاني 1215م للنظر في بعض الشؤون الكنسية ومسألة توحيد الكنيستين الشرقية والغربية، فضلاً عن الإعدد للحملة الصليبية، وهو الهدف الرئيسي لانعقاد المؤتمر وحضر المؤتمر كبار رجال الدين، وكبار العلمانيين من الشرق والغرب وحشد كبير من المهتمين بالشؤون الدينية والسياسية.
وألقى البابا خطاب الافتتاح عبّر فيه عما تعانيه مدينة بيت المقدس تحت حكم المسلمين، وأن هؤلاء ينتهكون حرمات كنيسة القيامة ويتهكَّمون على صليب المسيح، وهذا تعبير تقليدي كلما أراد الصليبيون في الغرب، إرسال حملة صليبية إلى الشرق، وهو بعيد كل البُعد عن الحقيقة، وأوضح البابا أن المسلمين بنوا حصناً جديداً على جبل الطور، وهو المكان الذي شهد عظمة المسيح ومجده، وأنهم باتوا يهدَّدون عكا وهي آخر ما تبقّى من مملكة بيت المقدس وناقش المؤتمرون عّدة إقتراحات فيما يتعلق بإرسال حملة صليبية إلى الشرق، وقرروا أخيراً، أن تكون وجهتها مصر، فإذا نجحوا في طرد المسلمين من هذا البلد، فإنهم يفقدون أغنى إقليم لديهم، كما أنهم لن يستطيعوا المحافظة على أسطولهم في شرقي البحر المتوسط، والاحتفاظ ببيت المقدس، إذا تعرَّضوا للهجوم المزدوج من عكا ومن السويس وكان البابا يتجه إلى إرسال الحملة إلى بلاد الشام مباشرة، لتعويض الجهد الذي بدَّده رجال الحملة الصليبية الرابعة في القسطنطينية ، وتحَّدد تاريخ "ربيع الأول 614ه/حزيران 1217م، موعداً لانطلاق الحملة، وهو تاريخ انتهاء الهدنة مع المسلمين، على أن يكون ميناء برنديزي أو مسَّينا في صقلية مكاناً للتجمُّع، وأما الذين يفضَّلون الذهاب بطريق البر، فعليهم أن يكونوا مستعدين في ذلك التاريخ ، وطلب البابا من رجال الدين يتخلّوا عن منازعتهم وأحقادهم، وأن يكونوا قدوة حسنة للصليبيين ومن العلمانيين والكفَّ عن منازعاتهم وحروبهم لمدة ثلاث سنوات، حتى يسود السلام ربوع أوروبا وتتمكّن الحملة من القيام بالموعد المحَّدد وقَّدم إغراءات دينية لتشجيع الاشتراك في الحملة، ومنع التعامل التجاري مع المسلمين، وهدَّد كل من يخالف هذا القرار بالحرمان من الكنيسة .
موقف أباطرة وملوك أوروبا من الحملة
أرسل البابا، بعد اختتام أعمال المؤتمر، الدعاة إلى أوروبا للدعوة للحملة، وتركز هؤلاء في فرنسا وألمانيا، كما طافوا في إنكلترا وإيرلندا، وأسكتلندا، وكان على اتصال دائم بهم للوقوف على مدى نجاحهم في هذه المهمة، لكن البابا إنوسنت الثالث توفي في 28 ربيع الآخر 613ه/16تموز 1216م قبل أن يحقَّق أعز أمنياته، وهي استرداد بيت المقدس، ولم يمضي يومان على وفاته حتى تّم انتخاب خلف له وهو البابا هونوريوس الثالث (1216-1227م) الذي كرّس جهده، وجهد المجتمع الغربي نحو الحرب الصليبية، ورأى بأنه لابد من تهيئة المجتمع اللاتيني في الشرق، وإعداده لاستقبال الحملة المرتقبة، فأرسل الكاردينال جيمس فيتري إلى الشرق، وعيّنه أسقفا لمدينة عكا، وكلفّه الدعوة للحملة، وكتب إلى الملك يوحنا بريين يشجعه، ويؤكد له عزمه على إرسال الحملة، وأنه سوف يتمَّم العمل الذي بدأه سلفه، كما كتب إلى جميع الأساقفة ورجال الدين يحثُّهم على الاستمرار في الدعوة . ومن الملاحظ أن وفاة البابا إنوسنت الثالث لم تؤثر تأثيراً بالغاً على قيام الحملة وحث ملوك أوروبا على الاشتراك بالحملة، غير أنه لم يستجب إلا عدد ضئيل منهم، فقد وعد هنري الثالث ملك انكلترا بالذهاب مع الحملة، واعتذر فيليب أغسطس عن قيادة الحملة، وهو الذي أبد اهتماماً زائداً بالقضية الصليبية، وذلك بسبب انهماكه بمحاربة ما يسمى في ذلك العصر بظاهرة الهرطقة التي انتشرت آنذاك في جنوب فرنسا وفي أقصى الشمال، وعد الملك النرويجي أنجي الثاني في قيادة الحملة، لكنه توفي في أوائل عام 614ه/ربيع عام 1217م). أما الأمبراطور الألماني فريدريك الثاني فقد وعد البابا بالاشتراك في الحملة، وقام بنشاط ملحوظ لتعبئة المجتمع الألماني، وعلى الرغم من الآمال المعقودة عليه، فلم تظهر بوادر الوفاء بوعده، ثم اعتذر عن قيادة الحملة ووعد باللحاق بها، بحجة أن أوتوا الرابع ظهر مرة أخرى ليطالب بعرش ألمانيا؛ مما شكَل صدمة كبيرة للبابا، ولم يبق في أوروبا ممن وعدوا بالاشتراك في الحملة سوى أندريه الثاني ملك المجر.
طلائع الحملة – ملك المجر في بلاد الشام
تُعدُّ الجموع المجرية طليعة للحملة الصليبية الخامسة، فقد وصل الجيش المجري بقيادة الملك اندريه الثاني إلى سبالاتو في دالماشيا في شهر جمادي الآخرة عام 614ه/شهر أيلول 1217م ولحق به فيها ليوبولد السادس دوق النمسا، وأبحرا منها إلى عكا، حيث هبطا فيها في خـريف عـام 1217م ولحق بهم هيو ملك قبرص بكل ما استطاع أن يجنّده من العساكر وأرسل ليوبولد السادس فور وصوله إلى عكا، سفارة إلى بوهموند الرابع وأحضر معه بعض الأمراء الصليبيين، وتجمَّع لدى الصليبيين أكبر جيش عرفه الشرق الإسلامي منذ الحملة الصليبية الثالثة.
وعُقد مجمع للحرب في عكا في أواخر شهر رجب/أوائل شهر تشرين الثاني) لتحديد خطة التحرك، وتتلخَّص في قيام بعض القوات الصليبية بمهاجمة مدينة نابلس للتمويه على هدف الحملة وهو غزو مصر، بوصفها الطريق الوحيدة لهزيمة المسلمين في بلاد الشام واستعادة بيت المقدس، ولكن المجتمعين أرجأوا تنفيذ هذه الخطة بسبب قلة عدد القوات ولعدم توفر السفن اللازمة لنقل الجنود بحراً إلى دمياط، وهي المدينة التي حدّدوها لنزول قواتهم فيها وتناقش المؤتمرون في خطة أخرى تقضي بمهاجمة بيت المقدس، ولكن تبين تعذُّر تنفيذها لعدم توفر الماء الكافي لقواتهم عند هذه المدينة، وبعد أن تعذَّر على المجتمعين تنفيذ خطة مهاجمة دمياط، وبيت المقدس، قرروا مهاجمة مدينة دمشق ، فارتحلوا من عكا في 4 شعبان/6تشرين الثاني، وسلكوا مرج ابن عامر، وعندما علم العادل بتحركهم، وكان في مصر، خرج منها إلى فلسطين، فوصل إلى اللد والرملة، وتابع طريقه إلى نابلس آملاً في أن يقطع الطريق عليهم عند عين جالوت، وعندما علم الصليبيون بقدومه غيَّروا خطتهم واتجهوا نحوه ليقصدوه، وساروا إلى مدينة نيسان، في الوقت الذي سار فيه العادل إلى هذه المدينة أيضاً "لحماية أطراف البلاد مما يلي عكا" وقد سبقهم إليهاوصعد إلى تلك المدينة يراقب تقدمهم، وقد بلغ عددهم ما يقرب من خمسة عشر ألفا. ونتيجة لتفوق الصليبيين عليه في العدد أثر العادل تجنبُّ الاشتباك مع العدو، وانسحب من المدينة، فعارضه ابنه المعظم عيسى، فشتمه العادل وقال له: بمن أُقاتل؟ أقطعت الشام مماليكك، وتركت من ينفعني من أبناء الناس وعسكر في مرج الصَّفر وهو يتهيأ للدفاع عن دمشق، وعندما وصل الصليبيون إلى بيسان نهبوها، واستولوا على كل ما وقعت عليه أيديهم ، وتشجعوا بهذا النجاح فتمادوا في مهاجمة المنطقة الواقعة بين بيسان وبانياس، وتوغلوا في داخل الأراضي الإسلامية، وانتشرت جنودهم في القرى فوصلت إلى خسفين ونوى في حوران، وأطراف السواد، وقاموا بأعمال السلب والنهب، وحاصروا بانياس وتوغلوا في داخل الأراضي الإسلامية مدة ثلاثة أيام، ثم عادوا إلى عكا محملين بالغنائم والأسرى وبعد استراحة ثلاثة أيام بمرج عكا، توجهوا إلى مدينة صيدا، فأغاروا عليها، كما هاجموا شقيف أرنون ونهبوها، قبل أن يعودوا إلى عكا في 12شعبان/14تشرين الثاني والواضح أن الصليبيين لم يكن لهم هدف محددَّ، وساروا على غير هدى ولا شك بأن هذه الغارات المحدودة أزعجت المسلمين، وتسبَّبت في إرتفاع الأسعار، وخاف الناس، على أنفسهم وعزموا على مغادرة البلاد" واجتمعوا في المساجد للدعاء، ولم يطمئن أهل دمشق إلا بعد أن جاء المجاهد صاحب حمص إلى مدينتهم لنجدة عمه العادل الذي خرج لاستقباله، وكان يوماً مشهوداً ، كما أن العادل قلق أيضاً حتى أنه بعث "بأثقاله ونسائه إلى بصرى وأخذ يستعد للتصدي للصليبيين بعد أن جاءته الإمدادات، فجهَّز ابنه المعظمم عيسى صاحب دمشق بقوة من الجند، وأرسله إلى نابلس لمنع الصليبيين من الوصول إلى بيت المقدس ، لم يكن الملك يوحنا بريين راضياً بما حدث، ولم يقنع بضياع الجهود الصليبية في الغارات التي لا تعود إلا بالأسلاب والغنائم وكانت قلعة الطور من القلاع المتقدمة التي تهدَّد كيان مملكته، والتي من أجلها طلب مساعدة من الغرب الأوروبي، فرأى القيام بعمل عسكري ضدها، ويبدو أن هذا الرأي لم يحظ بموافقة الجميع فقد رفض كل من أندريه الثاني وهيو التعاون معه، وسانده بوهيموند الرابع، لذلك أعد من جانبه حملة لتدميرها، ولم ينتظر قدوم المساعدة من قِبل الجماعات الدينية العسكرية، مما أثَّر سلباً على قدرته القتالية .
وصلت هذه القوة إلى القلعة يوم الأربعاء في "18شعبان/20تشرين الثاني" ونفَّذت ضدها هجومين جاءت نتائجهما فاشلة ومن الواضح أن صمود المسلمين قد فتَّ في عضد الملك الصليبي فقرر الإنسحاب، وعاد إلى عكا في 6رمضان/7كانون الأول ومعه بعض الأسرى، لم يركن الصليبيون إلى الهدوء، ولم يقتنعوا بفشلهم العسكري، فرأوا القيام بعمل آخر لعلهم يحقَّقون من ورائه نصراً يستر دون به كرامتهم، فاتجهوا إلى مرجعيون وشقيف أرنون، وأثناء تواجدهم في هذه المنطقة، قرر دبونيس، ابن أخت الملك اندريه الثاني، مهاجمة منطقة البقاع، دون أن يحفل بنصيحة صاحب صيدا ودون أن يحصل على موافقة الملك يوحنا بريين، فتعرَّض لمصاعب جمَّة بسبب وعورة المنطقة وتلقَّى أهل البقاع قواته، وفاجأوهم واستولوا على خيولهم، فقتلوا قسماً منهم، وأسروا جماعة أخرى، وكان ديونيس من بين القتلى ولاذ من نجا منهم بالفرار ، ولم يقم الصليبيون بعمل عسكري ضد المسلمين بعد ذلك حتى قدومه الحملة الكبرى التي هاجمت دمياط. وقرَّر الملك أندريه الثاني في تلك الأثناء العودة إلى بلاده، أما ليوبولد السادس دوق النمسا، فإنه بقي في الشرق حيث تعاون مع الملك بريين وعلى هذا الشكل انتهت جهود الجموع المجرية دون أن تحقق أي إنجاز يُذكر فيما يتعلق، بالموقف في بلاد الشام سوى تدمير قلعة الطور، وقد هدمها العادل بنفسه نظراً لأنها سهلة المتناول، وليس ثمة ما يدعو للإبقاء عليها ، كما أن الملك أندريه الثاني تسببَّ في إلحاق الضرر بالصليبيين عندما رحل إلى بلاده ومعه عدد كبير من جنوده ، فقد كان الموقف يحتم عليه البقاء في بلاد الشام للإنضمام إلى القوات الصليبية القادمة، لمهاجمة دمياط أو للدفاع عن الممتلكات الصليبية، أثناء تواجد القوى الصليبية في مصر، والراجح أن تصُّرفه هذا كان أحد أسباب فشل الحملة الصليبية الخامسة .
استعدادات التجهيز
ظل العادل، الذي أضحى شيخاً متقدماً في السن، حتى آخر لحظة، يأمل في ألا تبلغ الحماقة بالصليبيين أن ينقضوا الصلح وبخاصة أنه توثَّقت العلاقات بينه وبين البنادقة الذين عقد معهم معاهدة تجارية في عام (604ه/1208م) ، وشاركه في هذه الآمال ابنه الكامل محمد، نائبه في مصر وفي الوقت الذي كان فيه القادة الصليبيون في عكا، يخططون لغزو مصر، بدأت القوات الصليبية القادمة من أوروبا تتوافد على عكا ابتداء من 27محرم 615ه/26 نيسان 1218م) وتجمّع في هذه المدينة عدد كبير من الصليبيين القادمين من أوروبا، وقد بلغ عددهم حوالي ثلاثين ألفاً، تألفوا من مجريين وإسكندنافيين ونمساويين وألمان، بالإضافة إلى القوات المحلية وبعض القوات من قبرص وعقد الملك يوحنا بريين مجلساً حربياً لترتيب الخطة العسكرية، كتحديد خط سير الحملة، وتدبير مسألة التموين، وإعداد العدد الكافي من السفن لنقل الجنود وتوفير المعدات العسكرية، وتحديد مهام كل مجموعة من الجند، كافة ما يلزم من الترتيبات لمثل هذا الهجوم الكبير الذي كانت أوروبا تخطط له منذ زمن بعيد ، ففيما يتعلق بخط سير الحملة، فقد تقرر أن تسلك الحملة طريق البحر لأن ذلك يُعطي الصليبيين قدراً أكبر من الأمان، لعدم وجود قاعدة كالتي توفرت لعموري الأول في عسقلان، وذلك يجعلهم يصلون بقواتهم كاملة دون التعرض لأخطار الطريق البري، كما أن هذه القوات تصل إلى هدفها وهي في حالة من الراحة تمكنَّها من القيام بعملياتها العسكرية بنشاط والجدير بالذكر أن هدف الحملة، مدينة دمياط، إحدى المدن الثلاثة الرئيسية في مصر، بالإضافة إلى أنها أفضل المواقع للهجوم على مصر كلها، فهي أقرب الموانيء المصرية إلى الصليبيين في بلاد الشام، كما أن فرع دمياط يمثل أيضاً طريقاً سهلاً للمواصلات التي تربطهم بقواعدهم في بلاد الشام من جهة وتمكنَّهم من غزو الدلتا كلها قبل التقدم إلى القاهرة للاستيلاء عليها.
وفيما يتعلق بقضية تموين الحملة، فقد زُوَّدت بالمؤن التي تكفيها لمدة ستة أشهر ، وتحمَّلت قبرص العبء الأكبر من هذه المواد التموينية وتقرر كذلك استعمال السفن الراسية في سواحل بلاد الشام وعددها حوالي ثلاثمائة سفينة؟ لنقل الجنود ودوابهم وآلاتهم ومعداتهم وفي هذا الوقت، الذي كانت تنُظم فيه الترتيبات، وصلت رسالة من البابا هونوريوس الثالث في 21 صفر عام 615ه/18آيار عام 1218م، تتضمَّن تعيين الكاردينال بيلا جيوس، أسقف ألبانو، مندوباً عنه في الحملة الصليبية، وطلب من الجميع طاعته .
- الصليبيون ينزلون دمياط
استقل الجيش الصليبي، الذي تعداده حوالي أربعين، ألفاً، السفن في في عكا بقيادة الملك يوحنا بريين بتاريخ (26صفر 615ه/23آيار 1218م) حيث وصل إلى دمياط بعد بضعة أيام، فنزل أفراده إلى البر، ونصبوا معسكرهم على الضفة الغربية للنيل المواجهة للمدينة، وقد وجدوها محصَّنة تحصيناً قوياً ، وتقع دمياط على مسافة ميلين من مصب نهر النيل، وتحميها من الخلف بحيرة تنيس ، كما كانت تمتد بعرض النيل، سلاسل من حديد عظام القدر والغلظ لتمنع المراكب الموصلة في بحر الملح من عبور أرض مصر ، هذا بالإضافة إلى إلى برج السلسلة، وهو بمثابة حصن وسط مجرى النيل لحماية المدينة، وصدَّ أي عدوان يقع عليها ، وقد حال دون تقدمهم، لذلك كانت مهمتهم الأولى هي الاستيلاء على هذا البرج ليتمكَّنوا من النزول على الضفة الشرقية للنيل جنوبي المدينة فيسهل عليهم مهاجمتها ، وقد فوجئ سكان دمياط بتواجد الصليبيين أمامهم يتحفزون للهجوم عليهم فاستعدوا للدفاع عن مدينتهم وقاموا بتخزين المؤن، وأرسلوا في الوقت نفسه، إلى الكامل محمد الذي تحرك على رأس جيشه، واتخذ طريقه صوب المدينة، كما طلب من وإلي الغربية أن يجمع سائر العربان وينضَّم إلى قواته، واستقر الجميع في المكان الذي سُمي بالعادلية ( تقع العادلية بين دمياط وفارسكو على الضفة للنيل)، جنوبي دمياط ليكون على اتصال بالمدينة من جهة ويمنع الصليبيين من العبور إليها من جهة أخرى .
- الوضع في بلاد الشام
عندما علم العادل بنزول الصليبيين في دمياط، وكان بمرج الصَّفر، انتقل إلى عالقين بظـاهر دمشق، وبدأ بإرسال العساكر إلى مصر، حتى أنه لم يبق عنده من العساكر إلا القليل ، وطلب من ابنه المعظم عيسى أن يغير على معاقل الصليبيين في بلاد الشام ليشغلهم عن دمياط ، كما طلب منه تخريب قلعة الطور على الرغم من أهميتها البالغة، وذلك لسببين:
الأول: استغلال ما فيها من الرجال والعتاد لنجدة دمياط.
الثاني: خشيته من استيلاء الصليبيين عليها، إذا ملكوا دمياط، فتكون سبباً في خراب الشام.
نفَّذ المعظم عيسى أمر والده بعد تردُّد ، وأرسل من في قلعة الطور إلى بيت المقدس، وعجلون، والكرك، تمهيداً لنقلهم إلى دمياط، وطلب العادل من ابنه الآخر الأشرف موسى أن يدخل الأراضي الصليبية لمهاجمتها وفعلاً هاجم الأشرف موسى، صافيتا: فخربَّ ربضها، ونهب رستاقها وهدم ما حولها، ثم هاجم ربض حصن الأكراد، لكنه اضطر إلى التوقف، وعاد إلى بلاده بفعل أن ابن عمه الأفضل علي استغل فرصة انهماكه بأمر الصليبيين وهاجم حلب للاستيلاء عليها، فأرسل العادل المجاهد أسد الدين شيركوه الثاني بدلاً عنه ، وفور عودة الأشرف موسى إلى حلب، أرسل قوة عسكرية إلى دمياط نجدة لأخيه بقيادة أبرز أمرائه، وهم سيف الدين كهذان، والمبارز بن خطلح ومبارز الدين سُنْقُر الحلبي.
8- بداية العمليات العسكرية والصراع على برج السلسلة: لم تنقطع المناوشات بين الطرفين منذ أن وطأت أقدام الصليبيين البر في دمياط، ولكنها لم تكن فعالة، وأدرك هؤلاء بنتيجتها فداحة الخطأ الذي ارتكبوه برسَّوهم على الضفة الغربية للنيل بدلاً من الضفة الشرقية، هذا فضلاً عن أنهم أضاعوا كثيراً من الوقت حيث نزلوا، مما أعطى المسلمين فرصة كافية للاستعداد والدفاع ، حتى صار عند الكامل من المقاتلة مالاً يكاد ينحصر عدده وقام الصليبيون في 26 ربيع الأول 615ه/22حزيران 1218م، بأول محاولة لاقتحام المدينة واقتربت قواتهم المهاجمة من أسوارها وقد تسبَّب هذا الهجوم الكبير في إثارة الرعب في نفوس السكان، ولكنهم صمدوا للدفاع عن مدينتهم عندئذ أدرك الصليبيون أنهم عاجزون عن الوصول إلى المدينة، فعادوا إلى معسكرهم، بينما ظلَّت قذائف المنجنيق تنهال عليها لإلحاق الضرر بها وتبين للقادة الصليبيين، بعد محاولتهم الأولى، أن برج السلسلة هو العقبة الرئيسية التي تحول دون تقدُّم السفن الصليبية، ويجب عليهم تذليلها، لذلك جهَّز فرسان الداوية سفينة، شحنوها بثلاثمائة مقاتل، ودفعوها للاصطدام ببرج السلسلة وتحطيمه، لكن محاولتهم هذه فشلت في تحقيق الغاية، واضطر المهاجمون إلى التراجع تحت ضغط الحجارة والنبال التي انهالت عليهم ، وكرّر الصليبيون هجومهم في أواخر ربيع الأول وأوائل ربيع الآخر/الأسبوع الأخير من حزيران، فقام ليوبولد السادس، دوق النمسا، ومعه بعض الفرسان من الأسبتارية، بمحاولة لتسلق أسوار المدينة، واستعمل في هذه المحاولة السلالم المتحركة المثَّبتة على السفن وانفصلت عنهم قوة عسكرية هاجمت برج السلسلة، لكن هذه المحاولة فشلت بفعل عدم تحملّ السلالم ثقل القوات الصليبية المهاجمة، كما أن النار الإغريقية التي استعملها المدافعون أبعدت الصليبيين عن البرج ولم ييأس الصليبيون، نتيجة فشلهم في اقتحام البرج والمدينة وأعدوا في "5ربيع الآخر/تموز" خطة أخرى لاقتحامها فجهزوا أربع سفن زوَّدوها ببعض الأبراج الصغيرة وثبتَّوها فوق سلالم متحركة لتضيق إلى الأبراج مزيداً من الارتفاع فهاجمت ثلاث سفن برج السلسلة وتمكنت من الرسو أمامه في حين هاجمت السفينة الرابعة المدينة، وبذل المهاجمون مجهوداً كبيراً كي يكفلوا النجاح لهذا الهجوم، إلا أن الخيبة كانت إلى جانبهم في هذه المحاولة أيضاً بفعل استماتة المدافعين وكانت خسارة الصليبيين كبيرة حيث غرف عدد كبير منهـم نتيجة تحطُّم السلاسل، بفعل ثقل الجنود المزوَّدين بالدروع الحديدية وابتهج المسلمون بهذا النصر، نتيجة للتجارب الفاشلة السابقة، عرض أوليفر بادن بورن مشروعاً جديداً للاستيلاء على برج السلسلة، يُعدُّ مبتكراً في الفنون العسكرية في ذلك الوقت المبكر، ويقي بإقامة برج على سفينتين أُحكم ربطهما معاً بالحبال، وجرت تغطيته بالجلد والنحاس الأحمر لحمايته من النار الإغريقية، ووضعوا فوقه سلمَّاً متحركاً حتى أضحى كالقلعة العائمة، هكذا أمكن مهاجمة برج السلسلة براً وبحراً ونُفَّذ الهجوم في 29 جمادي الأولى/ 24 آب) ونجح الصليبيون في الرسو في الجانب الشمالي الشرقي منه وأسندوا السلم المتحرك إلى جداره، كان يحمي البرج ثلاثمائة من المسلمين وجرى قتال عنيف بين الطرفين، ونجح الصليبيون في دخول برج السلسلة واستولوا عليه، وقطعوا السلاسل التي تعترض مجرى النهر، فأضحى بوسع سفنهم أن تجتاز النهر إلى أسواردمياط ولا شك بأن سقوط برج السلسلة في قبضة الصليبيين، وتحطيم تلك السلاسل التي تحمي مجراه، جاء خسارة كبرى للمسلمين ، وقد عد ذلك البرج، قفل الديار المصرية .
- وفاة الملك العادل
أرسل الكامل محمد إلى أبيه العادل، الذي كان لا يزال معسكراً قرب دمشق، يخبره بسقوط برج السلسلة، ويستنجد به، لكن هذا الأخير لم يتحمَّل الصدمة، فدق بيده على صدره أسفاً وحزناً، ومرض لساعته مرض الموت، ثم توفي يوم الخميس في 7 جمادي الآخرة 615ه/31 آب 1218م ، ونظراً لما قد يحدثه خبر وفاة العادل من تأثير على الروح المعنوية للجنود المسلمين المرابطين أمام دمياط، فقد أخُفي خبر الوفاة واستقر أولاده في إقطاعاتهم التي أعطاها لهم أبوهم، واتفقوا فيما بينهم على توحيد كلمتهم لمواجهة الموقف الصعب الذي نتج عن الغزو الصليبي لمدينة دمياط، والجدير بالذكر أن ابن العادل الأصغر، وهو المعظم عيسى، استقر في دمشق بينما خلف الكامل محمد أباه في حكم مصر، وقد وقع عليه عبء الدفاع عن دمياط وطرد المعتدين.
كان الملك العادل – رحمه الله – حازماً متيقظاً، غزير العقل سديد الأراء، ذا مكر شديد وخديعة، وصبوراً، حليماً، ذا أناة وتؤدة، يسمع ما يكره ويغضي عنه كأنه لم يسمعه، كثير البذل والخرج عند الحاجة لا يقف في شيء، وأما في غير وقت الحاجة فلا، عظمت هيبته في القلوب، واتسع ملكه وواتته السعادة، وكثير أولاده، ورأى فيهم ما يحب من اتساع الممالك والظفر بالأعدام وقال ابن واصل ولم يبلغنا عن أحد من الملوك الماضين أنه رأى في أولاده ما رأى، فإنه اجتمع في كل واحد منهم من النجابة والكفاية والشهامة والفضيلة مالاً مزيد عليه فهم
وكان للملك العادل فيما ذكره ابن واصل ستة عشر ولداً ذكراً سوى البنات ، ومن العجائب أنه لم يحضر وفاته أحد من أولاده وخلف سبعمائة ألف دينار عينا احتوى عليها المعظم .
- دور العلماء والفقهاء في الجهاد في عهد الملك العادل:
إن الفقهاء والعلماء في تلك الفترة حثوا أولى الأمر على التصدى للصليبيين، ونزلوا إلى ميدان الجهاد مقاتلين في سبيل الله، خالعين العمائم متزيين بزي الجند، حاملين السلاح دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، فكان في مقدمتهم الفقيه شهاب الدين بن البلاعي ، الذي كان أحد الجنود المقاتلين في صد الضربات العنيفة التي وجهها الصليبيون بغتة ضد مدينة حماة عام 601ه/1204ه ناقضين الهدنة المنعقدة بينهم وبين صاحب حماة في العام الماضي، فخرج إليهم صاحب المدينة الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب وقاتلهم وانضم إليه جموع العامة من أهل حماة، ولكن استطاع الصليبيون بعد قتال مرير أن يأسروا خلقاً كثيراً من أهل حماة وعادوا إلى بلادهم وكان الفقيه شهاب الدين أحمد بن البلاعي قد أبلى بلاءاً حسناً في ميدان المعركة، ورمى فارساً ووقعت فرسه، ولكنه سقط أسيراً، وحمل إلى طرابلس مع غيره من الأسرى، ولكن الظروف ساعدته على الهرب، ورمى بنفسه في البحر، ثم تعلق بجبال بعلبك، وجاء بعد شدائد إلى أهله سالماً والجدير بالذكر أن ابن واصل قال إن هذا الفقيه، كان أول أمره معمما ثم خلع العمامة وتزينا بزي الجند ، ولعل هذا يؤكد حمية وحرص الفقهاء على الجهاد بأنفسهم في سبيل الله، حماية للإسلام والمسلمين .
جهود الملك الكامل ابن الملك العادل للتصدي للغزاة
عندما علم الملك الكامل بنزول الصليبيين في جيزة دمياط، اتجه بجنده والعربان إلى دمياط وعسكر بالعادلية ، واتخذ كل الترتيبات لعدم تمكين الصليبيين من الاستيلاء على برج السلسلة الذي يعد مفتاح مصر، أو العبور إلى ضفة النيل الشرقية ، وأخذ يرسل الإمدادات لأهل دمياط، فضلاً عن قيامه ببعض العمليات العسكرية التي كان الغرض منها إشغال الفرنج وإشعارهم بوجود مقاومة من قبل المسلمين وصار يركب كل يوم مرات عديدة من العادلية إلى دمياط، لتدبير الأمور،ألا إن ذلك لم يمنع الصليبين من الاستيلاء على برج السلسلة وأنشأ الصليبيون قلعة قوية من السفن وجسراً متحركاً سحبوه بمحاذاة نهر النيل على حافة برج السلسلة، وقاموا بهجمات متلاحقة على البرج إلى أن تمكنوا من تحطيم السلسلة وتسيير السفن في مجرى النيل والاستيلاء على البرج 615ه/1218م بما فيه من مؤن وذخيرة وسلاح بعد قتال مستمر أربعة أشهر وظهر خلل واضح في العمليات الحربية بعد سقوط برج السلسلة، إذ اعتقد كثير من المحاربين الصليبيين أن مهمتهم قد انتهت، وأنهم أوفوا بقسمهم الصليبي، فانسحبوا عائدين إلى بلادهم، وأصبح الملك جان دي برين ينتظر وصول امدادات جديدة، وهي الإمدادات التي وصلت فعلاً بعد شهور وكان على رأسها الكاردينال بلاجيوس مندوبا عن البابا وقائداً للحملة .
وأعاد الملك الكامل حساباته بعدما لاحظ تزايد عدد الصليبيين يوماً بعد يوم، بسياسة الهجوم لا بسياسة الدفاع، محاولاً استنزاف القوات الصليبية وحرمانها من الراحة والهدوء فجهز قوة برية تدعمها عشرات السفن، هاجمت المعسكر الصليبي إلا أنها اصطدمت بخنادق الفرنج، وبهجوم معاكس يقوده الملك جان دي برير، فانسحب المسلمون وفشلت خطة الملك الكامل الهجومية، إلا أنه استمر في المقاومة وأرسل الرسل إلى مختلف مناطق العالم الإسلامي يطلب النجدة ونصب جسراً عظيماً ليمنع العدو به من سلوك النيل، فقاتلت الفرنج عليه قتالاً عظيماً حتى قطعوه، فأمر السلطان عند ذلك بتغريق عدة من المراكب في النيل، فمنعت مراكب الفرنج من سلوك النيل، فلما رأى الفرنج ذلك قصدوا خليجاً هناك يعرف بالأزرق، كان النيل يجري فيه قديماً، فحفروه وعمقوه فوق المراكب التي جُعلت في النيل، فأجروا الماء فيه إلى البحر المالح وأصعدوا مراكبهم فيه إلى موضع يسمى بوره على أرض جيزة دمياط ، مقابل المنزلة التي بها السلطان ليقاتلوه من هنالك، فلما صاروا في بوره حاربوه وقاتلوا في الماء وزحفوا إليه غير مرة، فلم يظفروا بطائل، ولم يتغير على أهل دمياط شيء لأن الميرة والإمداد متصلة إليهم، والنيل يحجز بينهم وبين الفرنج وأبواب المدينة مفتحة وليس عليها من الحصر ضيق ولا ضرر .
وعاود الصليبيون محاولاتهم اختراق دفاعات المسلمين ولكنهم لم ينجحوا، فتوقف القتال بعض الوقت لسوء الأحوال الجوية وأعاد المسلمون أنفسهم واستمرت دمياط آمنه بضعة أشهر .
آثار وفاة الملك العادل
لما علم العسكر بموت السلطان الملك العادل بالشام حصل عند بعضهم الطمع وكان في العسكر عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن المشطوب، وكان معظماً عظيماً في الأكراد الهكارية، فاتفق مع جماعة من جند والأكراد يتفادون إليه يطيعونه، على خلع الملك الكامل من السلطنة وأن يمُلكّوا الديار المصرية أخاه الملك الفائز إبراهيم بن الملك العادل ليصير لهم الحكم عليه وعلى البـلاد ولما أحس الملك الكامل بذلك فارق منزلته المعروفة بالعادلية ليلاً جريدة وتوجه إلى أُشمون طناح فنزل عندها، وساد الفزع أرجاء المعسكر الإسلامي ودبت الفوضى بين صفوف العسكر، وتركوا خيامهم وأسلحتهم وأموالهم ودوابهم ، وعندما وجد الجند أنفسهم دون قيادة انسحبوا من العادلية، تاركين وراءهم كل معداتهم وذخيرتهم وتمويناتهم التي كانوا قد أعدوها لقتال طويل ولما أصبح الفرنج ولم يروا أحداً من المسلمين على شاطئ النيل، فعبرو إلى بر دمياط، وملكوه آمنين بغير منازع ولا مدافع وكان ذلك في ذي القعدة، من هذه السنة وغنموا كل ما في معسكر المسلمين وكان شيئاً لا يُحدّ ولا يوصف وأصبح الملك الكامل في وضع حرج، وأصبحت الجبهة الإسلامية مهددة بالإنهيار إلا أن وصول الملك المعظم عيسى من الشام نجدة لأخيه بعد يومين من تمرد ابن المشطوب أنقذ الموقف، فقوى قلب الملك الكامل واشتد به أزره، ووعده الملك المعظم بإزالة جميع المفاسد وكان الملك الكامل قد عزم قبل وصول أخيه – على ما يقال – على مفارقة البلاد وتركها بيد الفرنج والتوجه إلى بلاد اليمن وكانت بيد ولده الملك المسعود صلاح الدين يوسف ولو ذهب إلى اليمن لكان كارثة كبرى ربما غيرت الموازين في مصر لمدة فثبته الملك المعظم وشجعه وركب الملك المعظم إلى خيمة عماد الدين بن المشطوب فاستدعاه ليركب معه ويسايره، فاستنظر ليلبس خفيه وثيابه فلم ينظره ولم يمهله، فركب معه وسايره إلى أن خرج به من العسكر، ثم سلمه إلى جماعة من أصحابه وأمرهم أن لا يفارقوه حتى يخرجوه من الديار المصرية وينفوه إلى الشام ووصل إلى حماة، وأقام عند صاحبها الملك المنصور مُديدة.. ثم بعدئذ بمدة أمر الملك الكامل أخاه الملك الفائز أن يمضي رسولاً لإحضار العساكر للجهاد، فمضى الفائز إلى حماة وحمل إليه الملك المنصور صاحبها شيئاً كثيراً، ثم مضى إلى الشرق فمات به ولما أخُرج عماد الدين بن المشطوب والملك الفائز من العسكر الكاملي، انتظم أمر السلطان الملك الكامل وقوى جنانه وكتب الملك الكامل إلى أخيه الأشرف موسى يستحثه على سرعة الحضور
وكتب إلى إخوانه يستعجلهم ويقول: الوحا الوحا العجل العجل، أدركوا المسلمين قبل تملك الفرنج جميع أرض مصر وظلت كتب الملك الكامل متواصلة في طلب النجدة لمساعدته على مقاومة الصليبيين المحاصرين لدمياط ، وهذا يدل على حرج موقف الملك الكامل وصعوبة أوضاع المسلمين وتوافدت النجدات على مصر، فوصل الملك الأشرف، ولكنه غادر مصر بعد ما ترك عساكره عند أخيه الملك الكامل ، وتتابع وصول المدد فتحسن موقف الملك الكامل، وأخذ يستعد لشن هجوم على الصليبيين، ولكنه تراجع لهبوب عاصفة شديدة عام 616ه/1219م وأما الفرنج فإنهم لما ملكوا بر دمياط احتاطوا بها براً وبحراً وأحدقوا بها، وأخذوا في محاصرتها، والتضييق عليها وامتنع دخول الأقوات إليها بالكلية، وكل ما جرى على المسلمين من مصائب كان بسبب حركة ابن المشطوب ونيته الردية، وحفر الفرنج على معسكرهم المحيط بدمياط خندقاً وبنوا عليه سوراً على عادتهم، وأهل دميـاط يقاتلونهم أشد قتال ويمانعونهم، وصبروا صبراً لم يُر مثله، وقلتَّ عندهم الأقوات وغلت الأسعار ولم رتب الملك المعظم القواعد بمصر عاد إلى بلاده واستمر الملك الكامل إلى آخر هذه السنة محارباً للفرنج منازلاً لهم، وهم محاربون لأهل دمياط منازلون لهم محدقون بدمياط، حائلون بينها وبين عساكر المسلمين، على ما كانت عليه الحال بعكا في أيام السلطان الملك الناصر صلاح الدين وكان الذي يدخل إلى دمياط من أصحاب الملك الكامل إنما يدخل عليهم بمخاطرة عظيمة، بأن يسبح في بحر النيل، وهو مملوء من مراكب العدو وشوانيهم وكان عند السلطان جاندار (هو الذي يستأذن السلطان قبل دخول الأمراء عليه للخدمة) يسمى شمايل (هو الأمير علم الدين شمايل) من أهل قرية من قرى حماه تسمى معرذفتين ( قرية تبعد مسافة 6 كيلو متر غربي مدينة حماه) ، كان من فلاحي هذه القرية، فوصل إلى أن خدم في الركاب السلطاني جانداراً وكانت عنده قوة نفس وشهامة، فكان يخاطر بنفسه ويسبح في النيل ومراكب الفرنج محيطة ويدخل إلى دمياط فيقوي قلوب أهلها عن السلطان ويعدهم وصول النجد لإزاحة العدو عنهم، ثم يأتي السلطان سباحة ويعلمه بأخبار أهلها عن السلطان، فحظي بذلك عند السلطان وتقدم عنده تقدماً كثيراً، حتى آل أمره، إلى أن جعله من أكبر الأمراء، وجعله أمير جاندار له وسيف نقمته وولاه القاهرة .
مساومات الملك الكامل على القدس:
تبين للملك الكامل محمد، بعد اصطدامه بالصليبيين، أن من الصعب عليه هزيمتهم، وإجلاءهم عن مصر بالقوة العسكرية وبالإمكانات المتوفرة لديه، فتحول من سياسة الهجوم أو الدفاع إلى فكرة عرض الصلح عليهم والواقع أن عدة عوامل دفعته للإقدام على هذه المبادرة لعل من أهمها:
1- استمرار تدفق الإمدادات والمؤن من الغرب الأوروبي وقبرص على الصليبيين، فقد حضر جوتييه، قائد جيش قبرص، ومعه بعض الفرسان، وانضم إلى القوات الصليبية المحاصرة مدينة دمياط، مما أعطى هؤلاء دفعا معنوياً وعسكريا، وقوَّى مركزهم أمام دمياط .
2- تعثر القوات الإسلامية في فارسكور، إذ أن مؤامرة ابن المشطوب، على الرغم من إحباطها، وإبعاد محركها، قد تركت تأثيراً سيئاً على الوضع المعنوي للقوات الإسلامية، فضلاً عما سادها من الاضطراب والفوضى .
3- تواتر الأخبار من الشرق عن تقدم الجيوش المغولية بقيادة جنكيز خان باتجاه الدولة الخوارزمية، مما أثار مشكلة الدفاع عن الجبهة الشرقية للعالم الإسلامي ضد المغول .
4- أنعشت أخبار ظهور المغول آمال الصليبيين، فقد اعتقدوا أنهم سيجدون في الزعيم المغولي حليفاً لهم ضد المسلمين.
5- تمُّدد الدولة الخوارزمية باتجاه الغرب حيث سيطر جلال الخوارزمي على الخليفة العباسي في بغداد، وتمادى في توغله في شمالي بلاد الشام لتحقيق أطماعه التوسعية على حساب الأيوبيين، وسلاجقة الروم.
6- حَرص المعظم عيسى على أن يعود إلى بلاد الشام، لأنه لم يكن راضياً عن تحركات أخيه الأشرف موسى في أقصى الشـمال، لذلك سـاند أخـاه الكامل محمد في السعي الودي للتفاوض مع الصليبيين
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:10 am

[size="5"]
[size="6"]الحملة الصليبية السادسة: [/size]
لم تحقق الحملة الخامسة التي قادها الملك جان برين هدفها، وانتهت بمعاهدة صلح وقعها الملك الكامل وقادة الصليبيين عام 618ه/1221م إلا أن نتائج الحملة لم تطمئن الملك جان دي برين، ولم تصرفه عن محاولات احتلال بيت المقدس فذهب بنفسه عام 619ه/1222م إلى إيطاليا لمقابلة البابا، ليشرح له ما آلت إليه أوضاع الفرنجة من سوء في بلاد الشام بعد فشل الحملة السابقة كذلك التقى الإمبراطور فردريك الثاني، وحثه على القيام بحملة جديدة على الشرق (الحملة السادسة) تنقذ موقف الصليبيين المتدهور ، ثم زار فرنسا وإسبانيا لإثارة حماس مليكهما للمساهمة في تخليص بيت المقدس من المسلمين وقد تحسنت مكانة الملك الكامل بعد خروج الصليبيين من دمياط عام 618ه/1221م واكتسب احترام العالم الإسلامي، وفرض سلطانه على الممالك الأيوبية، وتوقع أن يسير الأمراء والملوك الأيوبيون في فلكه، وأن يؤيدوا سياسته ومشاريعه المستقبلية، غير أن أخاه الملك المعظم حاول الخروج على طاعته، وتطلع لتوسيع أملاكه، فهاجم حماه واستولى على بعض أعمالها ، فأمره الملك الكامل بوقف العمليات العسكرية، ضد حماة، فامتثل الملك المعظم لتعليمات أخيه، وكظم غيظه ، إلا أن التوتر بين الملك المعظم وأخويه الكامل والأشرف استمر إذ اعتقد الملك المعظم أن أخويه السابقين تمالا عليه، وترجم ذلك إلى خلاف شديد، عندما عاد الملك الأشرف من مصر إلى خلاط ماراً بدمشق ولم يقبل ضيافة أخيه الملك المعظم، ونزل في سرادق والده وسعى الملك المعظم إلى إضعاف شوكة أخويه الكامل والأشرف، فدعم التمرد الذي قام به أخوه شهاب الدين على أخيه الملك الأشرف في خلاط، إلا أن الأخير نجح في احتواء التمرد، كذلك نجح الملك الكامل في عزل أخيه الملك المعظم عن سائر الأمراء الأيوبيين، ولما شعر المعظم بالخطر الذي يتهدده اتصل بخوارزم شاه لدعمه، فأعانه على أخيه الملك الأشرف موسى، ووعده بأن تكون له الخطبة والسكة في دمشق، وأقام الملك المعظم حلفاً مع صاحب إربل، وأرسل ولده الملك الناصر داود ليكون رهينة لديه دلالة على صدقه وأحس الملك الأشرف بخطر الدولة الخوارزمية الذي باتت تهدد الممالك الأيوبية قاطبةً، إذ أصبحت أملاكها تجاور أملاك الأيوبيين، فهرع الأشرف عام 623ه/1226م إلى أخيه المعظم طالباً منه العمل بسرعة لتوحيد جبهة البيت الأيوبي، أمام الخطر الخوارزمي ، فاستغل الأخير الفرصة وتمكن من إجباره على التعهد بمساعدته في الاستيلاء على حمص وحماه ومهاجمة الملك الكامل في مصر، ولكن الأشرف ما كاد يفلت من يد أخيه المعظم حتى "رجع عن جميع ما تقرر بينه وبين أخيه المعظم وتأول في إيمانه التي حلفها أنه كان مكرها عليها، وأكد تحالفه مع الكامل وأخبره بكل ما حدث .
نزاع الملك الكامل مع اخية المعظم عيسى
أدرك الملك الكامل الخطر الذي يتهدده من تحالف أخيه المعظم من خوارزم شاه، فكان أن رد على ذلك، بأن استعان بالإمبراطور فردريك الثاني، وأرسل له الأمير فخر الدين يوسف وتعهد له بمنحه بيت المقدس، وجميع فتوحات صلاح الدين بساحل الشام ، ليشغل بال أخيه المعظم ، لإضعاف شوكة المعظم وتحجيمه وقد أحسن الإمبراطور استقبال مبعوث الملك الكامل، ورد بسفارة مماثلة تحمل؛ هدية سنية وتحف غريبة، كان فيها عدة خيول، منها فرس الملك، بمركب ذهب مرضع بجوهر فاخر، واستقبل الملك الكامل مبعوث الإمبراطور بيراردوا بالسرور البالغ خارج القاهرة بنفسه وأكرمه إكراماً زائداً وأعد له هدية فاخرة فيها الكثير من تحف اليمن والهند وسرج من ذهب، وجوهرة بعشرة آلاف دينار، وكلف جمال الدين بن منقذ الشيرازي للسير بهذه الهدية وعرج مبعوث الإمبراطور على دمشق وطلب من الملك المعظم تسليم بيت المقدس، ولكن المعظم أغلظ له القول، وقال" قل لصاحبك ما أنا مثل الغير، وماله عندي سوى السيف وبادر الملك المعظم بتجهيز العساكر إلى نابلس ، لحماية القدس من مطامع الإمبراطور، وأنفق في هذه العساكر مبلغ تسعمائة ألف درهم . ولكن الموت عاجله عن عمر يقارب السابعة والأربعين عام 624ه/1227م وخلفه ابنه الملك الناصر داود، ولا شك أن وفاة الملك المعظم عيسى وضعت حداً لمشاكل الملك الكامل، فزالت مخاوفه، وأنهار التحالف بين خوارزم شاه وصاحب إربل والمعظم، فبدأ الملك الكامل يتطلع إلى ضم بلاد الشام تحت سلطانه .
شخصية الإمبراطور فردريك الثاني وطموحاته:
اشتد في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي التنافس الذي وصفنا نشأته في الفصل الأول من هذا الكتاب، بين البابوية والإمبراطورية المقدسة، فبينما كان الصراع على أشده بين الإسبانيين والمسلمين في الأندلس والمغرب، وبين الصليبيين والمسلمين في الشرق الأدنى، كان ثمة صراع آخر يدور في غرب أوروبا بين السلطة الكنسية والسلطة الزمنية، للفصل في أمر طالما أثار النزاع والجدل، أمر يلخصه هذا السؤال : من هو السلطان الأكبر البابا أم الإمبراطور؟ وكان بطل هذا الدور الجديد من أدوار ذلك الصراع الإمبراطور فردريك الثاني "الأنبرور" .
وتعد حياة فردريك الثاني من أهم النقاط المثيرة للجدل في تاريخ أوروبا بأسرها، فقد عاش عند مفترق الطرق التي تفصل الشرق عن الغرب، وشملت إمبراطورية ألمانيا بكل مقاطعاتها فضلاً عن إيطاليا وصقلية وهو ينحدر من عائلة هنشتاوفن من أب ألماني هو هنري السادس ملك ألمانيا وأم نصف إيطالية ونشأ وتربى في صقلية على مقربة من المؤثرات الإسلامية والبيزنطية، فنشأ فيلسوفاً محباً للجدل والرياضيات وأجاد ست لغات من بينها اللغة العربية، ونظم الشعر، وأغدق من ماله وعنايته لتشجيع العمارة والنحت والتعليم وهو إلى جانب ذلك جندي بارع وسياسي لبق إلى أقصى درجات اللباقة، مع الجرأة التي لا تخشى شيئاً، والنزعة الفكرية الجانحة إلى ميادين الفلسفة والفلك والهندسة والجبر والطب والتاريخ، وألف فردريك في البيزرة، علم تربية الطيور الجوارح وتدريبها على الصيد والقنص، كتاباً يعتبر أصلاً من أصول العلوم التجريبية في غرب أوروبا، واصطحب في أسفاره مجموعة من الفيلة والهجائن وعجايب المناطق الإستوائية الحارة من أنواع الحيوان، ولم تكن التقاليد المسيحية التي التزمها الناس في ذلك العصر مما يأبه له فردريك الثاني وفي الوقت الذي كان للبابا في الغرب الأوروبي المكانة الرفيعة السامية باعتباره خليفة القديس بطرس، نجد فردريك ينعته بالدجال ، وقد عرف عن فردريك الثاني حبه للمسلمين الذين نشأ بينهم في صقلية وقد دفع ذلك بعض الكتاب إلى اتهام فردريك بمحاباة الإسلام على حساب المسيحية، في حين ذهب البعض الآخر مثل فولتير ومونتسكيو إلى القول بأن كراهية فردريك الثاني للبابوية والكنيسة الغربية هي التي دفعته إلى حب الإسلام والمسلمين وعلى الرغم من أن فردريك الثاني قد بدا حياته السياسية بتحالفه مع البابوية وهو التحالف الذي أفاده إلى حد كبير ضد خصومه ومنافسيه في ألمانيا، إلا أن الأمور لم تلبث أن تعقدت بين الطرفين، بعد أن تأكدت البابوية أن فردريك غير قانع بصقلية وجنوب إيطاليا، وإنما أخذ يعمل على توطيد نفوذه في شمال إيطاليا، أي في إقليم لمبارديا وأنه اتخذ إيطاليا وصقيلة مسرحاً أساسياً لجهوده والتمكين لنفسه حقيقة أن فردريك قد حرص آنذاك على احترام مركز البابوية في إيطاليا، ولكن سيطرته على جنوب إيطاليا وشمالها كان نذيراً بوقوع الأملاك البابوية في وسط إيطاليا بين فكي الكماشة، مما جعل البابا يرتاب في سياسة فردريك وينظر إليها بعين ملؤها الشك والخوف وفي سنة 1215م أقسم فردريك للبابا انيوسنت الثالث أن يقوم بحملة صليبية ضد المسلمين ولما كان فردريك الثاني يميل للمسلمين ويعطيهم حقهم من الاحترام والتقدير لذلك لم يجد الدافع الذي يدفعه للخروج من بلاده على رأس حملة صليبية ضدهم، ومن ثم أخذ يعتذر للبابا مرة بعد مرة، والبابا يقبل عذره، وبعدما أصاب الحملة الصليبية الخامسة من الفشل حاول البابا هو نوريوس الثالث أن يوجد الدافع لدى فردريك للخروج في حملة صليبية ضد المسلمين، وأن يزيد في توطيد صلة فردريك بالأراضي المقدسة في فلسطين، فرتب البابا زواج فردريك من بولاند ابنة حنا دى برين، ووريثة عرش مملكة بيت المقدس الصليبية، واشترط البابا أن يتم الزواج في الشام وقد نفذ فردريك رغبة البابا وتم زواجه من بولاند، ولكن بدلاً من أن يذهب فردريك إلى الشام ويتم الزواج هناك، استدعى عروسه إلى صقلية، وعقب هذا الزواج اتخذ فردريك لقب ملك بيت المقدس باعتباره من حقوق زوجته وعلى الرغم من أن البابا جريجوري التاسع (1227-1241م) كان طاعناً في السن، إلا أنه امتاز بإرادة حديدية لا تفل فلم يقبل الأعذار التي دأب فردريك الثاني على ابتكارها من أجل تأجيل حملته الصليبية، وأصر على ضرورة رحيل الإمبراطور إلى الشرق فوراً، وإلا تعرض لعقوبة الحرمان ولم يجد الإمبراطور فردريك الثاني مفراً من الخروج في خريف سنة 1227م قاصداً بلاد الشام، خصوصاً بعد أن اتصل به الملك الكامل الأيوبي وأرسل له سفارة على النحو الذي سبق توضيحه، ووعده بتسليمه مدينة القدس مقابل بذل المساعدة العسكرية له ضد شقيقه المعظم وبذلك أوجد للإمبراطور الدافع الذي يخرج من أجل تحقيقه .
الامبراطور فردريك ونزاعه مع البابوية
وهكذا تهيأت الظروف لقيام الإمبراطور فردريك الثاني بحملة، ولم يكن استنجاد الملك الكامل الوحيد الذي حرك الإمبراطور فردريك الثاني للذهاب إلى الشام، وإنما كانت البابوية تضغط عليه ضغطاً شديداً للقيام بحملة صليبية جديدة، تصلح الوضع الذي نجم من فشل الحملة الصليبية الخامسة، وغني عن البيان أن تلك الفترة تعرف في التاريخ الأوروبي باسم عصر البابوية والإمبراطورية، نظراً لما احتدم من خلاف وما نشب من حروب بين السلطتين الدينية والعلمانية في غرب أوروبا، وكان الإمبراطور فردريك متخوفاً من تنفيذ وعده الصليبي لئلا يترك البابا حراً طليق اليد في العدوان على مصالح الإمبراطور أثناء غيابه، ولذلك أخذ فردريك الثاني يماطل البابوية ويؤجل مشروعه الصليبي .
1- سير الحملة الصليبية السادسة
ظل البابا هو نوريوس الثالث يلح على الإمبراطور فردريك للوفاء بوعده، والأخير يتباطأ، وفي عام 624ه/1227م أراد أن يلبي رغبة البابا، فأبحر من ميناء برنديزي (جنوب إيطاليا) على رأس حملة ضخمة ولكن الحمى أصابته، كذلك انتابت صفوف الجيش نوبة مرض مدة قصيرة من الزمن أثناء انتظارهم لعبور البحر، فعاد فردريك لكي يسترد صحته، وأثناء ذلك مات هو نوريوس الثالث، وتولى غريغوري التاسع، فاعتقد أن فرديك يتمارض ويتعمد المراوغة فأصدر قرار حرمان من الكنيسة ضده ، لقد فتح قرار الحرمان باب النزاع بين الطرفين الإمبراطور والبابا ولكن الإمبراطور أدرك أن مصلحته تقتضي القيام بحملة على بلاد الشام حتى يفوت على البابا إظهاره في صورة مسيحي عاق، ويبدو أن ظروف الشرق هيأت الجو للأمبراطور للقيام بحملته، كذلك، فإن شخصية الإمبراطور وافقت عقلية الملك الكامل وشخصيته، إذ توثقت العلاقات بينهما في عصر اشتد فيه العداء بين ملوك الصليبيين والمسلمين، وازدادت الحركة الصليبية عنفاً، إلا أن شخصية الملكين وما كان يحيط بهما من ظروف كان لها أثر كبير في توثيق هذه العلاقة الودية.

2- إقلاع الإمبراطور إلى بلاد الشام
أقلع الإمبراطور بحملته الصليبية في صيف 625ه/1228م على رأس جيش صليبي صغير ، استجابة للدعوة التي تلقاها من الملك الكامل بمنحه القدس، ولم ينس أنه خرج من بلاده محروماً من الكنيسة، وأنه اعتمد وعود الكامل له بإعطاء بيت المقدس لذلك لم يحضر جيشاً قوياً، فعرض بذلك على أوروبا التي استبدت بها الدهشة، صورة محارب قطعته الكنيسة خلف وراء أملاكه التي تعرضت لغزو جند البابا، الذين أعلن البابا غريغوري التاسع، كونهم محاربين صليبيين يقاتلون ملكاً غير مسيحي ، عرج فردريك الثاني على قبرص في طريقه إلى الشام، ليجعل الجزيرة تابعة للأمبراطورية الغربية بتبعية فعلية، وليقوى مركز في نظر الملك الكامل، واستقبل فردريك الثاني، استقبالاً طيباً، وأصبحت الجزيرة تابعة له وفقاً لقانون الإقطاع الحرماني، فبادر بتعيين نائب صقلي عنه في قبرص، وبث الحاميات في مختلف أنحاء الجزيرة، وعين موظفين ماليين لجمع الدخل والضرائب، وأبحر الإمبراطور فردريك الثاني في قبرص قاصداً عكا، فوصلها بعد أربعة أيام ولم يجد من غير اتباعه المباشرين إلا حظاً ضيئلاً من الطاعة وقدراً كبيراً من الإهانة ، ولعله من الغريب أن البابا أخذ يعمل على ألا ينجح الإمبراطور فردريك الثاني في احتلال بيت المقدس، حتى لا يكسبه ذلك شرفاً ونصراً بعد ما حرم، بل أن البابا حرض الملك الكامل على عدم تسليم المدينة المقدسة للأمبراطور.

3- وفاة الملك المعظم
استغل الإمبراطور وفاة الملك المعظم سنة 624ه/1226م فقام سنة 625ه/1227م بالاستيلاء على صيدا التي كانت مناصفة بين المسلمين والإفرنج وكان لهذه الوفاة، أثر كبير في تغيير مجريات الأحداث، فنحن نعرف أن الملك الكامل كان قد استدعى الإمبراطور عندما كان خائفاً من أخيه الملك المعظم، أما الآن وقد توفي الملك المعظم فقد زال الخطر الذي يشكله أكبر منافس له، فانتفت الحاجة إلى مثل هذا القرار.

4- المفاوضات بين الملك الكامل والأمبراطور فردريك الثاني:
عندما وصل الإمبراطور فردريك إلى عكا بعث رسوله إلى الملك الكامل، وأمره أن يقول له: "الملك يقول لك كان الجيد والمصلحة للمسلمين أن يبذلوا كل شيء .. ولا أجيء إليهم والآن فقد كنتم بذلتم لنائبي – في زمن حصار دمياط – الساحل كله، وإطلاق الحقوق بالإسكندرية وما فعلناه وقد فعل الله لكم ما فعل من ظفركم، وإعادتها إليكم، ومن نائبي؟ إن هو إلا أقل غلماني، فلا أقل من إعطائي ما كنتم بذلتموه له ؟
وحار الملك الكامل في الموقف الذي يجب أن يتخذه من الإمبراطور لأنه هو الذي دعاه إلى الشام، وألح عليه في المجيء إليها ليناصره على أخيه المعظم، واعداً إياه بقسم من أملاك هذا الخصم، فلما وصل إليها لم يعد في حاجة إلى مساعدته لأن المعظم كان قد توفي، وغدت الأملاك الموعودة جزءاً من مملكته وأصبح من واجبه أن يدافع عنها، إن لم يكن بعامل الرغبة في المحافظة عليها فبعامل الحفاظ على سمعته أمام جماهير المسلمين
يصف ابن واصل الموقف فيقول : تحير الملك الكامل، ولم يمكنه دفعه ولا محاربته، لما كان تقدم بينهما من الإتفاق، فراسله ولاطفه ويبدو أن الكامل أحس بأنه ليس من مصلحته ولا مصلحة البيت الأيوبي أن يصطدم بالصليبيين بالشام في تلك المرحلة التي تعرض فيها لتهديد الخوارزمية ومن ورائهم المغول، فأراد أن يطيل أمد المفاوضات بينه وبين فردريك والمعروف أن الهدنة التي تمت عقب جلاء الصليبيين عن مصر لا ينتهي أجلها إلا في نهاية 626ه/1229م وأدرك الأمبراطور أن موقف الملك الكامل أصبح على غير ما كان ينتظر ولكن ما العمل؟ وهو الذي خرج من بلاده محروماً من الكنيسة، مغضوباً عليه من البابوية، معتمداً على وعد الكامل به بإعطائه بيت المقدس لاستعادة نفوذه في أوروبا، ولو كان الأمبراطور يعلم أن الكامل سينكث بوعده لما خرج إلى الشرق أصلاً أو لكان استقدم معه جيشاً قادراً على الغزو والحرب ضد المسلمين، أما الآن فإن عدد جنوده لا يزيد على خمسمائة فارس وهو لا يعتمد على أية مناصرة من القوى الصليبية في الشام، لأن هذه القوى تأبى القتال تحت لواء محروم من الكنيسة مطرود من رحمتها، أما إذا عاد إلى أوروبا بدون أن يحقق أي انتصار، فإنه سيعطي خصومه، وبالأخص بالبابوية سلاحاً قوياً للسخرية منه والتشهير به، فالمسألة بالنسبة إليه إذن: كانت تعني مستقبل عرشه في الغرب الأوروبي ومصير المعركة بينه وبين البابوية ، وهو لم يتردد في التصريح لأصدقائه من المسلمين في الشرق بأنه : ماله غرض في القدس ولا غيره، وإنما قصده حفظ ناموسه عند الفرنج ، وزاد من حرج موقف الإمبراطور فردريك أن البابا غريغوري التاسع أخذ يرسل الكتب سراً إلى ملوك بني أيوب بوجه عام – والسلطان الكامل بوجه خاص – محرضاً إياهم على عدم تسليم بيت المقدس للأمبراطور، ولا عجب في ذلك الموقف الذي اتخذته البابوية إذ كانت المعركة بينهما وبين الأمبراطورية في الغرب أهم في نظرها من المعركة بين المسلمين والصليبيين في الشام ، وأنه لو قدر لفردريك الانتصار في مهمته، فإن ذلك سيكون في نظر المعاصرين بمثابة حكم الله للأمبراطور المحروم ، لم يبق للأمبراطور فردريك الثاني أمام هذا الموقف الحرج سوى سلاح المفاوضة والاستعطاف واستخدام كافة وسائل الدبلوماسية للوصول إلى غرضه والعودة إلى الغرب الأوروبي مرفوع الرأس، فأرسل إلى الملك الكامل سفارة من رسولين تحمل له هدايا نفيسة من منسوجات حريرية وأواني ذهبية وفضية، مطالباً إياه بتحقيق وعده تسليم بيت المقدس، فبعث إليه الكامل رسوله الأمير فخر الدين الذي سبق أن حمل إليه دعوة ملك مصر للقدوم إلى الشام، مرحباً به ومقدماً إليه هدايا ثمينة، ومصارحاً إياه في الوقت نفسه بأنه كان سيعطيه بيت المقدس ثمناً لمناصرته إياه على أخيه المعظم، أما وقد تبدلت الظروف ولم يعد في حاجة إلى هذه المناصرة، فإنه لا يستطيع التفريط في بيت المقدس، لأن ذلك سيثير عليه نقمة المسلمين، وإزاء تنكر الكامل لوعوده ساء موقف فردريك الثاني لاسيما بعد أن جاءته الأخبار من الغرب بأن البابا استغل فرصة غيابه واعتدى على ممتلكاته، فأخذ يرجو الملك الكامل ويستعطفه، حتى قيل أنه كان يبكي في بعض مراحل المفاوضات وليس أدل على تذلل الإمبراطور من الكلام الذي جاء في رسائله إلى الملك الكامل: أنا أخوك واحترام دين المسلمين احترامي لدين المسيح، وأنا وريث مملكة القدس، وقد جئت لأضع يدي عليها، ولا أروم أن أنازعك ملكك، فلنتجنب إراقة الدماء .
وجاء في رسالة أخرى: أنا مملوكك وعتبقك، وليس لي عما تأمره خروج، وأنت تعلم أني أكبر ملوك البحر، وقد علم البابا والملوك باهتمامي وطلوعي فإن رجعت خائباً انكسرت حرمتي بينهم، وهذه القدس فهي أهل اعتقادهم وضجرهم، والمسلمون قد أخرجوها فليس لها دخل طائل، فإن رأى السلطان أن ينعم علي بقبضة البلد الزيارة، فيكون صدقة منه، ويرتفع رأسي بين ملوك البحر.. واستمر الأمبراطور في الاستعطاف، ولم تلبث الاستعطفات أن أتت أكلها وأفلحت في التأثير في الكامل كان الكامل يريد أن يتنصل من وعوده، إذ كانت هذه الحملة لا تشكل أي خطر على المسلمين لذا تجمدت الاتصالات بين الملك الكامل والإمبراطور خمسة أشهر وأثناء ذلك شرع الإمبراطور في عمارة صيداً وكانت مناصفة بين المسلمين والفرنج، وسورها خراب فاستولى عليها وعمرها، ثم عاود الاتصال بالملك الكامل وتدلل إليه وأخذ يرجو ويستعطف كما مّر معنا وقام فردريك الثاني بتحصين يافا، جاء بمثابة مظاهرة عسكرية، جعلت الملك الكامل يخشى قيام فردريك وبقية الجموع الصليبية بالشام بعمل حربي ضده، وهو الشعور الذي فسره المقريزي بقوله: إن الكامل خاف من عائلته عجزاً عن مقاومته وكان الدخول في حرب ضد الإمبراطور والصليبيين عندئذ تعني بالنسبة للملك الكامل وقوعه بين ثلاثة أعداء هم : ابن أخيه الملك الناصر داود من ناحية، والخوارزمية التي استنجد بها الناصر داود من ناحية ثانية، وفي ضوء هذه الحقائق كلها، وتحت تأثير رسول الملك الكامل في المفاوضات الأمير فخر الدين يوسف بن الشيخ، تنازل عن بيت المقدس .

5 - صلح يافا
أخيراً عقد الملك الكامل في ربيع الأول 627ه/شباط 1229م اتفاقية مع الإمبراطور فردريك الثاني، عرفت بصلح يافا ، وحضر مراسيم توقيع الاتفاقية من الجانب الأيوبي فخر الدين وأخوه كمال الدين ولدي شيخ الشيوخ، والشريف شمس الدين الأرموي ت 630ه/1232م قاضي العسكر، والصلاح الأربلي والأمير صفي الدين بن سودان ومن الجانب الإفرنجي هرمان سلزا رئيس الطائفة الألمانية، وتوماس فون أكوين والجراف فون أكبر وكتبت صيغة الاتفاقية باللغتين العربية والفرنسية ، ووقع عليها الطرفان وحلفا على التزامها ووقع الإمبراطور عليها بعد أسبوع، فيما وقع على بنودها الملك الكامل في الوقت نفسه ، وتم تسليم بيت المقدس للصليبيين في شهر ربيع الأول 626ه/شباط 1229م وشمل الاتفاق البنود التالية:
أ- مدة الاتفاق عشرة سنوات ميلادية.
ب- تبقى المناطق التي أخذها الصليبيون قبل الصلح بأيديهم وتشمل قلاع الشقيف، وتبنين وجبلة وكوكب وبيروت، وصيدا، ويافا، والمجدل، واللد، والرملة وعسقلان، وبيت جبريل .
ج- تبقى بيت المقدس خربة، ولا يجدد سورها ، وتكون قراها للمسلمين، وتكون تابعة للوالي بالبيرة الواقعة شمال القدس.
د- يبقى المسجد الأقصى والصخرة بيد المسلمين ويمارسون فيها الشعائر الدينية من أذان وصلاة ، ويتولاها قوام مسلم، ولا يدخلها الصليبيون إلا للزيارة .
هـ - يأخذ الصليبيون بيت المقدس، والناصرة، وبيت لحم.
و- يعطي للصليبيين بعض القرى الواقعة على الطريق من عكا إلى القدس ، حتى لا يتعرض الصليبيون القادمون من عكا لزيارة القدس للعدوان، وتبقى سائر المدن والقرى بين المسلمين .
س- إطلاق سراح الصليبيين ومن ضمنهم الأطفال الذين أسروا في حملة الأطفال السابقة
ش- تعهد الإمبراطور المشاركة في الدفاع عن الملك الكامل ضد أي عدو حتى ولو كان من الإفرنج،
ك - تعهد أيضاً عدم تقديم أية مساعدة لحكام انطاكيا وطرابلس، وحكام المناطق الإفرنجية الأخرى في بلاد الشام

وسرعان ما وضعت هذه الاتفاقية موضع التنفيذ، فنودي بالقدس بخروج المسلمين منه، وتسليمه إلى الفرنج ، وأعلن فردريك الثاني في جنوده: أشكروا الله وأحمدوه، إذ أتم عليكم نعمته، وإن إتمامها كان معجزة من الله وليس نتيجة الشجاعة أو الحروب، وما أتمه الله لم تستطع قوة من البشر على الأرض إتمامه لا بكثرة العدد، ولا بالقوة ولا بأية وسيلة أخرى .

6 - امراء البيت الايوبى وموقفه تجاه الصلح
أطمأن الملك الكامل من ناحية الفرنج، ولكي يضمن ولاء أمراء البيت الأيوبي قام بتوزيع الأموال عليهم، فمنح أخاه العزيز عثمان صاحب بانياس خمسين ألف دينار ، وأعطى ابنه الظاهر غازي عشرة آلاف دينار وقماشاً نفيساً وخلعاً سنية، وقدم إلى الأمير عز الدين ايدمر المعظمي عشرين ألف دينار وأقطعه بمصر، فتستروا على تسليم بيت المقدس وتفريط الملك الكامل بها، أخذ القادة المسلمون بأسلوب الملك الكامل في توزيع الملك لكسب ولاء المتنفذين في مختلف الأقطار والتستر عليهم لقد أرضى الملك الكامل الإمبراطور خوفاً من غائلته، وعجزاً عن مقاومته، وصار يقول: إنا لم نسمح للفرنج إلا بكنائس والمسجد على حاله، وشعار الإسلام قائم، ووالي المسلمين متحكم في الأعمال والضياع ، واعتذر ملك الفرنج للأمير فخر الدين بقوله: ولولا أخاف انكسار جاهي، ما كلفت السلطان شيئاً من ذلك، وأنه ماله غرض في القدس، ولا غيره وإنما قصد حفظ ناموسه عند الفرنج وقد رأى الكامل أن شقاق الإمبراطور يفتح له باب محاربة الفرنج، ويتسع الخرق، ويفوت عليه هدف ما خرج بسببه فرأى أن يرضى الفرنج بمدينة القدس خراباً، وأنه قادر على انتزاعها متى شاء .

7- زيارة الإمبراطور لبيت المقدس
استأذن الإمبراطور فردريك الثاني من الملك الكامل زيارة بيت المقدس فأجابه الملك الكامل إلى ما طلبه، وسير القاضي نابلس في خدمته، ومرافقته، فسلمه مفاتيح المدينة المقدسة، وسار معه إلى المسجد الأقصى، طاف معه المزارات التي في الصخرة،
وقد وصف سبط ابن الجوزي زيارة الإمبراطور فقال: ولما دخل الأمبراطور قبة الصخرة، رأى قسيساً قاعداً عند الصخرة يأخذ من الفرنج قراطيس فجاء إليه الأمبراطور كأنه يطلب منه الدعاء، فلكمه فرماه إلى الأرض وقال يا خنزير: السلطان تصدق علينا بزيارة هذا المكان، وأنتم تفعلون فيه هذه الأفاعيل؟ لئن عاد ودخل واحد منكم على هذا الوجه لا قتلته ،
ونظر الأمبراطور إلى الكتابة في القبة وهي: طهّر هذا البيت المقدس صلاح الدين من المشركين "فقال" : ومن هم المشركون؟ ثم قال الامبراطور للقوم، هذه الشباك التي على أبواب الصخرة من أجل ماذا؟ قالوا لئلا يدخلها العصافير فقال أتى الله إليكم بالخنازيروكان الملك الكامل قد أمر القاضي شمس الدين قاضي نابلس أن يأمر المؤذنين ما دام الأمبراطور في القدس أن لا يصعدوا المنابر ولا يؤذنوا في الحرم، فنسي القاضي أن يُعْلم المؤذنين، فصعد المؤذن عبدالكريم تلك الليلة، وقت السحر والأمبراطور في دار القاضي، فجعل يقرأ الآيات التي تختص بالنصارى كقوله" ما اتخذ الله من ولد" ونحوها،
فلما طلع الفجر استدعى القاضي المؤذن عبدالكريم، وقال له " ماذا فعلت ؟ السلطان رسم كذا، وكذا، فلما كانت الليلة التالية ما صعد عبد الكريم المأذنة، فلما طلع الفجر استدعى الامبراطور القاضي شمس الدين فقال له : يا قاضي أين ذلك الذي طلع بارحة أمس المنارة، فعرفه أن السلطان أوصاه بوقف الأذان، فقال الامبراطور: أخطأتم يا قاضي، تغيرون أنتم شعاركم وشرعكم ودينكم لأجلي، فلو كنتم عندي في بلادي، هل كنت أبطل ضرب الناقوس لأجلكم، الله الله لا تفعلوا هذا، هذا أول ما تنقصون عندنا ، ويلاحظ أن الملك الكامل أخطأ بوقف الأذان والتسبيح حتى أن الإمبراطور عاب عليه هذا التصرف، وأوضح أنه كان يرغب في سماع أذان المسلمين وتسبيحهم في الله، وقد اعتقد العيني أن الأمبراطور كان يبطن السلامة ويتلاعب بالنصرانية ، وذكر المقريزي أن الأمبراطور قال: والله إنه كان أكبر غرضي في المبيت بالقدس أن أسمع أذان المسلمين وتسبيحهم في الليل وعندما دخل الأمبراطور بيت المقدس اتجه إلى كنيسة القيامة، وتوج نفسه بيده، وقد فسر المؤرخون ذلك بما يلي:
أ- رفض رجال الدين تتويج إمبراطور محروم من الكنيسة.
ب- آثر الإمبراطور تتويج نفسه حتى يثبت للبابا ورجال الدين أنه تسلم التاج في هذا المكان البالغ الأهمية "كنيسية القيامة" دون حاجة لرجال الدين أو البابا

وأثناء وجود الإمبراطور في بيت المقدس وصلها أسقف قيسارية، ليوقع قرار الحرمان على المدينة المقدسة، فاستاء الإمبراطور لذلك، وعدها إهانة كبيرة لشخصه وعلم بمؤامرة ضده، فغادر المدينة بعد يومين، ولم يغير من شعائر الإسلام شيئاً وأحسن إلى أهلها، فذهب إلى يافا، ثم اتجه إلى عكا، ومن ثم غادرها بحراً إلى قبرص ليقضي فيها بضعة أيام، وأخيراً سافر إلى إيطاليا فوصلها 626ه/1229م .

8-ردود فعل الأمة الإسلامية من تسليم بيت المقدس:
أثارت هذه المعاهدة موجة عارمة من السخط والأسى في الرأي العام الإسلامي كله، وعند الفقهاء والعلماء بوجه خاص، وقد اعتبر المسلمون أن تسليم بيت المقدس للصليبيين بهذه السهولة يعتبر تفريطا في حق الإسلام والمسلمين وأصبحت هذه المعاهدة وصمة عار في جبين البيت الأيوبي بصفة عامة، وللملك الكامل محمد بصفة خاصة وأخذ العلماء يحركون العامة للضغط على أمرائهم لإستعادتها وكان لكثير منهم مجالس علمية ركزوا في بعضها على ذكر فضائل بيت المقدس، وفضائل الجهاد، كما أن بعضهم عمد إلى إنشاد الشعر في هذه الحادثة والتشنيع على الكامل وتحريك العامة والخاصة للعمل على إستعادة القدس، ومن ذلك ما كان يجري في جامع دمشق من تجمعات ودروس لتحريك الناس للضغط على الكامل، كما كانت تنشد فيه الأشعار لهذه الغايةوعندما وصلت هذه الأنباء إلى دمشق توغرت قلوب المسلمين بها على الملك الكامل محمد واجتاحتها حالة عارمة من السخط العام، لدرجة أن المسلمين أقاموا المآتم حزناً على تسليم القدس للصليبيين وأخذ الملك الناصر داود بن المعظم في التشنيع على عمه الكامل محمد وطلب من العالم الشيخ شمس الدين يوسف سبط ابن الجوزي الواعظ، أن يجلس بجامع دمشق للوعظ، ويندد بما فعله عمه الكامل، ويثير الناس ضده، وأمره أن يذكر في وعظه فضائل القدس، وما ورد فيها من الأخبار والآثار، ويوضح للناس العار والوصمة التي لحقت بالمسلمين من جراء ذلك التصرف، فنفذ ما طلب منه وكان يوماً مشهوداً لم يتخلف من أهل دمشق أحد وكان قد ورد في وعظه :
وانقطعت عن البيت المقدس وفود الزائرين يا وحشة المجاورين،
كم كان لهم في تلك الأماكن من ركعة، كم جرت لهم على تلك المساكن من دمعة،
تالله لو صارت عيونهم عيوناً لما وفت، ولو انقطعت قلوبهم أسفاً لما شفت،
أحسن الله عزاء المؤمنين، يا خجلة ملوك المسلمين،
لمثل هذه الحادثة تسكب العبرات، ولمثلها تنقطع القلوب من الحسرات،
ويذكر القاضي ابن واصل أنه كان حاضراً في هذا المجلس، فيصفه بقوله: وعلا يومئذ ضجيج الناس وبكاؤهم وعويلهم، وحضرت أنا هذا المجلس .
وحضر المؤذَّنون والأئمة الذين كانوا في الصخراء والمسجد الأقصى إلى باب دهليز الملك الكامل، فأذنَّوا على باب الدهليز في غير وقت الأذان، فعسر ذلك على الكامل وأمر أتباعه بأخذ ما معهم من أثاث المسجد وطردهم ورُبمَّا كان هذا الاعتراض المباشر الوحيد الذي جُوبه به الكامل من قبل مؤذَّنين والأئمَّة لا حول لهم، ولا قوَّة، وإذا كان الاستحكار الرَّسمي معدوماً أو خجلاً فقد كان الاستنكار الشعبي قوياً جداً إلى درجة اضطر الملك الكامل لتسيير رسله إلى البُلدان لتسكين الناس، وكذلك أرسل إلى الخليفة يُبَّرر له ما فعل.

9- معالجة الملك الكامل لموقف المسلمين الرافضين للصلح:
أدرك الملك الكامل محمد أن الرأي العام الإسلامي كله ضد تسليمه بيت المقدس للصليبيين وأنه في مركز حرج لا يحسد عليه ولذلك أخذ يدافع عن سبب لجوئه إلى هذا التصرف وبعث رسله إلى بعض الأقطار الإسلامية لتسويغ ذلك فأرسل جمال الدين الكاتب الأشرفي إلى البلاد الشرقية.. وإلى الخليفة العباسي : لتسكين قلوب الناس وتطمين خواطرهم من انزعاجهم لأخذ الفرنج القدس ، وكان الملك الكامل يعتقد أن الفرنج لا يمكنهم الامتناع بالقدس مع خراب أسواره، وأنه إذا قضى غرضه واستتبت الأمور له، كان متمكنا من تطهيره من الفرنج وإخراجهم منه وقال الكامل: وإنا لم نسمح لهم إلا بكنائس، وأدر خراب، والحرم، وما فيه من الصخرة المقدسة وسائر المزارات بأيدي المسلمين على حاله وشعائر الإسلام قائم على ما كان عليه ووالي المسلمين متحكم على رساتيقه وأعماله .
لقد أساء تصرف الملك الكامل في تفرطه في القدس، إذ كان يساوم عليه كلما أحس بالخطر الذي يهدد مركزه، فكان حريصاً على الاحتفاط بحكم مصر، ومستعداً لتقديم التنازلات للإفرنج، وهذا يتناقض مع قوله أنه غير مستعد للتفريط بالمدينة المقدسة في رسالة بعث بها لأخيه الملك الأشرف عام 625ه/1227م : إنني ما جئت إلى هذه البلاد إلا بسبب الإفرنج، فإنهم لم يكن في البلاد من يمنعهم عما يريدونه .. وأنت تعلم أن عمنا صلاح الدين فتح بيت المقدس، فصار لنا بذلك الذكر الجميل.. فإن أخذه الإفرنج حصل لنا من ذلك سوء الذكر... وأي وجه يبقى لنا عند الناس وعند الله .
ولا شك أن قول الملك الكامل كان للاستهلاك، وينافي استعداده للتفريط في القدس لقد كان جيش الإمبراطور فردريك الثاني ضعيفاً، قليل العدد، وتأييد الصليبيين له ضعيفاً، فلم يحسن الكامل استغلال هذا الموقف وقدم بيت المقدس للفرنج على طبق من ذهب، من أجل تحقيق أطماعه في الشام، ولم يغفر له معاصروه هذه الزلة الشنيعة حتى أن بعض أمراء جيشه عارضوه ومنهم الأمير سيف الدين بن أبي زكري الذي أشار عليه بإبقاء دمشق لابن أخيه الناصر داود، والاتحاد مع أخيه الأشرف، فيجتمع الثلاثة ويقاتلون العدو "فإما لنا وإما علينا، ولا يقال عن السلطان إنه أعطى الفرنج القدس ولكن السلطان غضب عليه، وأمر باعتقاله وأرسله إلى مصر حيث سجنه واستمر رفض الجماهير الإسـلامية للاتفاقية، وامتد إلى درجة جزع منها الملك الأشرف فأرسل إلى أخيه الكامل يلومه ويعاتبه .

10- تبدل موازين القوى العسكرية عند الأيوبيين:
كانت وفاة صلاح الدين الأيوبي نهاية مرحلة تاريخية وبداية مرحلة جديدة وثمة مراحل تاريخية ترتبط فيها أمور البلاد والعباد بالشخصية الكارزمية للحاكم أو الصفوة الحاكمة، وتتمثل خطورة مثل هذه المراحل في أن غياب الحاكم ذي الصفات الأخلاقية السامية، وعدم وجود خليفة له يحمل نفس صفاته، يؤدي بالضرورة إلى تدهور المشروع الذي كّرس نفسه له، أو سير الأمور في اتجاه معاكس للاتجاه الذي يسير فيه والناظر في تواريخ الأمم والشعوب، سيجد أن هذه الحقيقة تصدق على كافة شعوب الأرض، ولم تنج منها غير الشـعوب التي تمكنـت من أن تقيم المؤسسات الدستورية والقانونية ، فحين توارت شخصية صلاح الدين من على مسرح الأحداث حدث فراغ عسكري وسياسي كبير أضّر بالجانب الإسلامي وعاد بالفائدة على الجانب الصليبي، إذ كانت شخصيته ومواهبه وأداؤه السياسي والعسكري هو الذي يحفظ الدولة من التفكك، ولم تكن هناك مؤسسات تضمن استمرار بقاء هذه الدولة الكبرى من ناحية، كما أن صلاح الدين قسَّم دولته، كما يُقسَّم الإرث، بين أبنائه وأخوته وبني عمومته، على نحو ما كان مألوفاً في تلك العصور وكان طبيعياً أن تعود المنطقة إلى الوراء مرة أخرى نتيجة المنازعات والتشرذم السياسي الناجم عن الخلاف بين ورثة صلاح الدين وتفككت عُرى الدولة الإقليمية الكبرى التي جاهدت ثلاثة أجيال في إقامتها بالمنطقة، عماد الدين، ونور الدين، وصلاح الدين ، وتطورت المشروعات الصليبية في الغرب الأوروبي وانتهج خلفاء صلاح الدين سياسة مهادنة إزاء الصليبيين تقوم على رد الفعل أكثر مما تقوم على المبادأة والمبادرة، فقد كان لإنشغال الأيوبيين بمنازعتهم من جهة، واهتمامهم بالهدنة مع الفرنج وتجديدها من جهة أخرى أثر إيجابي على الصليبيين الذين وجدوا الفرصة لالتقاط أنفاسهم وحشد المساعدات من الغرب الأوروبي لمساعدتهم ولم يحدث تطور عسكري، أو فكر سياسي متقدم عند الأيوبيين وغابت روح الحسم العسكرية التي أقامت الدولة الأيوبية بل تلاشت وخصوصاً في عهد الكامل وتظهر بعض الملامح العسكرية التي أقامتها الممالك الأيُّوبية بعد صلاح الدَّين ويتجلىَّ منها:
أ- لم يبتكر الأيُّوبيون أسلحة قتال جديدة، أو يُطوَّروا تكتيكاً عسكرَّياً مُتميزاً، كما كان متوقَّعاً، نتيجة لاحتكاكهم بالفرنجة.
ب- لم يحرصوا على الجهاد وتحرير المناطق المحتلةَّ، بل إنهّم سلمَّوا كثيراً من الفتوح الصَّلاحَّية للفرنج.
ج- لم يُطوَّروا اقتصاداً حربياً يخدم الآلة العسكرّية، ويدعمها باستمرار وكفاءة.
س- أهمل الأيُّوبيون الأسطول، ولم يستخدموه إلا جُزئياً، وعند الحاجة الماسة.
ك- كان لكُلَّ من الملوك الأيوبيَّيْن مشروعه السياسي الخاصّ الذي وظَّف له كُلَّ قواه العسكرية المتاحة
وأهمل كل ما عداه من مشاريع عامة ، فكان تسليم الملك الكامل القدس نتيجة طبيعية للإنحدار السياسي والعسكري بعد صلاح الدين.

11- رفض الصليبيين للصلح
لم يعجب الصليبيين استرداد فردريك الثاني بيت المقدس، وأخذوا يعبرون عن غضبهم بشتى الصور
فقالوا: إن كرامة المسيح كانت تحتم أن تؤخذ المدينة المقدسة بحد السيف وليس بطريق الاستجداء والبكاء كما فعل الإمبراطور ، وعلى الرغم من أن الذي حققه فردريك الثاني بإتفاقه مع الملك الكامل كان أنجح مما حققته الحروب الصليبية كلها بعد معركة حطين 583ه/1187م، فإن أعداء الإمبراطور لم يتركوا فرصة للعمل ضده إلا استغلوه، فقد أرسل فرسان المعبد سراً برسالة يبدو أنها كانت بإيحاء من البابا غريغوري التاسع: يخبرونه فيها بأنهم أي الفرسان قد عملوا أن الإمبراطور سيخرج بصحبة نفر من اتباعه من بيت المقدس إلى نهر الأردن للصلاة وهم يدعون السلطان الكامل لإنتهاز هذه الفرصة للفتك بالإمبراطور وقتله.. اشمأز الكامل من خيانة هؤلاء الفرسان، فأرسل إلى الإمبراطور نفسه هذا الخطاب المختوم بختم رئيس فرسان المعبد .
وبقي الأمبراطور يومين في القدس، ثم عاد إلى يافا خوفاً من الداوية وغادر فريدريك أرض فلسطين بعد إبرامه الاتَّفاقية مع السلطان الكامل، فقد وصلته الأخبار أن جنود البابا قد هاجموا ممتلكاته في جنوب إيطالية، وتمكَّن فريدريك بعد وصوله إيطالية من التصَّـدي لقـوَّات البابا، وهزيمتها عام 627ه - 1230م وأجبر البابا على عقد معاهدة سان جرمانوا، حيث ألغى حرمانه وصادقا البابا – في السنة التالية – على معاهدته مع السلطان الكامل وأرسل البابا أوامره إلى طوائف الرُّهبان الفُرسان الدَّاوية والاسبتاريَّة لمراعات نصوص اتّفاقية فريدريك مع المسلمين ولكن الهدنة لم تمنع البابا من توجيه نقد كبير لاتَّفاقية فريدريك مع المسلمين، فاتَّهمه البابا غريغوري بأنَّه وحده يعرف شروط المعاهدة ، لقد أشارت المعاهدة مع السلطان الكامل والتي تسلمَّ بموجبها الإمبراطور فريدريك مدينة القدس البابا، وأقامته، ولم تقعده وشنع على فريدريك وقال واصفاً معاهدته مع الكامل: إنها تتوافق مع شريعة المسلمين، أكثر من توافقها مع شريعة إيماننا، واتبّع عاداتهم في عدة نقاط منها: مساعدة السُّلطان ضّد جميع الناس من مسلمين ومسيحيين ، وفي رسالة أرسلها البابا لمندوبه في فرنسا، يقول: أخذ فريدريك بوسائل المسلمين، وهاجم ميراث الكرسي الرسولي، والذي هو أكثر مقتا، إنَّه يبُرم – الآن – معاهدة مع السلطان ومع مسلمين آخرين، ويظهر اللُّطف نحوهم، ويبُدي الكراهية المكشوفة تجاه المسيحيين، ثم يذكر أن فريدريك يُشجَّع المسلمين على الإغارة على طائفتي الاسبتارية والدَّاوية فعندما هاجم المسلمون أراضيهم وبعد أن قتلوا عدداً كبيراً من أتباعهم، حملوا معهم كمَّيَّات كبيرة من الغنائم، فهاجم الدّاوية، وانتزعوا منهم بعضاً من الغنائم، فقام وزير الإمبراطور بمهاجمتهم عندما كانوا عائدين، وانتزعوا منهم بالقوّة هذه الغنائم، وأعادها للمسلمين، كما أنه جمع مائة عبد كانوا لدى الاسبتاريَّة والدَّاوية، وأعطاهم للمسلمين وضمَّن البابا رسالته اتَّهامات كبيرة ضدَّ فريدريك حتى إنَّه يسميه نائب محمد . ولكن الصلح بين الفريقين كان قصير الأجل، إذ لم يلبث الخلاف أن اشتد بين البابوية والإمبراطورية بعد وفاة البابا غريغوري التاسع سنة 1243م إذ عقد خلفه البابا انوسنت الرابع مجمعاً في ليون سنة 1245م قرر فيه حرمان فردريك الثاني من جديد وفي قرار حرمان البابا أنوسنت الرَّابع للإمبراطور فريدريك الصادر في مجمع سليون يُعدَّد البابا ذُنُوبَ فريدريك وخطاياه العظيمة، ومنها:
1- التحالف بحلف مقيت مع المسلمين.
2- إرسال الرُّسُل والهدايا إليهم، وتلقَّي الهدايا منهم.
3- تبنيَّ عادات المسلمين والاعتماد على مُسلمين في خدماته اليومية.
4- سمح لاسم محمد أن يُذكر علنا في هيكل الرب.
5- استقبل سُفراء سُلطان مصر، الذي يُلحق الأذي بالأرض المقدسة .

إن هذه الذُّنُوب التي يُعددَّها البابا لفريدريك تُعطينا فكرة واضحة عن نظرية البابوية إلى المسلمين وإلى التعامل معهم، ومدى الحقد والكراهية التي كانت تزرعها البابويَّة في نفوس المسيحيين الأوروبيين لتدفعهم ضَّد المسلمين في حملات ظاهرها الدفاع عن الدَّين وباطنها إعلاء سُلطة البابويَّة وزيادة ممتلكاتها وثرواتها، فقد وظفَّ علاقته بالمسلمين من خلال السلطان الكامل ليتقوَّى شعبياً في أوروبا ضَّد البابا، ولم يخسر فريدريك من علاقته بالسلطان الكامل، بقدر ما ربح في أوساط الشعوب الأُورُوبية، التي كانت تتملل من ظُلم البابوات، وانحرافهم الواضح عن مهامَّهم الدَّينيَّة وانغماسهم بأمور الحكم والسياسة فقد ساعد فرديريك في وُقُوفه بوجه البابوّية الخيال الشعبي الأُورُوبي، الذي اعتبره خلفاً لبربروسا، ومُحرَّراً للضريح المقدس وصحيح أن البابويَّة حرمته كَنسيَاً، واعتبرته مُهرطقاً ومُجحفاً وحانثاً بالقسم، لكن فريدريك حرم البابويّة من ثرواتها، ومن كثير من أملاكها، فتحوَّل في الخيال الشعبي الأُورُوبي إلى شخصية تُعاقب رجال اللاهوت في أيام الدُّنيا الأخيرة؛ أما في ألمانيا فقد اعتبر المُخلصّ ضدَّ ظلم الكنيسة، لذلك ردَّ البابا بوضع كُلَّ ألمانيا تحت الحرمان، وردَّ على البابا الوُعاَّظ المتجوَّلون الذين أعلنوا البابا أنوسنت الرّابع شرَّيراً إلى درجة أن حرمانه لا يعني شيئاً، وأن البابا والأساقفة مُهرطقيـن، وطلبـوا مِن الناس الصلاة للإمبراطور فريدريك وإبنه كونراد الصالحين الكاملين معاً. لقد كان للصراع بين البابا أينوسنت الرّابع والإمبراطور فريدريك الثاني أثرً واضحاً في الشرق تعدَّى الإمارات الفرنجية إلى الممالك الأيُّوبية، فبعد فشل الحملة الخامسة، حملة البارونات على مصر، مباشرة، أصدر مجمع ليون 642ه/1245م قراراً بتوجيه حملة جديدة لكنَّ انشغالَّ البابا بالصراع مع فريدريك جعله يُوجَّه هذه الحملة ضدَّه، لذِلك لَعنَهُ، وحرمه كنسيا وعدّه ملحداً، ليستحقَّ أن تتـوجَّه حمـلة صليبية ضدَّه، فأخذ البابا التبرُّعات المالية للحملة الصليبية واستخدمها ضدَّ فريدريك .
إن صراع البابوية َّ ضدَّ فريدريك كان مُنَّبهاً لكثير من الفُرسان والنُّبلاء الأوروُبيين لاستغلال البابويةَّ لهم فقد رفض البارونات الإنكليز – صراحة – الاشتراك في الحملة التي دعا إليها مجمع ليون، وقال هنري الثالث ملك إنكلترا لمبعوث البابا، إن وُعَّاظ الحملة يخدعون الشعب، ولن نسمح لهم بعد ذلك، وحتى في أوساط اللاهوتيين إرتفعت أصوات المعارضة للحملات الصَّليبيَّة نحو فلسطين، فقد صّرح اللاهوتي رادولف نيفر قائلاً : من الجُنون التدخل في شؤون فلسطين حين تتعرَّض المسيحيَّة في الغرب لخطر الهرطقة، وقال : أيُّ معنى لتحرير القدس من المسلمين حين يتجذَّر الكفر في أرض الوطن وكان الشاعر المغنَّي الجّوال الفرنسي ريمون جوردان يتغنىَّ في إحدى قصائده قائلاً:
إن ليلة مع الحبيبة أفضل من جميع أطايب الجنَّة، يُوعَد بها المشارك بحملة صليبية،
أمَّا الشاعر الجَّوال بيرود، فكان يتغنَّى بمقطع يقول فيه:
من صلاح الدَّين شبعنا أرض الوطن عزيزة على الناس
وتعدَّى الأمر إلى التفكير في أُورُوبة بشرعية الحملات أصلاً، فنقدوها بشكل لاذع،
وأمَّا إنكلترا، فقد حزم ملكها هنري الثالث أمره بعدم المشاركة في أيَّ حملة، ودفع للبابا أنوسنت الرّابع ليس لإعفائه من السفر بنفسه فقط، بل لمنع الإنكليز كافَّة من الإبحار الشَّرق، وفرض حراسة مُشدَّدة على شواطئ بلاده لمنع أيَّ صليبي من المغادرة،

[size="6"]القدس بعد المعاهدة ونتائج الحملة السادسة: [/size]
لم يتعرض أحد من مؤرَّخي الإسلام المعاصرين للمعاهدة، لتطبيق الفرنج لبُنودها التزاماً، أو مخالفة وربما كان ذلك تجنباً، كُلَّيَّاً لذكر المعاهدة، لعدم إزعاج الكامل أو أبنائه من بعده وأمّا مؤرَّخو الفرنجة، فقد تضاربت أقوالهم فقد روى بعضهم أن الفرنجة أعادوا المدينة، وأحاطوا الأسوار بالخنادق ورمَّموا شرفات الأبراج، وكذلك عمَّروا جميع المدن والقلاع
وجاء في رواية أخرى ما يناقض ذلك تماماً، يقول متىَّ باريس : إن سكان عكاَّ خائفون تماماً ومحصورون ضمن مدينتهم مع نقص المؤن، لأن فريدريك أصبح مطرقة رعب الكنيسة ولم يعد يسمح بأيَّ مُؤن أو قوَّات عسكرية أن تنقل إلى عكَّا.. عسقلان محاصرة، وبالكاد تُدافع عن نفسها، وأصبحت الحُصُون الصَّليبية سُجُوناً لأهلها، وليست أماكن للحمايةوبغضَّ النظر عن ما يكتبه مؤيَدو فريدريك، أو ما يكتبه معارضوه، فإنَّنا نستنتج أن وضع الفرنج في فلسطين أصبح أكثر سوءاً بعد المعاهدة، فانقسام الولاء بين البابا والإمبراطور صاحب المملكة، ومنع الطوائف الدينية من فرض هيمنتها، وتوقف الدعـم البابـوي، كل ذلك أدَّى – بلا شكَّ - إلى زعزعة الوجود الفرنجي في فلسطين، الذي هو ضعيف أصلاً منذ معركة حطين، والذي منع اجتثاث هذا الوجود هو ضعف السَّلطنة الأيوبيَّة، والتفات ملوك الأيوبَّيين إلى خلافاتهم ويبدو أن السياسة الأيُّوبية كانت ترى ترك الفرنج بحالهم ما أمكن، رُبمَّا لاعتبارهم أصبحوا لا يُشكَّلون أيَّ خطر حقيقي على الأيُّوبيَّين
وتعد حملة فريدريك الحملة السادسة من الحملات الفرنجية على الشرق الإسلامي، من أغرب الحملات وأكثرها إثارة للجدل في مجراها وفي نتائجها، فمن حيث الواقع كان قائد الحملة فريدريك في أسوأ وضع عرفه قائد يقدم على معركة، فقد أبحر نحو الشرق محروماً من الكنيسة وما كاد يبتعد حتى هاجم جنود البابا ممتلكاته الإيطالية ولما وصل فلسطين : وجد قدراً ضئيلاً من الطاعة وقدراً كبيراً من الإهانة، وتعرَّض لتآمر فرنج سُورية عليه، فقد عرضوا على ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:15 am

[SIZE="5"][align=center]هل الملك الكامل رجل سياسة قدير سبق عصره؟
وهل كان محقاً في فكرة تدويل القدس في ذلك العصر؟

إن المؤرخين تباينت وجهات نظرهم تجاه ذلك الاتفاق، وبصفة عامة؛ فإن الأغلبية عارضته بشدة، غير أن هناك من أيده على اعتبار أن الكامل الأيوبي – أمام الأخطار المتعددة التي واجهته، أيوبية، وخوارزمية، وصليبية، - رأى أن يقدم بيت المقدس للصليبيين دونما أسوار، حتى يحتفظ بمصر وهي قلب الدولة بعيدة عن الخطر، على اعتبار أن بإمكانه متى شاء استردادها، وعند أصحاب ذلك التوجه فإن الكامل الأيوبي رجل سياسة قدير سبق عصره وأظهر تسامحاً في عصر التعصب، بل أنه اتجه إلى فكرة تدويل القدس في ذلك العصر ويجدر بنا أن نلاحظ ملاحظات مهمة ويمكن إجمالها في النقاط الآتية:
أ) أن الكامل الأيوبي لم تتوافر لديه الحنكة السياسية التي تجعله نداً للسياسي الألماني فردريك الثاني، لقد تغير الوضع السياسي بالنسبة للكامل عقب وفاة المعظم عيسى، ولم يكن هناك مبرر لتنفيذ ذلك الوعد المتسرع والمتهور الذي قطعه على نفسه بتقديم القدس للإمبراطور الألماني طالما لم يساعده في مواجهة خصومه من البيت الأيوبي أساساً،والدليل على عدم حنكة الكامل الأيوبي، أن أبسط قواعد اللعبة السياسية في أية مفاوضات، ألا يقوم طرف من الأطراف باللعب بكافة أوراق مباشرة دفعة واحدة، بل يحتفظ بها ويتعامل بصورة جزئية وفق مقتضيات الحال، ومن الواضح أن الكامل لعب بكافة الأوراق دفعة واحدة وبصورة غير مسبوقة، أما الإمبراطور فردريك الثاني فكان على درجة عالية من الذكاء. وقد عبَر أحد المؤرخين تعبيراً صادقاً على الموقف قائلاً:
{ إن الإمبراطور فردريك كان داهية إلى الحد الذي يستطيع به أن يحقق الكثير بالأسلوب الدبلوماسي من خلال صداقاته}.

ب)عندما ننظر إلى عصر صلاح الدين الأيوبي، ولم يكن مر على اتفاقية صلح الرملة 1192م/588ه، واتفاقية يافا 1229م/627ه سوى سبعة وثلاثين سنة، نجد أن صلاح الدين الأيوبي يحارب الصليبيين بشراسة ولا يفرط بالقدس أبداً، وتعليل ذلك واضح وهي أن لها مكانتها الدينية، كما أنها رمز لقضية الجهاد أضف إلى ذلك أنه رأى أنه ليس من حقه كقائد لحركة الجهاد حينذاك أن يقدم القدس للصليبيين ويلاحظ هنا أن وضعه القتالي كان أصعب بمراحل إذا ما قارناه مع الكامل الأيوبي ويكفي أنه على مدى الأعوام 1187م/583ه/إلى 1192م/588ه لم يتوقف عن الصراع مع الصليبيين ومن أمثلته معركة عكا المريرة على مدى عامين كاملين، ورفض تماماً أن يحصل الصليبيون على القدس، ودل ذلك على الحنكة السياسية الحقيقية والبطولة الصادقة، وهكذا فإن الجيل الذي استشهد رجاله من أجل عودة المدينة المقدسة للمسلمين، لم يفكر للحظة في التفريط فيها، أما الجيل الذي وجد نفسه أمام المدينة المذكورة دونما مشقة فلم تكن تعنيه في قليل أو كثير، وكان من السهل عليه أن يقدمها للصليبيين دون عناء .
ج- توافرت لدى الكامل الأيوبي النية لتقديم القدس على طبق من ذهب للصليبيين من قبل مقدم فردريك الثاني، ولا أدل على ذلك ما حدث خلال الصليبية الخامسة، وقد كرر عرضه على الصليبيين عدة مرات، على نحو عكس عدم حنكته السياسية وأنه لم يكن لديه القدرة على التعامل مع الصليبيين سياسياً، وكل مديح توافر لدى المصادر التاريخية العربية لذلك السلطان الأيوبي ربما يكون صادقاً على صعيد السياسة الداخلية وما أحدثه من مشاريع حضارية واستتباب الأمن إلا أن السياسة الخارجية والتعامل مع الصليبيين جعلته لا يحظى بتقدير المؤرخ المنصف .
د- قد يتم الاحتجاج بأن فتوى دينية قدمها أحد الفقهاء وهو القاضي ابن أبي الدم الحموي
(ت 1244م/642ه) عكست أن هناك من أيد تلك الاتفاقية من خلال أحكام الإمام الشافعي التي وردت في كتابه الشهير "الأم" غير أنه مع تقديري الوافر لأصحاب ذلك التوجه إلا أن من المهم ملاحظة أن فقهاء السلطان في بعض الأحيان كانوا نكبة على المسلمين عندما برروا لقادتهم تصرفاتهم ولم يعارضوهم، والاحتجاج هنا بابن أبي الدم وما أورده في مخطوطة التاريخ المظفري مردود على اعتبار أنه ألف تاريخه في عهد السلطان الكامل، ومنطقي أنه تحول ليكون بوقاً دعائياً لذلك السلطان، كما أنه عاش في كنف ابن أخت ذلك السلطان وزوج ابنته وهو الملك المظفر صاحب حماة،
ويعبر أحد المؤرخين عن ذلك الموقف قائلاً : يجدر بنا التحذير بعدم أخذ رواياته عن بني أيوب على علاتها حتى لا تضلل الدارس، وينبغي ألا تغفل الرأي الآخر، الذي وجد حتى في عصر الكامل غير أنه قمعه في قسوة، ومثال ذلك أن أحد قادة جيشه ويدعى سيف الدين ابن أبي زكرى حيث حذره من التفريط في بيت المقدس وحقوق المسلمين، وطالب بمحاربة صديقه الألماني ومن ذلك قوله: ابعد دمشق على ابن أخيك الملك الناصر، وأطلبه وأطلب أخاك الملك الأشرف وعسكر حلب ونقاتل هذا العدو فإما لنا وإما علينا، ولا يقال عن السلطان أنه أعطى الفرنج القدس، وعلى الرغم من تلك النصيحة الصادقة التي حفظها التاريخ لابن أبي زكرى إلا أن الكامل اعتقله وأرسله إلى مصر حيث سجن هناك ، ومن المهم أن نذكر هنا أن ذلك القائد العسكري الذي عارض سلطانه اقترح عليه الحل العسكري، وهي فكرة تدل على أن ذلك ممكناً لأنه وبالبداهة – لو لم يكن ممكناً لما عرضه ذلك القائد الذي تتصور أن له خبرة قتالية يعتد بها بدليل وصوله إلى أن يكون أحد القادة العسكريين للكامل، وتصوره كان منطقياً من خلال قلة قوات فردريك الثاني، غير أن السلطان الذي عشق التفريط، واستمتع بالتنازلات، رأى رؤيته التي عارضتها الجماهير الحاشدة، ومن غير المنطقي، تصور أن كافة تلك الجماهير الغفيرة التي عارضته كان يحركها الناصر داود عدو الكامل الأيوبي، حقيقة أنه شيء ضد قراره ما يوصف بحملة إعلامية ، عنيفة، غير أنه كان محقاً تماماً في ذلك، لأن اتفاق يافا كان يحتوى على التنازل عن تلك المدينة المقدسة، ومساحات شاسعة أخرى تعطى للغزاة ولم يكن من الممكن الوقوف دون أن يحرك ساكناً على ما أقدم عليه الكامل الأيوبي.

هـ - من زاوية أخرى نعارض الخلط بين التسامح والتفريط، فمن حق الكامل الأيوبي، أن يتسامح مع الصليبيين بأن يسمح لهم بالحج إلى المحارم المسيحية المقدسة في أمن وأمان كاملين، أما أن يقدم لهم القدس على اعتبار أنها بلا أسوار، وأنه متى أراد استرجاعها تمكن من ذلك فهو أمر لا يدخل ضمن باب التسامح بل في غير موضعه يظهر التهاون الذي لا مبرر له ويلاحظ هنا أن السلطان الأيوبي صلاح الدين تسامح مع الصليبيين ولم يفرط، فقد جنبهم الفتك بهم عندما دخل القدس فاتحاً في أعقاب حطين 1187م/583ه وسمح لهم في أعقاب صلح الرملة 1192م/558ه بالحج، غير أنه في مواقف أخرى كان حازماً صارماً لأن الأمر احتاج منه ذلك، وحادثة فرسان الاسبتارية والداوية والفتك بهم عقب حطين أمر مؤكد، وخير دليل على أن تسامحه الواعي كانت له حدود، وهكذا لم يفرط السلطان العظيم مؤسس الدولة الأيوبية وإنما كان تكفل بذلك خير قيام وعلى نحو كامل .
و- إن ما يمكن تصوره من أن الكامل اتجه إلى وجهة خاصة بتدويل القدس، وأن الفكرة اتجه إليها السلطان صلاح الدين الأيوبي من قبل عندما وافق على مشروع زواج العادل أبو بكر من جوانا شقيقة ريتشارد الأول قلب الأسد، فيه الكثير من تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، لقد كان مشروع الزواج المذكور الذي تضمن أن يحكم الزوجان القدس مناصفة حماية للسلام وتجنباً للحرب، كان مشروعاً مخفقاً من البداية، لعدم معقوليته بالنسبة للصليبيين، ومن المتصور أنه كان مجرد مناورة من جانب الملك الإنجليزي كي يكسب بها الوقت لا أكثر ولا أقل، وهو أمر لم يغب عن فطنة القيادة الأيوبية ولم يكن صلاح الدين الأيوبي يفكر في تدويل القدس، إن الفكرة الأخيرة فكرة حديثة للغاية من خلال الصراع العربي الصهيوني وتقديم مقترحات بتدويل القدس، وهكذا فمن الممكن القول أن تلك الفكرة لم يكن لها سابقة تاريخية في عصر الحروب وقد اعتقد المسلمون تماماً، وما زالوا – أن القدس عربية إسلامية وأنها عاشت في كنف الإسلام خمسة قرون كاملة، وتمتع غير المسلمين فيها – بصفة عامة – بالتسامح الديني الذي عجز عنه الصليبيون أنفسهم عندما قدموا إلى المنطقة، وهكذا، فلم يكن أمر "التدويل" قائماً حينذاك، وكيف يفكر السلطان الأيوبي صلاح الدين في ذلك الأمر وهو الذي استعادها بقوة السلاح وهزم الصليبيين في حطين؟ من قبل أن يفكر في التدويل من المؤكد أنه لا يستند إلى قوة عسكرية تدعم موقفه، وهكذا ظل ما فعله الكامل نسخة وحيدة للهوان لم تحدث قبل عصره، ولم تتكّرر من بعده لتكون الحادثة نفسها دليل إدانة في حد ذاتها .
س- كان من الممكن أن نجد بعض – لا كل – العذر للكامل في حالة مواجهته لقوات ضخمة مرافقة للإمبراطور فردريك الثاني، وعجز إمكانات الأيوبيين الحربية حينذاك، ومن ثم يفكر مثل ذلك التفكير، غير أن فردريك قدم ومعه خمسمائة فارس إلى حد تصور معه بعض المؤرخين أنه قدم في نزهة إلى المنطقة وبديهي أن ذلك العدد الضئيل كان من الممكن لذلك السلطان أن يستغل نقطعة الضعف التي لذلك الإمبراطور في صورة قوته العسكرية ومحدوديتها، ناهيك عن إنه يقاتل على أرض أجنبية وأن الأيوبيين يقاتلون على أرضهم، وملعون من البابا كان من الممكن الاستفادة من كل ذلك لصالح المسلمين ولصالح عدم التفريط فيما لا يفرط فيه، وبدلاً من ذلك وجدناه يقبل التوقيع على اتفاق مهين مثل اتفاقية يافا 1229م/627ه.
ش- أتصور أن من غير المنطقي الأخذ بتأييد عدد قليل من الفقهاء الرسميين، وإغفال البعد الشعبي الجماهيري الذي صنع تاريخ حركة الجهاد الإسلامي في ذلك العصر، إذ أن الجماهير كانت تقف بجوار القائد الذي يعبر عن آمالها وآلامها في مواجهة الغزاة وهو ما وجدناه مع صلاح الدين الأيوبي وأما في حالة الكامل؛ فقد رفضته الجماهير الصادقة الشعور والتعبير، لأنها أدركت أن تضحياتها التي بذلتها على مدى العقود السابقة تذهب أدراج الرياح على يد السلطان الكامل الذي انتزع منه ثعلب الدبلوماسية الألمانية فردريك الثاني نصراً عزيزاً يندر مثاله دون أن يخسر شيئاً من رجاله.
ك- من الملاحظ أن هناك اتجاهاً يتحدث عن "التسامح الأيوبي" لينطلق من ذلك إلى تصوير سلوك الكامل الأيوبي على أنه جاء من خلال تلك الزاوية التسامحية، إذا جاز التعبير ومع ذلك، غير أن هناك ناحية على جانبها من الأهمية وتتمثل في طرح تساؤل وهو: لماذا يطلب من المسلمين ذلك؟ وإذا كان ذلك هو حال المسلمين حينذاك فماذا قدم الصليبيون ليكون دليلاً على أن هناك تسامحاً متبادلاً؟ والإجابة هي لا شيء لأن تاريخهم مع المسلمين على مدى أعوام طويلة مضت معارك، ومذابح، ورغبة جارفة من جانبهم في امتلاك الأرض بأي ثمن، وفرض سيادتهم السياسية عليها، وأخلص من ذلك إلى أن التسامح الغير مدروس جيداً ضمن الرؤية السياسية العامة؛ لا يعد تسامحاً، بل تهاوناً بالغاً وتنازلاً أبلغ .
م- قد يتصور البعض أن ما أقدم عليه الكامل الأيوبي في اتفاقية يافا عام 1229م/627ه، وتقديمه القدس له على هذا النحو قد تم استرداده عام 1244م/642ه وعندما دخل الخوارزميون المدينة المقدسة وقضوا على السيادة الصليبية بها، غير أن الأمر بذلك يكون من قبيل "تهوين" ما أقدم عليه الكامل، إذ أنه أقدم على ذلك عام 1229م/627ه ولم يكن المعاصرون الذين رفضوا في غالبيتهم الغالبة هذا الموقف يدركون إلا ضياع رمز الجهاد الإسلامي في عصر الصليبيات في صورة تلك المدينة المقدسة على نحو خاص، ولم يكن أحد قط – وهو أمر بديهي – يدرك أنه سيتم استردادها لصالح المسلمين بعد ذلك بخمسة عشر عاماً، ومن ناحية أخرى؛ علينا ألا نجمل أخطاء حكام المسلمين السابقين فها هو خطأ قتَّال صحيح بعد خمسة عشرة عاماً، مع ملاحظة أن الذي يدفع الثمن دائماً الشعوب التي يخذلها حكامها أحياناً جرياً وراء ديكتاتورية ترى أنها على حق، وأن الحشود الحاشدة المعاصرين لا يستحقون أن يلتفت إلى تصورهم على الرغم من أنهم المشاركون الفعليون في صنع تلك المرحلة .

ن- في واقع الأمر؛ أن قضية الكامل الأيوبي واتفاقه المذكور مع فردريك الثاني، يعكس لنا الفجوة الكامنة بين الأجيال الأيوبية ورؤيتها للتعامل مع الوجود الصليبي في بلاد الشام وتحالفه الاستراتيجي مع الغرب الأوروبي، ومن الممكن تصور الأمر كالآتي، جهاد، سياسة دفاعية، تنازل وهو ترتيب متفق مع عهود كل من صلاح الدين الأيوبي، ثم العادل، ومن بعده الكامل وأتصور أن جذور القضية بدأت مع السياسة الدفاعية للعادل والطرح المتعدد المرات لتقديم القدس للصليبيين حتى خلال الحملة الصليبية الخامسة، وصولاً إلى أحداث عام 1229م/627ه على نحو عكسي لنا سبق الإصرار والترصد من جانب الكامل في بيع القدس على هذا النحو المزري والتباين الحاد في السياسة الأيوبية من خلال تباين تلك الأجيال، ومن الواضح أن الجيل الذي قدم التنازلات لم يقدر جيل التضحيات والجهاد البارز ضد الصليبيين، وهكذا ففجوة الأجيال الأيوبية تلك تمثل واقعاً تاريخياً وليس من الممكن إنكاره بمثل تلك الصورة من شأنه ابعادنا عن قلب الحقيقة التاريخية، مع تقديري الكامل لكل الآراء المخالفة.
ى- في الواقع أتصور أن المؤرخين الأوروبيين من متى الباريسي حتى كانتروتز، لهم تصوراتهم في تقويم فردريك الثاني على أنه أعجوبة العالم وأنه سبق عصره، ولديهم مبرراتهم من وجهة نظرهم في ذلك التقويم، أما الكامل الأيوبي، فلم يكن سابقاً على عصره في شيء، بل كان متخلفاً بمراحل عن ذلك العصر بدليل ظاهرة "النكوص" التي ظهرت بجلاء في اتفاقية 1229م/627ه وفي حالة كونه سابقاً لعصره بالفعل لأقدم على ما فيه صالح أمته، وهو أمر كان يتأتى بالحفاظ على ما حققه الجيل الأيوبي الأول والتقويم الختامي لذلك السلطان أنه كان محباً للعلم والعلماء ، وضل طريق العلم واتجه إلى عالم السياسة، ولم يكن بالسياسي الداهية، أو الحصيف، كما لم يكن بالعسكري القدير إلا في أضيق نطاق، أما وصف ابن واصل له بأنه خافته ملوك الأرض قاطبةً ، فهو من قبيل الدعاية السياسية الخرقاء، والمتصور أنه اقتحم عالم السياسية ولم تكن له مؤهلات لذلك وقد ظهر ذلك جلياً خاصة عندما تعامل مع أحد كبار عصره في أوروبا في صورة فردريك الثاني.
واخيراً نذكر قول بعض المؤرخين
أما العالم الإسلامي فقد رأى – بحق أن الهدنة التي عقدها الكامل الأيوبي كارثة حقيقية، وكان رد الفعل الشعبي عنيفاً ضد السلطان الذي بعث سفراءه إلى كل مكان لتبرير فعلته،
وقد علق ابن الأثير على ذلك بقوله: واستعظم المسلمون ذلك وأكبروه، ووجدوا له من الوهن والتألم ما لا يمكن وصفه، يسر الله، فتحه وعوده إلى المسلمين بمنه وكرمه .
وفي حقيقة الأمر أن النتيجة الكبرى، التي تمخضت عنها تمثلت في عودة بيت المقدس للصليبيين دون إراقة الدماء ومن خلال حملة صليبية عجيبة خرجت ولعنات البابا تلاحق زعيمها فردريك الثاني، وإذا كانت قد حققت ذلك الهدف الكبير إلا أنها – من ناحية أخرى – تمكنت من زرع بذور الإنشقاق والاختلاف بين المسلمين بشأن اتفاقية يافا 1229م 627ه المثيرة لأكبر قدرة من الجدل بين المعاصرين وحتى المتأخرين ومن زاوية أخرى؛ نجد أن تلك الحملة جعلت لألمانيا موقعها الجديد الفعال على خريطة القوى السياسية الأوروبية المشاركة في المشروع الصليبي، ويلاحظ أننا بذلك لدينا ثلاثة أباطرة من الألمان شاركوا في ذلك المشروع منذ بدايته، فهناك كونراد الثالث الذي شارك في الصليبية الثانية، ثم فردريك بارباروسا الذي شارك في الثالثة أما فردريك الثاني فحقق إنتصاراً كبيراً عجز عن تحقيقه من قبل ملك فرنسا فيليب أغسطس، وملك انجلترا ريتشارد الأول قلب الأسد، وبذلك تزعم النفوذ الألماني شرق البحر المتوسط حيث رأى أنه لا حل لمشكلة الحرمان الكنسي الذي فرضه البابا جريجوري التاسع إلا بالاشتراك في حملة صليبية في بلاد الشام، على نحو عكسي أن السياسة الخارجية الألمانية حينذاك كانت على صلة وثيقة بالسياسة الداخلية وأنهما كانا وجهي عملة واحدة وأن المستقبل السياسي لذلك الإمبراطور الألماني لم يكن في ألمانيا ذاتها؛ بل في بلاد الشام ذاتها وكذلك نتج عن تلك الحروب الصليبية أن اتضح لنا أن البابوية جعلت من القدس لعبة سياسية، فهي، لا تقبل عودتها على يد رجل فرض عليه الحرمان الكنسي بل لابد من أن يكون ذلك من خلال رجل أداءه طيعة في يدها على نحو أوضح لنا الدور السياسي الذي لعبته البابوية التي كانت تتباكى من قبل على ضياع تلك المدينة المقدسة في أيدي المسلمين، وها هي الآن تضع العراقيل لتحول دون عودتها للمسيحيين.
.
[/align]
[/SIZE]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:22 am

[size="5"]
وفاة الملك الكامل وماترتب عليها
بعد وفاة الملك الكامل في شهر رجب سنة 635ه، تعاقب على زعامة الدولة الأيوبية ثلاثة اثنان منهما من أبنائه، أما الثالث فهو حفيدة، والسمة المشتركة بين عهود هؤلاء الثلاثة هي احتدام الصراع والوصول إلى أبعد مما وصل إليه في العهود السابقة وقد حدث بعد وفاة الملك الكامل أن اختلفت الآراء وتعددة الاتجاهات حول الشخص الذي كان سيخلفه في زعامة الدولة الأيوبية، فتحيز فريق إلى الناصر داود بن المعظم عيسى، وتحزب فريق آخر من الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين مودود بن العادل بينما ذهب فريق ثالث إلى مناصرة أبي بكر الابن الأصغر للملك الكامل وبعد سلسلة من الجدل والنقاش بين أصحاب هذه الاتجاهات انتصر الفريق الأخير وبالتالي بويع أبو بكر، الذي كان يعرف بالملك العادل الصغير، خلفاً لأبيه الراحل في الحكم المباشر لمصر، وفي زعامة البيت الأيوبي، وذلك في الثاني والعشرين من رجب سنة 635ه ، كما اتفق أيضاً أن يكون الملك الجواد يونس نائباً عن ابن عمه العادل الصغير في حكم دمشق وعلى أن يكون الملك الصالح نجم الدين أيوب نائباً عن أخيه العادل الصغير في حكم الشرق وديار بكر ، ولم تنعم الدولة الأيوبية الهدوء في ظل هذا الاتفاق طويلاً، فقد سجل التاريخ في أحداث الفترة الأخيرة من سنة 635ه خروج كل من الناصر والجواد على طاعة العادل الصغير، ووصل الناصر داود إلى غزة، وخطب بها لنفسه، وسرعان ما وقع الخلف بينه وبين الجواد، فأظهر الأخير أنه عاد إلى طاعة الملك العادل .
أما الناصر فإنه استولى على غزة والسواحل، وبعث إلى الملك العادل يطلب منه المساعدة على أخذ دمشق، ولكنه عوجل من الجواد، والتقى الجيشان الأيوبيان بالقرب من نابلس، ومني الناصر بهزيمة مريرة في منتصف ذي الحجة، فعاد مثقلاً بالآمه في معقله، قلعة الكرك
وأما في الشرق حيث الملك الصالح نجم الدين أيوب فإنا نجد مسرحاً من مسارح الصراع، مع اختلاف في الوجوه والأغراض، ففي سنة 635ه شق الخوارزمية عصى الطاعة على الملك الصالح، ولما رأى الأخير أن كفة المنشقين هي الراجحة هرب إلى سنجار، ونتيجة لذلك تطلع مناهضوه للاستيلاء على بلاده فمن ناحية تحكم الخوارزمية في البلاد الجزرية، ومن نايحة أخرى أخذ السلطان غياث الدين كيخسر – صاحب الروم – يتصرف في منطقة نفوذ الملك الصالح كما لو كانت قد أصبحت تحت نفوذه هو وبعث إلى الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف، صاحب حلب، توقيعاً بالرها وسروج... وأقطع المنصور ناصر الدين الأرتقي، صاحب ماردين، مدينة سنجار ومدينة نصيبين، وأقطع المجاهد أسد الدين شيركوه، صاحب حمص، بلده عانة وغيرها من بلاد الخابور وعزم السلطان غياث الدين كيخسروا أن يأخذ لنفسه من بلاد الصالح أيضاً آمد وسميساط ، ونلتفت إلى الملك الصالح نفسه وهو سنجار فنجد أن المتاعب لم تبتعد عنه، فقد حاصره بها بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، ولما شعر الزعيم الأيوبي أنه لا طاقة له بلؤلؤ ومن معه أرسل إليه ملتمساً الصلح، وقد قابل لؤلؤ هذه المبادرة بالرفض، والإصرار على أن يحمل الملك الصالح في قفص إلى بغداد، وحينئذ لجأ الأخير إلى الاستعانة بأعدائه الخوارزمية، فبعث إليهـم حيث كانوا بحران فأسرعوا لنجدته، وأرغموا حاكم الموصل على رفع الحصار والعودة إلى بلده .
تحرك الملك الصالح نجم الدين أيوب لضم دمشق:
إن تحرر الملك الصالح من حصار لؤلؤ لم يكن يعني أن الزعيم الأيوبي قد تخلص نهائياً من المتاعب، بل كان يعني أنه تحرر من سنجار لكي يخوض غمار صراع جديد، صراع على ما كان يعتقده حقَّا له ألا وهـو خلافة أبيه، وفي سبيل هذه الغاية زحف صوب دمشق، وهناك أخذت الأحداث تتحرك لصالحه .
وكان أول هذه الأحداث هو استسلام الملك الجواد وتتحدث المصادر التاريخية عن الملك الجواد أنه لم تكـن له رغبة في الملك وأنه كاتب الملك الصالح، عارضاً عليه تسليم دمشق في مقابل عدة مناطق ثانوية، وهذا ما حدث بالفعل، فقد اتفق الاثنان على مقايضة دمشق بحصن كيفا وسنجار وعانة وفي ضوء هذا الاتفاق دخل الملك الصالح مدينة دمشق في مستهل جمادى الأولى سنة 636ه، حينئذ شعر الملك الجواد بالندم وإرتفعت حرارة العداء بين الرجلين، غير أنها لم تصل إلى درجة الإنفجار، وذلك للمحاولات التي بذلها البعض، وفي النهاية قبل الملك الجواد مرغماً ما سبق الاتفاق عليه ومن دمشق سار الملك الصالح على رأس قواته صوب مصر، وفي الطريق دخل في صراع مع الملك الناصر داود، وقد اسفر هذا الصراع عن استيلاء الملك الصالح على منطقة نفوذ الملك الناصر، ونتيجة لذلك توجه الأخير إلى مصر، وأعلن انضمامه إلى جانب العادل.
الملك الصالح إسماعيل بن العادل
وعند هذا الحد يقفز إلى ساحة الصراع داخل البيت الأيوبي وجه جديد، ذلك هو الصالح إسماعيل بن العادل، صاحب بعلبك، فإنه لم يستجب لما طلبه منه ابن أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب من الانضمام إليه، بل أنه على العكس زحف على مدينة دمشق، واستولى عليها هو وأسد الدين شيركوه، صاحب حمص، وذلك في الأيام الأخيرة من صفر سنة 637ه ولم يقف عند هذا الحد، بل إن الصالح إسماعيل وأسد الدين شيركوه اتفقا على أن تكون البلاد بينهما مناصفة وفي الوقت الذي كان تجري فيه هذه الأحداث، كان الملك الصالح مقيماً بنابلس، فلما سقطت دمشق في قبضة الصالح إسماعيل وأسد الدين شيركوه أخذ يتحرك، واستقر الرأي بينه وبين عميه مجير الدين وتقي الدين على مهاجمة دمشق، ولكن حدث حينما شارفوا المدينة أن تخلى العمان بأتباعهما عن الملك الصالح فعاد إلى نابلس من جديد، وازداد الموقف تفاقماً بالنسبة للملك الصالح فقد حدث في تلك الأثناء أن هجر الملك الناصر داود مصر مغاضباً للعادل.
اعتقال الملك الصالح نجم الدين أيوب بالكرك:
وتغيرت الأمور على الملك الصالح نجم الدين أيوب وتفرّق عنه أصحابه والأمراء خوفاً على أهاليهم من الصالح إسماعيل، وبقي الصالح أيوب وحده في مماليكه وجاريته أم خليل(شجر الدر)، وطمع فيه الفلاّحون والغوارنة، وأرسل الناصر داود صاحب الكَرَكِ إليه من أخذه من نابُلُس مهاناً على بغلة بلا مهماز ولا مقرعة ، فاعتقله عنده سبعة أشهر، وأرسل العادل من مصر إلى الناصر يطلب منه أخاه الصالح أيوب، ويُعطيه مائة ألف دينار، فما أجابه إلى ذلك، بل عكس ما طلب منه بإخراج الصالح من سجنه والإفراج عنه وإطلاقه مع الجيش يركب وينزل فعند ذلك حاربت الملوك من دمشق ومصر وغيرهما الناصر داود، وبرز العادل من الديار المصرية بُلبُيس قاصداً قتال الناصر داود، فاضطرب الجيش عليه، واختلف الأمراء، وقيَّدوا العادل واعتقلوه في خَرْكاه وأرسلوا إلى الصالح أيوب يستدعونه إليهم فامتنع الناصر داود من إرساله حتى اشترط عليه أن يأخذ له دمشق وحمص وحلب وبلاد الجزيرة وديار بكر ونصف مملكة مصر ونصف ما في الخزائن من الحواصل والأموال والجواهر قال الصالح أيوب،: فأجبتُ إلى ذلك مُكرها؟ ولا يقدر على جميع ما اشترط عليَّ ملوك الأرض وسرنا فأخذته معي خوفاً أن يكون هذا الكتاب من المصريين مكيدة، ولم يكن لي به حاجة وذكر أنه كان يسكر ويخبط الأمور ويخالف الآراء السَّديدة، فلما وصل الصالح إلى المصريين ملكَّوه عليهم، ودخل الديار المصرية سالماً مؤيداً منصوراً مظفَّرا، محبوراً، مسروراً، فأرسل إلى الناصر داود عشرين ألف دينار، فردّها عليه ولم يقبلها منه، واستقر ملكه بمصر، وأما الجواد فإنه أساء السَّيرة في سنجار، وصادر أهلها وعسفهم وكاتبوا بدر الدين لؤلؤاً صاحب الموصل فقصدهم – وقد خرج الجوادُ للصيد – فأخذ البلد بغير شيء وصار الجواد إلى عانه، ثم باعها للخليفة بعد ذلك وكان الجواد هذا ظالماً جائراً عسوفاً سلط خادماً لزوجته يقال: الناصح، فصادر الدماشقة، وأخذ منهم نحواً من ستمائة ألف دينار، وقلق من مُلك دمشق وقال أيش أعمل بالملك؟ بازٌ وكلب أحبُّ إلىَّ من هذا، ثم خرج إلى الصيد، وكاتب الصالح نجم الدين أيوب فتقايضا من حصن كيفا وسنجار وما يتبع ذلك إلى دمشق، فملك الصالح أيوب دمشق – كما مرّ معنا – وخرج الجواد منها والناس يلعنونه في وجهه، بسبب ما أسداه إليهم من المصادرات، وأرسل إليه الصالح أيوب ليَُردَّ إلى الناس أموالهم فلم يلتفت إليه، وسار وبقيت في ذمته، ولما استقرَّ الصالح في ملك مصر، كما سيأتي، حبس الناصح الخادم فمات في أسوأ حالة من القلة والقملِ جزاءً وفاقاً "وما ربك بظلام للعبيد" (فصلت:46).
ما كاد الصالح أيوب يتولى ملك مصر حتى أبدى أمراء الأيوبية في الشام استياءهم ورفضوا الخضوع لسلطانه، وكان أشدهم تصلباً عمه إسماعيل صاحب دمشق، الذي اتفق مع الملك المنصور صاحب حمص أن يكونوا حلفاً ضد نجم الدين، ومدوا يدهم إلى الصليبيين وطلبوا مخالفتهم ضد سلطان مصر والناصر داود في الأردن، وفي مقابل ذلك تعهدوا بإعطاء الصليبيين مدينة القدس وإعادة مملكة الصليبيين على ما كانت عليه قديماً بما فيها الأردن ولكي يبرهن صاحب دمشق على صدق نيته تجاه الصليبيين بادر فوراً بتسليم القدس وطبرية وعسقلان، فضلاً عن قلعة الشقيف وأرنون وأعمالها، وقلعة صفد وبلادها ومناصفة صيداً وطبريكة وأعمالهم وجبل عاملة وسائر بلاد الساحل .
وأمام هذا السخاء العجيب ثار الرأي العام الإسلامي في مصر والشام على الصالح إسماعيل، حتى إن حاميات بعض القلاع رفضت إطاعة الأوامر الصادرة إليها من الصالح إسماعيل، فسار هو بنفسه ليؤدب تلك الحاميات ويسلم الحصون للصليبيين في تلك الأثناء أسرع الصليبيون إلى تسلم بيت المقدس، وأعادوا تعمير قلعتي طبرية، وعسقلان، ثم رابطو بعد ذلك بين يافا وعسقلان استعداداً للخطوة التالية. وهنا وعدهم الصالح إسماعيل بأنه إذا ملك مصر أعطاهم جزءاً منها، فسال لعابهم لذلك واتجهوا صوب غزة عازمين على غزو مصروسار الصالح إسماعيل صاحب دمشق والملك المنصور إبراهيم الأيوبي صاحب حمص على رأس جيوشهما في مهمة غزو مصر .
ولكن قادة القوات الشامية رفضوا طعن إخوانهم المصريين، فما كادوا يلتقون بجيش الملك الصالح أيوب قرب غزة حتى تخلوا عن الصالح إسماعيل والمنصور إبراهيم وساقت عساكر الشام إلى عساكر مصر طائعة ومالوا جميعاً على الفرنج فهزموهم، وأسروا منهم خلقاً لا يحصون، بحيث أطلق على هذه المعركة اسم حطين الصغرى وقد استولى جيش الملك الصالح أيوب على أثرها على مدينة غزة في حين انسحب فلولا الإفرنج إلى عسقلان حيث عقدت صلحاً مع الملك الصالح أيوب الذي قبل ذلك بهدف القضاء على التحالف بين الصالح إسماعيل والصليبيين، وكان من شروط الصلح إطلاق الصالح أيوب سراح الأسرى الذين يسقطوا في يده مقابل التزام الصليبيين الجياد، غير أن الراوية والنبلاء الصليبيين ظلوا على عهدهم في المحافظة على المعاهدة مع دمشق ومقاومة الغزو المصري والواقع أن انحياز طائفة من عساكر دمشق إلى المعسكر المصري في معركة غزة وازدياد كراهية أهل دمشق للصالح إسماعيل، دفعت سلطان دمشق إلى إعلان الخطبة باسم سلطان سلاجقة الروم، مما أدى ذلك إلى تفاقم النقمة عليه، ولم ير الصالح إسماعيل بداً من مصالحة ملك مصر فذكر اسمه في الخطبة في سنة 1243م، ثم لم يلبث أن تم الاتفاق بين الصالح إسماعيل والصالح أيوب على حساب الناصر داود، فانتزعا منه إمارة الكرك
ومن شروط الاتفاق أيضاً أن يصبح الصالح إسماعيل سلطاناً على دمشق والكرك، على أن يذكر اسم الصالح أيوب في خطبة الجمعة وينقش اسمه على النقود غير أن الاتفاق فشل في اللحظة الأخيرة
[size="6"]استرداد بيت المقدس [/size]
تحالف الخوارزميين مع الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل
بعد فشل عملية الصلح بين الصالح أيوب وعمه الصالح إسماعيل عمد الصالح أيوب إلى استدعاء الخوارزمية وتحريضهم على مهاجمة دمشق فما كان من الصالح إسماعيل إلا أن استعان بالناصر داود مرة أخرى واتفق الملكان على الاستنجاد بالصليبيين مقابل تعهدهم، بأن تكون سيطرة الصليبيين على بيت المقدس تامة مطلقة، بمعنى أن يستولى الصليبيون على الحرم الشريف بما في فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة وهي الأماكن التي ظلت في حوزة المسلمين وتحت إشرافهم منذ استيلاء الصليبيين على بيت المقدس بمقتضى اتفاقية يافا سنة 627ه/1229م لقد أدى النزاع في البيت الأيوبي إلى التفريط ببيت المقدس قال ابن واصل: في إحداث سنة 641ه: .. ودخل الفرنج القدس وتسلموا الصخرة المقدسة والأقصى وما في الحرم الشريف من المزارات، وضمنوا للفرنج – على ما اشتهر – أنهم إذا ملكوا الديار المصرية أن يكون لهم بها نصيب، وجمع الفرنج الفارس والراجل وحشدوا ... وسافرت في أواخر هذه السنة إلى الديار المصرية، ودخلت البيت المقدس، ورأيت الرهبان والقسوس على الصخرة المقدسة وعليها قناني الخمر برسم القربان ودخلت الجامع الأقصى، وفيه جرس معلق، وأُبطل بالحرم الشريف الأذان والإقامة وأعلن فيه بالكفر ، وكان الناصر داود فتح بيت المقدس في سنة 637ه ثم فعل هذه الفعلة القبيحة، وقد انتقم الله منه فيما بعدوكان الصليبيون آثروا محالفة الصالح إسماعيل والناصر داود، لأن توطيد أواصر الصداقة مع ملكي دمشق والأردن كان أجدى عليهما من مخالفة ملك مصر، لاسيما وأن غزو مصر بالتعاون مع هذين الملكين يجدد أمامهم الأمل في احتلالها والاستيلاء على كنوزها وخيراتها، مما دفع الملك الصالح أيوب إلى الاستعانة بالخوارزمية ودعوتهم لمساندته في صد الهجوم الثلاثي الموجه على مصر، فعبروا نهر الفرات في عشرة آلاف مقاتل، وأمعنوا في سيرهم حتى بلغوا دمشق، وهم ينهبون ويقتلون ويسبون، وارتكبوا من الفواحش ما ارتكبه التتار فساد الذعر واشتد الخوف في جميع البلاد والأراضي التي اجتازوها، وصار الناس يهربون من وجوههم، ثم سار الخوارزمية إلى طبرية فاستولوا عليها، ومنها توجهوا إلى نابلس وبيت المقدس وأحس الصليبيون بما يحيق بهم من الخطر فسارع بطريرك المدينة ومن معه من مقدمي الراوية والاسبتارية إلى تعزيز الحاميات التي تحصنت وراء الاستحكامات التي شيدها من جديد الراوية، غير أن جميع الجهود ذهبت سدى وفي الثاني من صفر سنة 642ه/الحادى عشر من تموز 1244م اقتحم الخوارزمية المدينة وجرى القتال في الشوارع واستنجد الصليبيون بأمير أنطاكية وطرابلس، وبملك قبرص، وبإخوانهم في عكا، وبحلفائهم المسلمين في دمشق والأردن، فلم ينجدهم أحد، وكل ما قام به الناصر داود أنه توسط في خروج من يرغب منهم في مغادرة المدينة إلى الساحل غير أنه لم يصل منهم إلى يافا سوى ثلاثمائة ، لقد كان مسلك الخوارزمية في القدس وفي مطاردة الصليبيين الذين غادروها إلى يافا يتناقض مع مسلك صلاح الدين صاحب الشمائل الكبيرة والمرؤة الكريمة، والتسامح الجميل يوصف هذا الفتح بالفتح الصلاحي النجمي، نسبة إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب، إذ تم الفتح في عهده.
الصالح أيوب وتوحيد الدولة الأيوبية
بعد أن استولى الخوارزمية على بيت المقدس ساروا إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب يخبرونه بقدومهم فأمرهم بالإقامة في غزة، وفي الوقت ذاته سير نجم الدين أيوب عسكراً من مصر بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس، فسار إلى غزة وانضم الخوارزمية وفي الثاني عشر من جمادي الأولى سنة 642ه/السابع عشر من تشرين الأول سنة 1244م حدث اللقاء عند غزة بين الجيش المصري ومعه الخوارزمية من ناحية والصليبيون وجيوش حمص ودمشق من ناحية أخرى وتمكن الجيش المصري والخوارزمي بإلحاق هزيمة ساحقة بالتحالف الشامي الصليبي ، قال ابن كثير عن هذه الوقعة في أحداث سنة 642ه كانت فيها وقعة عظيمة بين الخوارزمية الذين كان الصالح أيوب صاحب مصر قد استقدمهم ليستنجِد بهم على الصالح إسماعيل أبي الحسن صاحب دمشق، فنزلوا على غَزَّة، وأرسل إليهم الصالح أيوب الأموال والخِلعَ والخيل والأقمشة والعساكر، فاتفق الصالح إسماعيل والناصر داود صاحب الكرك والمنصور صاحب حمص مع الفرنج واقتتلوا مع الخوارزمية قتالاً شديداً فهزمتهم الخوارزمية كسرة منكرة فظيعة، هزمت الفرنج بصلبانها وراياتها العالية على رؤوس أطلاب المسلمين، وكانت كئوس الخمر دائرة بين الجيوش، فنابت كئوس المنون على تلك الخمور، فقتل من الفرنج في يوم واحد زيادة عن ثلاثين ألفاً، وأسروا جماعة من ملوكهم وقسوسهم وأساقفتهم، وخلقاً من أمراءِ المسلمين، وبعثوا بالأسارى إلى الصالح أيوب بمصر، وكان يؤمئذ يوماً مشهوداً وأمراً محموداً، وقد قال بعض أمراء المسلمين؛ قد علمت أنّا لمّا وقفنا تحت صلبان الفرنج أنا لا نُفلِحُ وغنمت الخوارزمية من الفرنج وممّن كان معهم شيئاً كثيراً، وأرسل الصالح أيوب إلى دمشق ليُحاصرها، فحصّنها الصالح إسماعيل، وخَّرب من حولها رِباعاً كثيرة، وكسر جسر باب تُوما، فكسر النهر، فتراجع الماء حتى صار بُحيرة من باب تُوماء وباب السَّلامةَ، فغرق جميع ما كان بينهما من العمُران وافتقر كثير من الناس، فإنا لله وإنا إليه راجعون بعد معركة غزة سارع القائد المصري بيبرس إلى الإسيتلاء على غزة والساحل، والقدس والخليل وبيت جبريل والأغوار ثم حاصر دمشق وفيها صاحبها الصالح إسماعيل وإبراهيم بن شيركوه صاحب حمص، ولما ضاق صاحب دمشق بالحصار ذرعاً سير وزيره أمين الدولة إلى العراق متشفعاً بالخليفة العباسي ليصلح بينه وبين ابن أخيه الصالح أيوب، فلم يجبه الخليفة إلى ذلك، وبعد حصار دام ستة أشهر استسلمت دمشق في الثامن من جمادى الأولى سنة 643ه/الأول من تشرين الأول سنة 1245ن وعوض الصالح إسماعيل عنها ببعلبك وبصرى وأعمالها
وأما الخوارزمية، فقد انقلبوا على الصالح نجم الدين أيوب لأنهم لم يحصلوا على ما كانوا يطمحون إليه، فهم ظنوا أنهم بعد أن ساعدوه في التغلب على خصومه وفي تملك بلاد الشام سوف يقاسمهم الغنائم ويشاطرهم الملك، لكن ظنهم خاب عندما منعهم دخول دمشق وأقطعهم بلاد الساحل، فتغيرت نياتهم واتفقوا على الخروج عن طاعة السلطان ، وأعلنوا الثورة وسارع الناصر داود صاحب الكرك، والملك الصالح إسماعيل بالإنضام إليهم، وزحفوا جميعاً على دمشق وحاصروها وقطعوا عنها الإمدادات، فاشتد الغلاء بها، ومات كثير من الناس جوعاً، وأكل الناس القطط والكلاب والميتات، واستمر هذا البلاء ثلاثة أشهر، وهنا أظهر الصالح أيوب صبراً ومهارة فلجأ إلى أعمال الحيلة والتدبير، فأغرى الملك المنصور إبراهيم صاحب حمص على الانضمام إليه فضلاً عن استمالة الحلبيين، كما تحايل على بعض الأمراء وفك التحالف وبفضل – الله – ثم هذه الإجراءات تمكن الصالح أيوب من إنزال الهزيمة بالخوارزمية بالقرب من حمص في أول المحرم سنة 644ه /1246م ولقي زعيمهم مصرعه، فتبدد شملهم، ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة وبعد القضاء على الخوارزمية قام الصالح أيوب برحلة إلى الشام ليقف على ما ناله من نصر، وليعزز مركزه، فتوجه إلى دمشق حيث لقي بها استقبالاً حافلاً في سنة 645ه/26 آذار سنة 1347م، ثم سار إلى بعلبك وبصرى وبيت المقدس، ثم عمر ما تخرب من المباني، وأقام عمائر جديدة في البلاد التي خضعت له، وتشهد النقوش على ما قام به من مبان وإنشاءات في دمشق والشوبك وصرخد وبصرى وبيت المقدس .
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:25 am

[size="5"]
وفاة الملك الكامل وماترتب عليها
بعد وفاة الملك الكامل في شهر رجب سنة 635ه، تعاقب على زعامة الدولة الأيوبية ثلاثة اثنان منهما من أبنائه، أما الثالث فهو حفيدة، والسمة المشتركة بين عهود هؤلاء الثلاثة هي احتدام الصراع والوصول إلى أبعد مما وصل إليه في العهود السابقة وقد حدث بعد وفاة الملك الكامل أن اختلفت الآراء وتعددة الاتجاهات حول الشخص الذي كان سيخلفه في زعامة الدولة الأيوبية، فتحيز فريق إلى الناصر داود بن المعظم عيسى، وتحزب فريق آخر من الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين مودود بن العادل بينما ذهب فريق ثالث إلى مناصرة أبي بكر الابن الأصغر للملك الكامل وبعد سلسلة من الجدل والنقاش بين أصحاب هذه الاتجاهات انتصر الفريق الأخير وبالتالي بويع أبو بكر، الذي كان يعرف بالملك العادل الصغير، خلفاً لأبيه الراحل في الحكم المباشر لمصر، وفي زعامة البيت الأيوبي، وذلك في الثاني والعشرين من رجب سنة 635ه ، كما اتفق أيضاً أن يكون الملك الجواد يونس نائباً عن ابن عمه العادل الصغير في حكم دمشق وعلى أن يكون الملك الصالح نجم الدين أيوب نائباً عن أخيه العادل الصغير في حكم الشرق وديار بكر ، ولم تنعم الدولة الأيوبية الهدوء في ظل هذا الاتفاق طويلاً، فقد سجل التاريخ في أحداث الفترة الأخيرة من سنة 635ه خروج كل من الناصر والجواد على طاعة العادل الصغير، ووصل الناصر داود إلى غزة، وخطب بها لنفسه، وسرعان ما وقع الخلف بينه وبين الجواد، فأظهر الأخير أنه عاد إلى طاعة الملك العادل .
أما الناصر فإنه استولى على غزة والسواحل، وبعث إلى الملك العادل يطلب منه المساعدة على أخذ دمشق، ولكنه عوجل من الجواد، والتقى الجيشان الأيوبيان بالقرب من نابلس، ومني الناصر بهزيمة مريرة في منتصف ذي الحجة، فعاد مثقلاً بالآمه في معقله، قلعة الكرك
وأما في الشرق حيث الملك الصالح نجم الدين أيوب فإنا نجد مسرحاً من مسارح الصراع، مع اختلاف في الوجوه والأغراض، ففي سنة 635ه شق الخوارزمية عصى الطاعة على الملك الصالح، ولما رأى الأخير أن كفة المنشقين هي الراجحة هرب إلى سنجار، ونتيجة لذلك تطلع مناهضوه للاستيلاء على بلاده فمن ناحية تحكم الخوارزمية في البلاد الجزرية، ومن نايحة أخرى أخذ السلطان غياث الدين كيخسر – صاحب الروم – يتصرف في منطقة نفوذ الملك الصالح كما لو كانت قد أصبحت تحت نفوذه هو وبعث إلى الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف، صاحب حلب، توقيعاً بالرها وسروج... وأقطع المنصور ناصر الدين الأرتقي، صاحب ماردين، مدينة سنجار ومدينة نصيبين، وأقطع المجاهد أسد الدين شيركوه، صاحب حمص، بلده عانة وغيرها من بلاد الخابور وعزم السلطان غياث الدين كيخسروا أن يأخذ لنفسه من بلاد الصالح أيضاً آمد وسميساط ، ونلتفت إلى الملك الصالح نفسه وهو سنجار فنجد أن المتاعب لم تبتعد عنه، فقد حاصره بها بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، ولما شعر الزعيم الأيوبي أنه لا طاقة له بلؤلؤ ومن معه أرسل إليه ملتمساً الصلح، وقد قابل لؤلؤ هذه المبادرة بالرفض، والإصرار على أن يحمل الملك الصالح في قفص إلى بغداد، وحينئذ لجأ الأخير إلى الاستعانة بأعدائه الخوارزمية، فبعث إليهـم حيث كانوا بحران فأسرعوا لنجدته، وأرغموا حاكم الموصل على رفع الحصار والعودة إلى بلده .
تحرك الملك الصالح نجم الدين أيوب لضم دمشق:
إن تحرر الملك الصالح من حصار لؤلؤ لم يكن يعني أن الزعيم الأيوبي قد تخلص نهائياً من المتاعب، بل كان يعني أنه تحرر من سنجار لكي يخوض غمار صراع جديد، صراع على ما كان يعتقده حقَّا له ألا وهـو خلافة أبيه، وفي سبيل هذه الغاية زحف صوب دمشق، وهناك أخذت الأحداث تتحرك لصالحه .
وكان أول هذه الأحداث هو استسلام الملك الجواد وتتحدث المصادر التاريخية عن الملك الجواد أنه لم تكـن له رغبة في الملك وأنه كاتب الملك الصالح، عارضاً عليه تسليم دمشق في مقابل عدة مناطق ثانوية، وهذا ما حدث بالفعل، فقد اتفق الاثنان على مقايضة دمشق بحصن كيفا وسنجار وعانة وفي ضوء هذا الاتفاق دخل الملك الصالح مدينة دمشق في مستهل جمادى الأولى سنة 636ه، حينئذ شعر الملك الجواد بالندم وإرتفعت حرارة العداء بين الرجلين، غير أنها لم تصل إلى درجة الإنفجار، وذلك للمحاولات التي بذلها البعض، وفي النهاية قبل الملك الجواد مرغماً ما سبق الاتفاق عليه ومن دمشق سار الملك الصالح على رأس قواته صوب مصر، وفي الطريق دخل في صراع مع الملك الناصر داود، وقد اسفر هذا الصراع عن استيلاء الملك الصالح على منطقة نفوذ الملك الناصر، ونتيجة لذلك توجه الأخير إلى مصر، وأعلن انضمامه إلى جانب العادل.
الملك الصالح إسماعيل بن العادل
وعند هذا الحد يقفز إلى ساحة الصراع داخل البيت الأيوبي وجه جديد، ذلك هو الصالح إسماعيل بن العادل، صاحب بعلبك، فإنه لم يستجب لما طلبه منه ابن أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب من الانضمام إليه، بل أنه على العكس زحف على مدينة دمشق، واستولى عليها هو وأسد الدين شيركوه، صاحب حمص، وذلك في الأيام الأخيرة من صفر سنة 637ه ولم يقف عند هذا الحد، بل إن الصالح إسماعيل وأسد الدين شيركوه اتفقا على أن تكون البلاد بينهما مناصفة وفي الوقت الذي كان تجري فيه هذه الأحداث، كان الملك الصالح مقيماً بنابلس، فلما سقطت دمشق في قبضة الصالح إسماعيل وأسد الدين شيركوه أخذ يتحرك، واستقر الرأي بينه وبين عميه مجير الدين وتقي الدين على مهاجمة دمشق، ولكن حدث حينما شارفوا المدينة أن تخلى العمان بأتباعهما عن الملك الصالح فعاد إلى نابلس من جديد، وازداد الموقف تفاقماً بالنسبة للملك الصالح فقد حدث في تلك الأثناء أن هجر الملك الناصر داود مصر مغاضباً للعادل.
اعتقال الملك الصالح نجم الدين أيوب بالكرك:
وتغيرت الأمور على الملك الصالح نجم الدين أيوب وتفرّق عنه أصحابه والأمراء خوفاً على أهاليهم من الصالح إسماعيل، وبقي الصالح أيوب وحده في مماليكه وجاريته أم خليل(شجر الدر)، وطمع فيه الفلاّحون والغوارنة، وأرسل الناصر داود صاحب الكَرَكِ إليه من أخذه من نابُلُس مهاناً على بغلة بلا مهماز ولا مقرعة ، فاعتقله عنده سبعة أشهر، وأرسل العادل من مصر إلى الناصر يطلب منه أخاه الصالح أيوب، ويُعطيه مائة ألف دينار، فما أجابه إلى ذلك، بل عكس ما طلب منه بإخراج الصالح من سجنه والإفراج عنه وإطلاقه مع الجيش يركب وينزل فعند ذلك حاربت الملوك من دمشق ومصر وغيرهما الناصر داود، وبرز العادل من الديار المصرية بُلبُيس قاصداً قتال الناصر داود، فاضطرب الجيش عليه، واختلف الأمراء، وقيَّدوا العادل واعتقلوه في خَرْكاه وأرسلوا إلى الصالح أيوب يستدعونه إليهم فامتنع الناصر داود من إرساله حتى اشترط عليه أن يأخذ له دمشق وحمص وحلب وبلاد الجزيرة وديار بكر ونصف مملكة مصر ونصف ما في الخزائن من الحواصل والأموال والجواهر قال الصالح أيوب،: فأجبتُ إلى ذلك مُكرها؟ ولا يقدر على جميع ما اشترط عليَّ ملوك الأرض وسرنا فأخذته معي خوفاً أن يكون هذا الكتاب من المصريين مكيدة، ولم يكن لي به حاجة وذكر أنه كان يسكر ويخبط الأمور ويخالف الآراء السَّديدة، فلما وصل الصالح إلى المصريين ملكَّوه عليهم، ودخل الديار المصرية سالماً مؤيداً منصوراً مظفَّرا، محبوراً، مسروراً، فأرسل إلى الناصر داود عشرين ألف دينار، فردّها عليه ولم يقبلها منه، واستقر ملكه بمصر، وأما الجواد فإنه أساء السَّيرة في سنجار، وصادر أهلها وعسفهم وكاتبوا بدر الدين لؤلؤاً صاحب الموصل فقصدهم – وقد خرج الجوادُ للصيد – فأخذ البلد بغير شيء وصار الجواد إلى عانه، ثم باعها للخليفة بعد ذلك وكان الجواد هذا ظالماً جائراً عسوفاً سلط خادماً لزوجته يقال: الناصح، فصادر الدماشقة، وأخذ منهم نحواً من ستمائة ألف دينار، وقلق من مُلك دمشق وقال أيش أعمل بالملك؟ بازٌ وكلب أحبُّ إلىَّ من هذا، ثم خرج إلى الصيد، وكاتب الصالح نجم الدين أيوب فتقايضا من حصن كيفا وسنجار وما يتبع ذلك إلى دمشق، فملك الصالح أيوب دمشق – كما مرّ معنا – وخرج الجواد منها والناس يلعنونه في وجهه، بسبب ما أسداه إليهم من المصادرات، وأرسل إليه الصالح أيوب ليَُردَّ إلى الناس أموالهم فلم يلتفت إليه، وسار وبقيت في ذمته، ولما استقرَّ الصالح في ملك مصر، كما سيأتي، حبس الناصح الخادم فمات في أسوأ حالة من القلة والقملِ جزاءً وفاقاً "وما ربك بظلام للعبيد" (فصلت:46).
ما كاد الصالح أيوب يتولى ملك مصر حتى أبدى أمراء الأيوبية في الشام استياءهم ورفضوا الخضوع لسلطانه، وكان أشدهم تصلباً عمه إسماعيل صاحب دمشق، الذي اتفق مع الملك المنصور صاحب حمص أن يكونوا حلفاً ضد نجم الدين، ومدوا يدهم إلى الصليبيين وطلبوا مخالفتهم ضد سلطان مصر والناصر داود في الأردن، وفي مقابل ذلك تعهدوا بإعطاء الصليبيين مدينة القدس وإعادة مملكة الصليبيين على ما كانت عليه قديماً بما فيها الأردن ولكي يبرهن صاحب دمشق على صدق نيته تجاه الصليبيين بادر فوراً بتسليم القدس وطبرية وعسقلان، فضلاً عن قلعة الشقيف وأرنون وأعمالها، وقلعة صفد وبلادها ومناصفة صيداً وطبريكة وأعمالهم وجبل عاملة وسائر بلاد الساحل .
وأمام هذا السخاء العجيب ثار الرأي العام الإسلامي في مصر والشام على الصالح إسماعيل، حتى إن حاميات بعض القلاع رفضت إطاعة الأوامر الصادرة إليها من الصالح إسماعيل، فسار هو بنفسه ليؤدب تلك الحاميات ويسلم الحصون للصليبيين في تلك الأثناء أسرع الصليبيون إلى تسلم بيت المقدس، وأعادوا تعمير قلعتي طبرية، وعسقلان، ثم رابطو بعد ذلك بين يافا وعسقلان استعداداً للخطوة التالية. وهنا وعدهم الصالح إسماعيل بأنه إذا ملك مصر أعطاهم جزءاً منها، فسال لعابهم لذلك واتجهوا صوب غزة عازمين على غزو مصروسار الصالح إسماعيل صاحب دمشق والملك المنصور إبراهيم الأيوبي صاحب حمص على رأس جيوشهما في مهمة غزو مصر .
ولكن قادة القوات الشامية رفضوا طعن إخوانهم المصريين، فما كادوا يلتقون بجيش الملك الصالح أيوب قرب غزة حتى تخلوا عن الصالح إسماعيل والمنصور إبراهيم وساقت عساكر الشام إلى عساكر مصر طائعة ومالوا جميعاً على الفرنج فهزموهم، وأسروا منهم خلقاً لا يحصون، بحيث أطلق على هذه المعركة اسم حطين الصغرى وقد استولى جيش الملك الصالح أيوب على أثرها على مدينة غزة في حين انسحب فلولا الإفرنج إلى عسقلان حيث عقدت صلحاً مع الملك الصالح أيوب الذي قبل ذلك بهدف القضاء على التحالف بين الصالح إسماعيل والصليبيين، وكان من شروط الصلح إطلاق الصالح أيوب سراح الأسرى الذين يسقطوا في يده مقابل التزام الصليبيين الجياد، غير أن الراوية والنبلاء الصليبيين ظلوا على عهدهم في المحافظة على المعاهدة مع دمشق ومقاومة الغزو المصري والواقع أن انحياز طائفة من عساكر دمشق إلى المعسكر المصري في معركة غزة وازدياد كراهية أهل دمشق للصالح إسماعيل، دفعت سلطان دمشق إلى إعلان الخطبة باسم سلطان سلاجقة الروم، مما أدى ذلك إلى تفاقم النقمة عليه، ولم ير الصالح إسماعيل بداً من مصالحة ملك مصر فذكر اسمه في الخطبة في سنة 1243م، ثم لم يلبث أن تم الاتفاق بين الصالح إسماعيل والصالح أيوب على حساب الناصر داود، فانتزعا منه إمارة الكرك
ومن شروط الاتفاق أيضاً أن يصبح الصالح إسماعيل سلطاناً على دمشق والكرك، على أن يذكر اسم الصالح أيوب في خطبة الجمعة وينقش اسمه على النقود غير أن الاتفاق فشل في اللحظة الأخيرة
[size="6"]استرداد بيت المقدس [/size]
تحالف الخوارزميين مع الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل
بعد فشل عملية الصلح بين الصالح أيوب وعمه الصالح إسماعيل عمد الصالح أيوب إلى استدعاء الخوارزمية وتحريضهم على مهاجمة دمشق فما كان من الصالح إسماعيل إلا أن استعان بالناصر داود مرة أخرى واتفق الملكان على الاستنجاد بالصليبيين مقابل تعهدهم، بأن تكون سيطرة الصليبيين على بيت المقدس تامة مطلقة، بمعنى أن يستولى الصليبيون على الحرم الشريف بما في فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة وهي الأماكن التي ظلت في حوزة المسلمين وتحت إشرافهم منذ استيلاء الصليبيين على بيت المقدس بمقتضى اتفاقية يافا سنة 627ه/1229م لقد أدى النزاع في البيت الأيوبي إلى التفريط ببيت المقدس قال ابن واصل: في إحداث سنة 641ه: .. ودخل الفرنج القدس وتسلموا الصخرة المقدسة والأقصى وما في الحرم الشريف من المزارات، وضمنوا للفرنج – على ما اشتهر – أنهم إذا ملكوا الديار المصرية أن يكون لهم بها نصيب، وجمع الفرنج الفارس والراجل وحشدوا ... وسافرت في أواخر هذه السنة إلى الديار المصرية، ودخلت البيت المقدس، ورأيت الرهبان والقسوس على الصخرة المقدسة وعليها قناني الخمر برسم القربان ودخلت الجامع الأقصى، وفيه جرس معلق، وأُبطل بالحرم الشريف الأذان والإقامة وأعلن فيه بالكفر ، وكان الناصر داود فتح بيت المقدس في سنة 637ه ثم فعل هذه الفعلة القبيحة، وقد انتقم الله منه فيما بعدوكان الصليبيون آثروا محالفة الصالح إسماعيل والناصر داود، لأن توطيد أواصر الصداقة مع ملكي دمشق والأردن كان أجدى عليهما من مخالفة ملك مصر، لاسيما وأن غزو مصر بالتعاون مع هذين الملكين يجدد أمامهم الأمل في احتلالها والاستيلاء على كنوزها وخيراتها، مما دفع الملك الصالح أيوب إلى الاستعانة بالخوارزمية ودعوتهم لمساندته في صد الهجوم الثلاثي الموجه على مصر، فعبروا نهر الفرات في عشرة آلاف مقاتل، وأمعنوا في سيرهم حتى بلغوا دمشق، وهم ينهبون ويقتلون ويسبون، وارتكبوا من الفواحش ما ارتكبه التتار فساد الذعر واشتد الخوف في جميع البلاد والأراضي التي اجتازوها، وصار الناس يهربون من وجوههم، ثم سار الخوارزمية إلى طبرية فاستولوا عليها، ومنها توجهوا إلى نابلس وبيت المقدس وأحس الصليبيون بما يحيق بهم من الخطر فسارع بطريرك المدينة ومن معه من مقدمي الراوية والاسبتارية إلى تعزيز الحاميات التي تحصنت وراء الاستحكامات التي شيدها من جديد الراوية، غير أن جميع الجهود ذهبت سدى وفي الثاني من صفر سنة 642ه/الحادى عشر من تموز 1244م اقتحم الخوارزمية المدينة وجرى القتال في الشوارع واستنجد الصليبيون بأمير أنطاكية وطرابلس، وبملك قبرص، وبإخوانهم في عكا، وبحلفائهم المسلمين في دمشق والأردن، فلم ينجدهم أحد، وكل ما قام به الناصر داود أنه توسط في خروج من يرغب منهم في مغادرة المدينة إلى الساحل غير أنه لم يصل منهم إلى يافا سوى ثلاثمائة ، لقد كان مسلك الخوارزمية في القدس وفي مطاردة الصليبيين الذين غادروها إلى يافا يتناقض مع مسلك صلاح الدين صاحب الشمائل الكبيرة والمرؤة الكريمة، والتسامح الجميل يوصف هذا الفتح بالفتح الصلاحي النجمي، نسبة إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب، إذ تم الفتح في عهده.
الصالح أيوب وتوحيد الدولة الأيوبية
بعد أن استولى الخوارزمية على بيت المقدس ساروا إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب يخبرونه بقدومهم فأمرهم بالإقامة في غزة، وفي الوقت ذاته سير نجم الدين أيوب عسكراً من مصر بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس، فسار إلى غزة وانضم الخوارزمية وفي الثاني عشر من جمادي الأولى سنة 642ه/السابع عشر من تشرين الأول سنة 1244م حدث اللقاء عند غزة بين الجيش المصري ومعه الخوارزمية من ناحية والصليبيون وجيوش حمص ودمشق من ناحية أخرى وتمكن الجيش المصري والخوارزمي بإلحاق هزيمة ساحقة بالتحالف الشامي الصليبي ، قال ابن كثير عن هذه الوقعة في أحداث سنة 642ه كانت فيها وقعة عظيمة بين الخوارزمية الذين كان الصالح أيوب صاحب مصر قد استقدمهم ليستنجِد بهم على الصالح إسماعيل أبي الحسن صاحب دمشق، فنزلوا على غَزَّة، وأرسل إليهم الصالح أيوب الأموال والخِلعَ والخيل والأقمشة والعساكر، فاتفق الصالح إسماعيل والناصر داود صاحب الكرك والمنصور صاحب حمص مع الفرنج واقتتلوا مع الخوارزمية قتالاً شديداً فهزمتهم الخوارزمية كسرة منكرة فظيعة، هزمت الفرنج بصلبانها وراياتها العالية على رؤوس أطلاب المسلمين، وكانت كئوس الخمر دائرة بين الجيوش، فنابت كئوس المنون على تلك الخمور، فقتل من الفرنج في يوم واحد زيادة عن ثلاثين ألفاً، وأسروا جماعة من ملوكهم وقسوسهم وأساقفتهم، وخلقاً من أمراءِ المسلمين، وبعثوا بالأسارى إلى الصالح أيوب بمصر، وكان يؤمئذ يوماً مشهوداً وأمراً محموداً، وقد قال بعض أمراء المسلمين؛ قد علمت أنّا لمّا وقفنا تحت صلبان الفرنج أنا لا نُفلِحُ وغنمت الخوارزمية من الفرنج وممّن كان معهم شيئاً كثيراً، وأرسل الصالح أيوب إلى دمشق ليُحاصرها، فحصّنها الصالح إسماعيل، وخَّرب من حولها رِباعاً كثيرة، وكسر جسر باب تُوما، فكسر النهر، فتراجع الماء حتى صار بُحيرة من باب تُوماء وباب السَّلامةَ، فغرق جميع ما كان بينهما من العمُران وافتقر كثير من الناس، فإنا لله وإنا إليه راجعون بعد معركة غزة سارع القائد المصري بيبرس إلى الإسيتلاء على غزة والساحل، والقدس والخليل وبيت جبريل والأغوار ثم حاصر دمشق وفيها صاحبها الصالح إسماعيل وإبراهيم بن شيركوه صاحب حمص، ولما ضاق صاحب دمشق بالحصار ذرعاً سير وزيره أمين الدولة إلى العراق متشفعاً بالخليفة العباسي ليصلح بينه وبين ابن أخيه الصالح أيوب، فلم يجبه الخليفة إلى ذلك، وبعد حصار دام ستة أشهر استسلمت دمشق في الثامن من جمادى الأولى سنة 643ه/الأول من تشرين الأول سنة 1245ن وعوض الصالح إسماعيل عنها ببعلبك وبصرى وأعمالها
وأما الخوارزمية، فقد انقلبوا على الصالح نجم الدين أيوب لأنهم لم يحصلوا على ما كانوا يطمحون إليه، فهم ظنوا أنهم بعد أن ساعدوه في التغلب على خصومه وفي تملك بلاد الشام سوف يقاسمهم الغنائم ويشاطرهم الملك، لكن ظنهم خاب عندما منعهم دخول دمشق وأقطعهم بلاد الساحل، فتغيرت نياتهم واتفقوا على الخروج عن طاعة السلطان ، وأعلنوا الثورة وسارع الناصر داود صاحب الكرك، والملك الصالح إسماعيل بالإنضام إليهم، وزحفوا جميعاً على دمشق وحاصروها وقطعوا عنها الإمدادات، فاشتد الغلاء بها، ومات كثير من الناس جوعاً، وأكل الناس القطط والكلاب والميتات، واستمر هذا البلاء ثلاثة أشهر، وهنا أظهر الصالح أيوب صبراً ومهارة فلجأ إلى أعمال الحيلة والتدبير، فأغرى الملك المنصور إبراهيم صاحب حمص على الانضمام إليه فضلاً عن استمالة الحلبيين، كما تحايل على بعض الأمراء وفك التحالف وبفضل – الله – ثم هذه الإجراءات تمكن الصالح أيوب من إنزال الهزيمة بالخوارزمية بالقرب من حمص في أول المحرم سنة 644ه /1246م ولقي زعيمهم مصرعه، فتبدد شملهم، ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة وبعد القضاء على الخوارزمية قام الصالح أيوب برحلة إلى الشام ليقف على ما ناله من نصر، وليعزز مركزه، فتوجه إلى دمشق حيث لقي بها استقبالاً حافلاً في سنة 645ه/26 آذار سنة 1347م، ثم سار إلى بعلبك وبصرى وبيت المقدس، ثم عمر ما تخرب من المباني، وأقام عمائر جديدة في البلاد التي خضعت له، وتشهد النقوش على ما قام به من مبان وإنشاءات في دمشق والشوبك وصرخد وبصرى وبيت المقدس .
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:31 am

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:41 am

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:52 am

[align=center][size="5"]
[size="6"]الحملة الصليبية الثامنة[/size]
كانت الحملة الثامنة حملة صليبية أطلقها لويس التاسع ملك فرنسا، وكان وقت ذاك في أواسط الخمسينات في 1270. تحتسب الحملة الصليبية الثامنة أحيانا بأنها السابعة، في حال عدت الحملتين الخامسة والسادسة التان قادهما فريدريك الثاني أنهما حملة واحدة. كما تعتبر الحملة التاسعة أحيانا بأنها جزء من الحملة الثامنة.
إنزعج لويس من الأحداث التي جرت في سوريا، حيث كان السلطان المملوكي بيبرس يهاجم بقايا الممالك الصليبية. وإستغل بيبرس فرصة أن التحريض على الحرب بين مدن فينيسيا وجنوه ضد بعضها البعض بين الأعوام 1256 و 1260 أرهقت الموانئ السورية التي كانت المدينتان تسيطران عليها. وبحلول 1265 كان بيبرس قد سيطر على الناصرة وحيفا وطورون وأرسوفز. نزل هوغ الثالث القبرصي، الملك الإسمي لمملكة القدس اللاتينية في عكا لحمايتها، بينما تحرك بيبرس شمالا حتى وصل ارمينيا، والتي كانت في ذلك الوقت تحت الحكم المغولي.
قادت هذه الأحداث لويس للدعوة لحملة جديدة عام 1267، بالرغم من قلة الدعم في ذلك الوقت؛ إلا أن جين جونفيلييه، المؤرخ الذي رافق لويس في الحملة السابعة رفض مرافقته. وإستطاع أخ لويس تشارلز من آنيو إقناع لويس بأن يهاجم تونس اولا، بحيث أن ذلك سيعطيه قاعدة قوية ليبدأ الهجوم على مصر، كان التركيز على حملة لويس السابقة وكذا الحملة الصليبية الخامسة التي سبقته، والتان بائتا بالفشل هناك. كما كان لدى تشارلز ملك نابليس إهتماماته الخاصة في منطقة المتوسط. كما كان لسلطان تونس علاقات إسبانيا المسيحية واعتبر مرشحا قويلا للإرتداد. فأبحر لويس عام 1270 من كاغلياري في صقلية ووصل السواحل الأفريقية في يوليو، وهو موسم سيء للرسو. ومرض العديد من الجنود بسبب مياه الشرب الملوثة، وفي 25 اغسطس مات لويس بالكوليرا أو الطاعون على ما يبدو، وذلك بعد وصول تشارلز بيوم واحد. ويروى أن آخر ما تلفظ به لويس كان "القدس." ، فأعلن تشارلز فيليب الثالث ابن لويس الملك الجديد ، ولكن وبسبب صغر سن فيليب ، كان تشارلز الملك القائد الفعلي للحملة الصليبية.
بسبب تفشي الأمراض، تم التخلي عن حصار تونس في 30 أكتوبر وذلك بإتفاق مع السلطان. حيث حصل الصليبييون على إتفاق تجارة حرة مع تونس، وتم الموافقة على وجود القساوسة والرهبان في المدينة، وبذلك يمكن ان تعتبر هذه الحملة نصر جزئي. تحالف تشارلز مع الملك إدوارد الإنجليزي، والذي وصل متأخرا قليلا. وعندما ألغى تشارلز الهجوم على تونس، توجه إدوارد إلى عكا، بما يعرف أحيانا بالحملة الصليبية التاسعة، والتي شكلت آخر توجه صليبي إلى سوريا.
[/size]
[/align]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:55 am

[align=center][size="5"]
[size="6"]الحملة الصليبية التاسعة[/size]
كانت هذه هى الحملة الإخيرة للسيطرة على الأراضى المقدسة والإستيلاء عليها من المسلمين حتى يضمنوا حرية زيارة الفرنجة للأراضى المقدسة
ذهب الأمير إدوارد من أنجلترا إلى تونس متأخراً لمساعدة الملك لويس الرابع أمبراطور فرنسا ولكنه واصل متأخراً فواصل رحلته إلى آكر عاصمة إمارة أورشليم اللاتينية والحصن القريب من البحر , وحدث أنه وصل سنة 1271م , فى نفس الوقت الذى وصل فيه سلطان المماليك بيبرس وحاصر تريبولى الحصن الوحيد الذى لم يستولى عليه بدون أن يقدر على الإستيلاء عليه ولكنه أستولى على كل أراضى هذه الإمارة اللاتينية ,
وفى سنة 1268 م أستولى بيبرس على أنتيوتش آخر مدينة أو حصن فى أمارة أنتيوتش اللاتينية
فى سنة 1271م ثم قاد السلطان المملوكى بيبرس حملة بحرية على قبرص فى محاولة لغزوها , لينسحب هوف الثالث ملك قبرص منها والذى كان فى نفس الوقت متوج كملك لأورشليم ليخرج من أكر , ولكن دُمرت حملة بيبرس البحرية تماماً .
وقد قام أمير أنجلترا أدوارد بتوحيد الجبهة المسيحية المنقسمة ضد السلطان بيبرس والتى كانت منقسمة إلى قسمين الملك هوف وفرسان قبرس من عائلة إيبلن والتى أدت إلى الإنتصار السابق .
كما قام أمير أنجلترا بعمل آخر هو أنه عقد هدنة بين الفرنجة وبين السلطان المملوكى بيبرس لمدة 11 سنة .
ولما وجد السلطان بيبرس أن أمير أنجلترا أدوارد قائد قوى حوال قتله بالأغتيال فأرسل عدة رجال مسلمين ليعتنقوا المسيحية ويتعمدوا ولكنهم فشلوا .
فى سنة 1272م غادرأمير أنجلترا إدوارد منطقة الشرق الأوسط عندما جائتة أخبار بأن ملك أنجلترا هنرى الثالث توفى .
[/size]
[/align]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 11:57 am

[align=center][size="5"]
[size="6"]الحملة الصليبية العاشرة [/size]
كان امير أنجلترا إدوارد يصحبه ثيوبالد فاسكونتى الذى أصبح فيما بعد بابا الكاثوليك فى سنة 1271 ومسح بأسم البابا جريجورى الخامس
البابا جريجورى الخامس دعا أمراء وملوك واباطرة أوربا لحملة جديده ضد بيبرس لإعادة السيطرة على الأراضى المقدسة وذلك فى مدينة ليون فى مجمع كنسى عقده هناك ولكن لم يتحمس أحد لهذه الدعوة
فى سنة 1291 م بيبرس لم يجد أمامه مقاومة تذكر فإستولى على باقى حصون الإمارات اللاتينية التى كانت باقية تحت سيطرة الفرنجة
[size="6"]هل هناك حملات صليبية أخرى ؟[/size]
وقالت بعض الأبحاث الحديثة أن الحملات الصليبية أستمرت فى القرن الرابع عشر والخامس عشر وأستمرت حتى نهاية القرن السابع عشر فهناك الحملة الصليبية التى قامت فى سنة 1571م بواسطة ليبانتو, وحملة هنجارى فى سنة 1664م , وحملة دوق بورجونداى لـ كاناديافى 1669م
[/size]
[/align]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
عطر الياسمين
Admin
عطر الياسمين


عدد المساهمات : 184
تاريخ التسجيل : 03/03/2010

@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Empty
مُساهمةموضوع: رد: @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@   @@@الحملات الصليبية على الشرق@@@ Emptyالجمعة مارس 26, 2010 12:00 pm

[size="5"][align=center]
وفيما يلى نستعرض أهم الدروس والعبر المستفادة من دراستنا لعصر الحروب الصليبية:
كانت هذه الفترة من تاريخ الأمة فيها الكثير من الدروس والعبر والتي يمكننا أن نستفيد منها في واقعنا المعاصر ونجملها في النقاط الآتية:
1- وجوب الحذر من كيد أعداء الإسلام في كل زمان ومكان وإن اختلفت الوسائل وتنوعت الأساليب.
2- أهمية العلماء في نهوض الأمة ووجوب الدعوة إلى الله على بصيرة.
3- أهمية العمل الدؤوب وعدم استعجال النتائج خاصة في المجال الدعوي.
4- إن المقاومة الهادئة للغزاة على منهج سليم أساس النجاح والانتصار على الأعداء وتحصين الصف الداخلي.
5- للأقليات الإسلامية في ديار الغرب رسالة هامة، ولذلك وجب الاهتمام بها لتحقيق الأهداف المرجوة على المدى الطويل.
6- إن بقاء المسلمين في أوطانهم وعدم تركها أمام زحف العدو من أهم أسباب بقاء الإسلام فيها ومن ثم رحيل العدو منها.
7- إن التصميم على المطالبة بالحق وعدم التنازل عنه حتى في حالات الضعف من أهم أسباب تحصيله.
8- أهمية تأليف الكتب العلمية لأحياء الأمة وتقرير العقيدة، وبيان السنة، وإبراز محاسن الإسلام وإبطال شبهات الأعداء حوله بمختلف اللغات.
9- ضرورة إعداد المتخصصين بمعرفة شبهات الأعداء حول الإسلام وأساليبهم وطرق الرد عليهم وتعميم الثقافة الإسلامية.
10- أهمية التزام المسلمين بأحكام دينهم وأثر ذلك في نشر الإسلام وقبوله لدى الآخرين.
11- خطورة الاختلاف والتناحر على الأمة وأثر الوحدة في عزتها وقوتها.
12- عدم القنوط واليأس مهما كبرت الرزايا وكثرت الفتن
ونحب أن نؤكد أنه في الوقت الذي كانت تجرى فيه رحى المعارك الحربية بين المسلمين والصليبيين، كان هناك معارك أخرى بين الطرفين في صورة السجال الديني والجدل الثقافي والردود المتبادلة ومحاولة كل طرف إثبات أفضلية معتقدة الديني وقد برز في هذا الجدال والسجال أعلام وقادة من أشهرهم القرطبي والخزرجي والقرافي ، وغيرهم، فدافعوا عن ثقافة الأمة وعقيدتها وخلّد الله ذكر مساعيهم وأعمالهم الحضارية الرائعة التي لا تزال آثارها إلى يومنا هذا.
خالص تقديرى واحترامى .
[/align]
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://3tr-alyassmin.yoo7.com
 
@@@الحملات الصليبية على الشرق@@@
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عطـــر الياسمين :: عطر العلم والمعرفة :: المنتدى التاريخى-
انتقل الى: